عرفت الفيزياء منذ بدايات دراستها تطورات عديدة ونظريات مختلفة، تشكل في مجملها قصصا جميلة يسر المجتمع العلمي المغربي تقديمها لكم في هذه السلسلة من المقالات. سنحاول الإلمام بشكل مختصر وبسيط بكل ما هو مفيد ومهم في الفيزياء، منذ الإنفجار العظيم إلى ثورة الفيزياء الكمية. سنهتم في هذا المقال بالبوصلة.
تحرير أسامة الحمزاوي/ التدقيق اللغوي: رشيد لعناني
الزمن: 1000 سنة قبل الميلاد
اِستعمل البحارة منذ قرون البوصلة المغناطيسية لتحديد اتجاه القطب الشمالي للأرض. وتعتبر بوصلة شعب الأولمك بأمريكا الوسطى أقدم بوصلة معروفة. ويشتهر شعب الأولمك الذي عمر المكسيك لعشرة قرون ابتداء من سنة 1400 قبل الميلاد بأعماله الفنية الضخمة التي تتخذ شكل رؤوس آدمية منحوتة في الصخور البركانية.
واعتمد عالم الفلك جون كارلسون على تقنيات التأريخ بالكربون المشع لتحديد عمر قطعة من الشادنج (Haematite) مصقولة مستطيلة الشكل، حيث وجد أن عمرها يرجع للفترة ما بين سنتي 1400 و1000 قبل الميلاد. وافترض كارلسون أن الأولمك استعملوا هذه القطعة كأداة للتوجيه في مجالات التنجيم بهدف تحديد أماكن دفن موتاهم.
وتتكون بوصلة الأولمك من شريط مصقول من أكسيد الحديد، مزود بفتحة على إحدى نهايتيه كان هدفها على الأرجح تسهيل عملية الرصد والمراقبة. وبعد اكتشاف الصين لإمكانية مغنطة الحديد، اخترعوا البوصلة قبل القرن الثاني للميلاد ليعرف هذا الجهاز انتشارا واسعا في مجال الملاحة وتحديد المواقع.
يشرح كارلسون في كتابه عن الأولمك فرضيته حول الموضوع، حيث يقول “إذا أخذنا بعين الاعتبار الشكل الفريد من نوعه (قطعة مستطيلة مصقولة يتخللها أخدود) والتركيب الكيميائي (معدن ممغنط يتوفر على عزم مغناطيسي في مستوى الطفو) للقطعة م-160، وإذا سلمنا بتوفر حضارة الأولمك على المعارف والمهارات التي تسمح لها بالعمل على الحديد، أفترض أنها استعملت (القطعة م-160) كبوصلة من الدرجة الصفر، إن لم تكن من الدرجة الأولى. ولكن استعمالها للإشارة إلى أحد الأجرام الفلكية (الدرجة الصفر) أو إلى اتجاه الشمال المغناطيسي (الدرجة الأولى) يبقى قابلا للمناقشة والتمحيص”.
وفي نهاية ستينات القرن الماضي، اكتشف عالم الآثار مايكل كو (Michael Coe) من جامعة ييل (Yale) قضيب الأولمك في سان لورينزو (San Lorenzo) بالمكسيك. وقام كارلسون في 1970 باختباره حيث وضعه على سطح من الزئبق السائل أو على الماء باستعمال بساط فليني.
المصدر: اعتمدنا في إنجاز هذه السلسلة على كتاب “أجمل كتاب للفيزياء” لكليفورد بيكوفر إضافة إلى بعض الاجتهادات والمقالات التي نعتبرها مهمة وداخلة في إطار السلسلة.
الكاتب: