اعتقد الإنسان قبل قرون أن لا أحد يوجد على سطح الأرض إلا هو و عشيرته ليكتشف فيما بعد أنه واحد من ملايير البشر. أصر أنه الوحيد من بين الجميع الذي يمتلك حقيقة الكون قبل أن يكتشف أن كل واحد من هولاء يومن إيمانا يقينيا بنفس الفكرة. إنه الوهم الذي يجعلنا نحس بأن لنا موقعا مميزا في الكون. اعتقد الإنسان و آمن لقرون طويلة أن الأرض مسطحة، قبل أن يقول أنها كروية ليكتشف في الأخير أنها إهليليجية . اعتقد جازما أن الأرض مركز الكون ليجد أنها مجرد كوكب بسيط يدور مثل كل الكواكب حول الشمس، إنها مجرد خشبة صغيرة جدا في مسرح الكون الشاسع. ظل الإنسان متشبثا بفكرة أن الشمس مركز الكون، ليأتي الفلكيون بعد ذلك و يبينوا بما لا يدع مجالا للشك أننا ننتمي إلى مجرة و لا نمثل إلا جزءا يسيرا من المجرات الموجودة في الكون.
الكون الذي ننتمي إليه بمثابة حبة في عنقود عنب في بستان. إننا نعتقد أن لا وجود لكائنات فضائية و أن الحديث عن وجود حياة خارج الأرض مجرد حلم و قصة من قصص الخيال العلمي. سينهار بكل تأكيد هذا الاعتقاد كما انهارت كل الاعتقادات الأخرى. لا يستبعد الفيزيائيون لحد الآن وجود حياة خارج كوكب الأرض. مؤخرا، أفرج فلكيون من وكالة ناسا الأمريكية عن لائحة للكواكب و الأجسام الفضائية المأهولة و تضم اللائحة عددا هائلا من الكواكب التي تنتمي إلى المنطقة التي يطلق عليها اسم ” المنطقة المأهولة” Habitable Zone . وهي مناطق تكون فيها الظروف الفيزيائية ( درجة الحرارة، نسبة الإشعاع، تواجد بعض العناصر الكيميائية…) نسبيا ملائمة و مساعدة لنشوء الحياة. فيمكن أن تعيش بعض المتعضيات في ظروف جد قاسية تحت درجة حرارة التجمد أو في درجات حرارة أكبر من الدرجة 100 على سلم سيليسوس(1). علاوة على ذلك، فلا تتطلب أشكال الحياة كلها كميات كبيرة من الماء، فبعض الطحالب تنمو داخل الصخور حيث توجد نسب ضئيلة جدا من المياه. أيضا، لا تعني الحياة بالضرورة وجود أشعة الشمس و غيرها من الأشعة، فالكثير من الكائنات تعيش في أعماق البحار حيث الظلام الدامس. بل أكثر من هذا، غاز الأوكسجين هو أساس الحياة على كوكبنا و ليس بالضرورة أن يكون الأمر كذلك على الكواكب الأخـــــرى. و لا يعني بالضرورة وجود الأوكسجين على بعض الكواكب الحديثة التكوين وجود حياة بيولوجية عليها (2). عندما نتحدث عن وجود حياة و كائنات خارج كوكبنا ، فليس بالضرورة أن تلك الكائنات تشبهنا. ربما يكون الأمر كذلك إن تطورت بشكل مختلف تماما عما نعرفه.
لا يمثل افتخارك بانتماءاتك و خلفيتك الثقافية، اللغوية و الجغرافية، الدينية و السياسية شيئا أمام انتمائك إلى الكون. لا شيء أجمل من إحساسك بكونيتك و أنت تستنشق ذرات تكونت نتيجة انفجار نجم قبل ملايير السنوات. تتهاوى الحدود الجغرافية، و تذوب كل الانتمـــاءات و الحدود الوهمية و كل شيء عندما تتيقن أننا مرتبطون بعضنا البعض انسانيا و مرتبطون بكل كائنات الأرض بيولوجيا و مع الكون ذريا. تحدث عالم الفيزياء كارل ساجانCarl Sagan ، في كتابه “النقطة الزرقاء الباهتة”، عن الارض واصفا إياها ” أنها تلك النقطة الشاحبة من الضوء التي تتحدى عجرفتنا والوهم الذي يجعلنا نحس أن لنا موقعا متميزا في هذا الكون. ليس هناك شيء أكثر دلالة على عجرفة الإنسان من تلك الصورة البعيدة لعالمنا المتناهي في الصغر. ينبغي أن نتعاطف مع بعضنا وأن نحب تلك النقطة الزرقاء الباهتة لأنها إنها الوطن الوحيد الذي نملكه (3)”.
الكاتب:
المدقق اللغوي: