الحياة خارج الأرض من المواضيع الحديثة نسبيا، لكن حجم الإنتاج العلمي و الأدبي في الموضوع يكاد يكون أهم من عمر الفكرة ذاتها. فقد ألهمت الفرضية خيال العلماء و الأدباء على السواء، و حركت ما هو كامن في النفس البشرية من حب الإستكشاف و الإنفتاح على كل غريب. و يعد كوكب المريخ أقرب أجرام المجموعة الشمسية إلى كوكبنا و أكثرها شبها به. لكنه يعاني من غياب شبه تام للماء، ما يناقض أساسيات الحياة. و إذا كان انتقال الحياة من خارج الأرض إلى داخلها يصعب دراسته و التأكد منه، فإن العكس على الأٌقل قد يكون قوي الإحتمال. و هذا ما ادعته دراسة حديثة لعالم البيولوحيا الفلكية “مارك شنييجورت” (Mark Schneegurt) من جامعة ويتشيتا ستيت بولاية كنساس (Wichita State University in Kansas)، و قد ثم الإعلان عن نتائج الدراسة خلال الإجتماع الذي عقدته الجمعية الأمريكية للمكروبيولوجيا، بتاريخ 21 يونيو 2019.
أظهر فريق البحث -لأول مرة- أن بعض البكتيريا المحبة للملح (Halomonas) يمكن أن تجف ثم تعود إلى الحياة بقليل من الرطوبة، و تحت ظروف شبيهة بالظروف الكيميائية للمريخ.
يشتبه العلماء أن الميكروبات الموجودة في المناطق القاحلة قد تحصل على الماء من رطوبة الجو وحدها، لكن لا أحد أظهر قبل هذه الدراسة أن الميكروبات المجففة يمكن أن تنتعش و تعود للحياة بهذه الطريقة. خلال الإجتماع المذكور أعلاه، صرح “مارك شنييجورت” بأن بكتيريا هالوموناس (Halomonas) المستخرجة من بحيرة هوت لايك بواشنطن (Washington’s Hot Lake) بدأت تنمو مرة أخرى بعد امتصاص رطوبة الهواء داخل جرة. ولهذا الاكتشاف أثر كبير على موضوع الحياة خارج الأرض.
و استمرارا لنفس الدراسة، قام شنييجورت وزملاؤه بزرع البكتيريا المستخرجة في محلول كبريتات المغنسيوم. و يعد هذا الأخير إلى جانب بيركلورات المغنسيوم أهم الأملاح الموجودة في المريخ. و تمتاز هذه الأملاح بتنافر ضعيف مع جزيئات الماء، مقارنة مع أملاح الصوديوم المتنشرة في الأرض، لهذا فإن الأملاح المريخية تمنح الميكروبات فرصة أكبر للحصول على الرطوبة ثم الحفاظ عليها. و من جهة أخرى، فقد وجد فريق البحث أن البكتيريا (موضوع الدراسة) تستطيع أن تواصل نموها في محلول المغنسيوم في درجة حرارة قريبة من حرارة المريخ، لكن نموها في هذه الحالة بطيء جدا، حيث يستغرق عدة أشهر. كما أن تعاقب التجفيف والترطيب عدة مرات لا يؤدي إلى موتها.
و حسب شنيجورت، فقد تم اكتشاف الميكروبات التي تحتمل ملوحة المغنسيوم داخل غرف نظيفة حيث تقوم “ناسا” ببناء مركبتها الفضائية.و هذا يعني حسب نفس المصدر أن هذه الأحياء الدقيقة قد تكون انتقلت إلى المريخ، و أنها قد تتمكن من التكيف مع ظروف الكوكب الأحمر. و يتساءل شنيجورت عن الخطر المحتمل و الكامن في “تلويث الفضاء بالحياة الأرضية”.
و في الختام، قال شنيجورت أن كوكب المريخ لا يناسب الأحياء الأرضية، على العموم. و ذلك بسبب برودته و جفافه الشديدين. لكن الدراسة بينت أن بعض البكتيريا الإستثنائية قد تتكيف مع الظروف الكيميائية للكوكب الأحمر.