image_pdfimage_print

تقوم العديد من الكائنات الدقيقة بإعادة ترجمة تعليمات الرمز الوراثي التي تشير إلى توقف الترجمة (تركيب البروتين)، هذا الرمز لم يعد عالميا بالمعنى الذي كان سائدا.

dna-code-webمنذ اكتشافه في الستينات، اعتبر الرمز الوراثي مشتركا بين جميع الكائنات الحية ” بدءا بالعصية القولونية وصولا إلى الفيل”، حسب مقولة الاختصاصي في علم الوراثة Jacques Monod. رغم اكتشاف بعض الاستثناءات لدى الميتوكندريات  وبعض الكائنات الحية أحادية الخلية كالهدبيات، يبقى الاعتقاد السائد أنها لا تشكل إﻻ تباينات داخل محور عالمي.

بيد ان دراسة نشرتها نتالي ايفانوفا وزملاؤها من مركز التسلسل (JGI)  Genome Joint Institute،  القريب من سان فرانسيسكو، تفيد بأن هذه التغيرات تتكرر اكثر مما كان متوقعا.

بتحليل الجينومات البيئية (metagenome) لقرابة 1800 عينة تعود لدراسات سابقة، أظهر الباحثون أن عددا مهما من التسلسلات تتطابق مع رمز وراثي معدل، خصوصا لدى بكتيريا المياه العذبة او المنحدرة من فلورات معوية بشرية.

يقوم الرمز الوراثي بإقامة الرابط بين ثلاثيات النيكلوتيدات – أو الوحدات الرمزية-  واﻷحماض اﻷمينية، المكونات اﻷساس للبروتينات. من بين الوحدات الرمزية الأربعة والستين الموجودة، يقوم البعض منها بإعلان نهاية المورثة اثناء الترجمة: إنها وحدات التوقيف الثلاث (وحدات بدون معنى :(UAA (ocre) ، UAG (ambre) ، UGA (opale

 

يرتكز الرمز البديل الذي كشف عنه الباحثون على إعادة تحديد معنى واحدة أو عدة وحدات للتوقيف، تترجم على أساس أنها رمز ليس لنهاية الترجمة، بل لأحماض أمينية.

 أظهر الباحثون وجود الكثير من هذه الترميزات البديلة عند حمة العاثية. فقد بينوا وجود  استراتيجية عدوى غير مسبوقة عند عاثية معزولة من عينة دم من لسان إنسان: “حرب الشفرات”. تهاجم الحمة التي تغير معنى الوحدة  ambre  بكتيريا تغير بدورها معنى الوحدة opale. وبتلركيبه لبروتين يجبر على تأويل opale كوحدة توقيف كما هو متعارف عليها، يشوش الفيروس على تعبير مورثات مضيفة ويعزز الترميز البديل الخاص به.

” هذا النمط  من العدوى المعتمد على التحكم في الرمز الوراثي فريد وغير متوقع”، يعلق Jean Deutsch، البروفسور المتمرس  بجامعة Pierre-et-Marie-Curie. بالنسبة ل Eddy Rubin، مؤلف مشارك ومدير JGI ، هذا الاكتشاف يدحض التصور الذي كان لحد هذا الوقت قائما، والذي يفيد بأن الفيروس والمضيف يتشاركان نفس الرمز الوراثي.

مؤخرا، اقترح باحثون أمريكيون استعمال إعادة ترميز الوحدات الرمزية بدون معنى لتدعيم مقاومة إحدى البكتيريات ضد الحمة. لكن فكرة  أن هذا النوع من الترميز البديل يستطيع أن يمنع نقل المعلومات الوراثية بين جهاز معدل وراثيا وبين محيطه تبدو مردودة بالنظر إلى النتائج التي توصلت إليها إيفانوفا وزملاؤها. “إن تغيير معنى الوحدات بدون معنى لا يشكل حاجزا منيعا”، يؤكد Volker Döring، الذي يعمل على الكشف عن كائنات مركبة بالمركز الوطني للتسلسل  Genoscope d’Evry.

“حتى عندما يكون الترميز تقليديا، فإن توقيف الترجمة ليس إجراء حتميا بالكامل. لمنع العدوى، فعلم الأحياء الخارجي الذي يهدف مثلا إلى دمج قواعد أزوتية اصطناعية جديدة لأبجدية الوراثة، يعد مجالا واعدا”


الكاتب: محمد أيت بهي