تطرقنا في المقال السابق إلى أحد الأهداف الكبرى للخيمياء، والمتمثل في تقليد أو تصنيع الذهب و تحقيق الإغتناء، إلا أن الخيميائيين بالموازاة مع ذلك عملوا على إيجاد طريقة لإيطالة أعمارهم و بقائهم على قيد الحياة قدر المستطاع. المقال التالي سيحدثكم عن إكسير الحياة، المادة المنشودة من أجل تحقيق الخلود.
لم تكن للخيمياء صلة فقط بالمواد و المعادن، بحيث أنها مرتبطة أيضا بالطب فاقترنت مثلا بالأفكار الرئيسية لمواد مطيلة للعمر تشمل الإقتناع التام بإمكانية إطالة العمر كيميائيا، و الأمل في محافظة مماثلة على الشباب، و التفكر في إمكان الإنتهاء من إنجاز التوازن التام بين الطبائع الأربعة التي تم التطرق إليها في مقالنا عن نظرية العناصر الأربعة، و توسيع فكرة تمديد العمر إلى مدهب “هبة العمر” أو نظام “التوالد الصناعي” و التطبيق الغير المحظور لتطبيقات الأكسير في العلاج الطبي للأمراض.
فقد ٱعتبر بعض الخيميائيين أن المعادن هي عبارة عن خليط بين الزئبق و الكبريت بنسب معنينة تختلف بإختلاف المعدن، و أن تصنيع الذهب ممكن إن جُمع هذان العنصران بنسب دقيقة، حيث لا يمكن أن تتم العملية إلا حين تستعمل مادة تسمى “الإكسير”، هذا الإكسير الذي إن أُضيف للذهب ينتج عنه خليط يحقق الخلود، إضافة إلى ٱستعمالاته في إستعادة الشباب، إطالة العمر و شفاء كل الأمراض. و حتى تكون لهذه المادة سمعة واسعة أُطلق عليها ” حجر الفلاسفة” أو “إكسير الحياة”. فكما أن للخيمياء أوجه عديدة تُعرف بحسب أنشطة الخيميائييين و أفكارهم، إلا أن موضوع إطالة العمر يرتبط بوجه آخر للخيمياء يعرف بما يسمى “الخيمياء الروحية”، مجال يهتم كثيرا بالتحولات التي تطرأ على الروح من خلال طقوس و تأملات و ممارسات معينة تلعب على سيكولوجيا الممارس و تجعله يصل لمرتبة اللاوعي.
و في الختام، أود أن أشير إلى أن التطرق لكل هاته المواضيع التي تتسم ببعض الحساسية و تحمل ما تحمله من الخرافة و غياب المنطق الذي تُفهم به الأمور في عصرنا، كان على سبيل التعريف و لو سطحيا بكل الجوانب المتعلقة بنشأة هذا العلم، إذ لا يمكن الحديث عن أصل الكيمياء دون المرور عن هاته الأفكار التي طبعت أعمال الخيميائيين، و التي تستحق الإشارة إليها و التعريف بها لا لشيء سوى للتعريف بالمنهج العلمي الذي سلكه هؤلاء الفلاسفة للبناء المعرفي. منهج قد يكون هو الأساس الذي تبنى عليه الأفكار في عصرنا هذا، و قد تكون مناهجا فشلت لأنها لم تبنى على أسس سليمة فوجب التعريف بها أيضا لتفاديها.
فلقد فشلت بالطبع محاولات تحويل المواد الخسيسة إلى ذهب أو إطالة الحياة بوسائل كيميائية، و أي علم قديم آخر كان أيضا مبنيا على فرضيات و مقدمات زائفة. و لا يمكن إنكار حقيقة أن العديد من الدجالين و المشعودين عبر القرون زعموا أنهم خيميائيون و غرضهم الوحيد هو خداع الغافلين، و من ثم إثراء أنفسهم. و برغم ذلك فإن الخيميائيين الجادين يجب أن يقع عليهم قدر من اللوم لحالة مهنتهم المشكوك فيها.
الكاتب: