image_pdfimage_print

لطالما شكلت القدرة على التخفي حلما مؤرقا لبني البشر ، فألهمت ،لاسْتِحالَتِها، العديدَ من الكُتَّاب و الفلاسفة على مر العصور…

نجد أن التاريخ يعج بالروايات الأسطورية التي تتحدث عن قدرة الإنسان على التخفي فنجد في “محاورات أفلاطون” مثلا قصة “جيجي” الذي وجد حلقة تمكنه من التخفي ، في الأدب الشعبي أيضا نسمع عن عباءات و قبعات الإخفاء، و في الأدب الحديث نجد مثلا رواية الخيال العلمي “الرجل المتخفي” لهيربرت جورج ويلز و التي ألهمت فيما بعد العديد من روائيي القرن الماضي.

 Credit: Staffan Larsson

تمكنت العلوم بفضل التطورات التقنية الحديثة من جعل حلم التخفي ممكنا على الأقل بالنسبة للأشياء (انظر المقال ) وفي المستقبل القريب سيصبح الأمر كذلك ممكنا بالنسبة لجسم الإنسان. و مع أن تأثير التخفي على الجسد وعلى الدماغ على وجه الخصوص لايزال أمرا غير واضح المعالم.فقد أُجريت دراسة علمية حديثة نشرها فريق من علماء الأعصاب من معهد كارولينسكا بالسويد ،تفيد إمكانية خلق إدراك حسي يمكننا من الشعور بأن أجسادنا هي أجساد وهمية غير مرئية، و تفيد أيضا الدراسة بأن هذا الشعور قد يمكننا من إزالة التغلب على القلق و التوتر في حالة التعرض لأزمات اجتماعية صعبة.

أخضع باحثون بمعهد كارولينسكا فريقا من المتطوعين لتجربة أجريت على النحو التالي :

يقوم المتطوع بارتداء خوذة تحمل شاشة رقمية، ثم يطلب منه النظر إلى بقية جسده، ليرى عوضا عن جسده الذي يتحسسه مساحة فارغة … بعد ذلك يقوم المُجَرِّب بلمس مناطق مختلفة من جسده بواسطة فرشاة، ويقوم باستخدام فرشاة أخرى بنفس الحركات أمام  جهاز رقمي لاقط، يستقبل الدماغ في هذه الحالة ما يتحسسه المتطوع، بينما يرى المتطوع أنه خفي يرى أن الفرشاة عندما تلامسه وكأنها تلامس الفراغ، بمعنى أوضح يقوم المتطوع باستشعار ما يحدث له بينما يرى بعينيه ما يحدث أمام اللاقط الرقمي.

قام فريق البحث في مرحلة أخرى من التجربة بإخضاع المتطوع لتجربة طعن بالسكين ،يقوم المجرب بالإمساك بالسكين ويقوم بحركة طعن وكأنه سيحشر السكين في الجزء الفارغ أمام اللاقط الرقمي …مباشرة بعد حركة طعنه المُمَوِّهَة يستقبل دماغ المتطوع  إحساسا وهميا بأن جسده قد طعن فعلا، فيقوم بإرسال إشارات عصبية تُوَتِّر المتطوع فتزداد سرعة نبض قلبه مما يُسبب ارتعاشا في جسده ويتصبب عرقا. نخلص إذن من نتائج التجربة أن الدماغ قد صدّق حقا أن الجسد قد طُعن وبالتالي فالفريق البحثي قد نجح فعلا في خلق الإحساس المنشود : الإحساس الوهمي بالتخفي… ومن يدري فلربما يمكن لهذا الإحساس أن يساعد البعض منا للتغلب على مخاوفهم النفسية من قبيل الاضطرابات و القلق الاجتماعي فالإحساس بوجود هيئة غير مرئية قد يكون مريحا إلى حد ما.

تتوقع الأبحاث أن تكون نتائج هذه الدراسة ذات فضل كبير في تطوير العلاجات و الدراسات في كل من علم النفس و علم الأعصاب.

 المصادر : رابط الدراسة العلمية ، 2 ، 3

 


الكاتب: نورة أبليق
المدقق اللغوي: رشيد لعناني