image_pdfimage_print

لطالما جمعنا وعالم الحيوان العديد من الخصائص والممارسات، سواء على المستوى البيولوجي أوالفيسيولوجي أو حتى على المستوى السلوكي الفردي والجماعي.

ويعد الصيام واحدا من أهم الممارسات المشتركة فيما بيننا. فكيف تصوم الحيوانات ولماذا؟

أسئلة سنحاول الإجابة عنها وأكثر في هذا المقال.

تتعدد أسباب الصيام وطرقه لدى الحيوانات باختلاف أنواعها وأجناسها، إذ نجد أن الفِيَلَة والقطط والكلاب تصوم في حال تعرضها لإصابات خطيرة، بينما تصوم الخيول والأبقار عند المرض. كما تقوم بعض الحشرات كالعناكب بالصيام كنوع من التكيف في مرحلة اليرقة. وليس هذا فقط، إذ تصوم أسماك السلمون وطيور البطريق والبجع وثيران البحر، إضافة إلى الفقمات بغرض تحسين جودة الحيوانات المنوية والبويضات على حد سواء، من أجل تهيئة جيل سليم وكُفْء قادر على التكيف مع المناخ الحالي.

وتختلف دورة الصيام ومدته من حيوان لآخر. فوفقًا لـ”سباركس” (1983) -الذي ربط مصطلح السبات بصيام الحيوانات- تنام بعض الحيوانات لشهور في الشتاء خلال فترة السبات، فيقلل هذا من درجة حرارتها إلى درجة واحدة أعلى من درجة حرارة محيطها البيئي، كما يقوم السبات بخفض معدل ضربات القلب بنسبة تصل إلى 2٪، إضافة إلى التقليل من استهلاك الأكسجين بنسبة تصل إلى 3٪ (“كامبل” ، وآخرون ، 2004). نجد من بين هذه الحيوانات : الدببة والفقمات واليرقات وطيور البطريق والخفافيش والفئران والقنافذ والسحالي والذباب والنحل وطيور الخشب وبعض الحشرات.

وهناك بعض الحيوانات التي تختار الصيام أو السبات خلال فصل الصيف. وتعزو ذلك إلى ندرة الطعام أو وقاية من الجفاف. وتشمل هذه الحيوانات التماسيح والثعابين والضفادع وحشرات اليعسوب وخنازير البحر والليمور والقواقع وسمك الرئة وسرطان البحر والرخويات. كما أنها تصوم لفترات زمنية مختلفة تتراوح من أيام إلى ست سنوات، كما هو الحال عند بعض البزاقات (“هيكمان” وآخرون ، 2012).

وعلى عكس ما سبق، تقوم بعض الحيوانات بالصيام بعد تناولها لصيدها. وتعد الثعابين أبرز من يقوم بذلك، إذ تحتفظ بفرائسها داخل أمعائها خاصة عندما تكون الفرائس أكبر من أجسامها. حينها تكون الثعابين في حاجة إلى الكثير من الوقت لهضمها. فتصوم لمدة تتراوح بين 2 و3 أسابيع. وأثناء الصوم تركن الثعابين إلى الاختباء داخل جحورها بعيدة عن أعين مفترسيها. حيث تكون حركتها ثقيلة وبطيئة، ما يصعب عليها الفرار من مطارديها كالنسور وحيوانات النمس.

وأثناء هذا الاختباء، تغتنم الثعابين الفرصة فتقوم بتغيير جلودها، مستغلة ارتفاع درجة حرارة جسمها بسبب الصيام، مايسهل عليها عملية التجديد.

ومن الناحية البيولوجية، تناولت إحدى الدراسات التغيرات العضوية التي تحدث أثناء صيام الحيوانات. فرصدت هذه الدراسة تغيرا في إفراز هرمون الغدة الدرقية. إذ ينخفض تركيزه لدى بعض الحيوانات كالدببة السوداء، ويرتفع عند أخرى كصغار الفقمات الشمالية. وتبرز أهمية هذا الهرمون في تنظيم التكيف مع الصيام، حيث يتحكم في إنتاج الطاقة في الخلايا الجزئية، ما يساعد على تحفيز تكوين البروتينات المشاركة في عملية التمثيل الغذائي.

من ناحية أخرى، يعزز صيام الحيوانات من تطوير مقاومة “الأنسولين”، الشيء الذي يضمن لها استمرار استقلاب “الكلوكوز” من طرف الدماغ. والمثير للاهتمام هو أن هرمون الغدة الدرقية و”الأنسولين” مرتبطان فيما بينهما، بحيث إن التغيرات التي قد تطرأ على أحدهما قد تؤثر على قدرة الهرمون الآخر على العمل بشكل صحيح.

فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الإفراط في إنتاج هرمون الغدة الدرقية إلى زيادة نسبة السكر في الدم عن طريق تعزيز امتصاص “الجلوكوز” الغذائي في الدم، وتعطيل خصائص تخزين “الجلوكوز” في “الأنسولين” وتعزيز تكوين “الجلوكوز” من الدهون أو البروتينات في الكبد. من ناحية أخرى، فإن النقص في هرمون الغدة الدرقية يعزز إفراز “الأنسولين” ويخفض نسبة “الجلوكوز” في الدم عن طريق تثبيط إنتاجه في الكبد وامتصاصه من الجهاز الهضمي.

ويأتي الصيام هنا، كوسيلة لتحقيق التوازن الذي يسمح بالاستخدام الفعال للطاقة خلال الفترات التي يندر فيها الطعام، ما يساهم في صحة الحيوانات التي تخضع بشكل دوري لنوبات من الصيام لفترات طويلة.

______________________________________________________________________

المصادر:

B Martinez, RM Ortiz. Thyroid Hormone Regulation and Insulin Resistance: Insights From Animals Naturally Adapted to Fasting. Physiology. Published 15 February 2017. Vol. 32 no. 2, 141-151. DOI: 10.1152/physiol.00018.2016


الكاتب: [a ِ] [a ِ]
المدقق اللغوي: علي توعدي