تأثير النشاط البشري على التنوع البيولوجي هو ظاهرة بيئية عالمية، والتي تؤثر تقريبا على جميع النظم الإيكولوجية لكوكبنا. لكن الخطوات الأولى لتأثير الإنسان العاقل Homo sapiens على بيئته لا تزال غير مفهومة تماما وتتطلب استكشافا مفصلا للسجل الأحفوري والأثري. بالتعاون مع زملاء من جامعة حيفا والقدس، أراد الباحثون من المتحف والمركز الوطني للبحث العلمي CNRS معرفة ما إذا كان، التوجه نحو الزراعة والمجتمعات الصيادة المستقرة في الشرق الأوسط خلال العصر الحجري القديم، هو المحفز الحقيقي لظهور الفئران المتعايشة، قبل عدة آلاف من السنين من اعتماد نمط الحياة الزراعية. ونشرت نتائج هذه الدراسة في أكاديمية العلوم بالولايات المتحدة (PNAS) في 27 مارس 2017.
© George Shuklin / CC BY-SA 1.0
الفأر الرمادي أو الفأر المنزلي (Mus musculus sp) هو مثال رمزي عن هذا التأثير البشري على التنوع البيولوجي. هذا النوع المتعايش مع الإنسان، يعرف اليوم انتشارا واسعا على سطح الكرة الأرضية مثل هذا الأخير. وقد مكنته هذه العلاقة، من استعمار كافة الأوساط وأن يصبح واحدا من أكثر الثدييات الغازية على هذا الكوكب. يطلق عليه عادة عند العامة اسم “الفأر المنزلي”، لكن هذا الإسم غير دقيق، لأن هذه الفئران تعيش فعلا في بيوتنا، لكن ليس بنسبة أكبر من كائنات برية أخرى، غزت بيئتنا بشكل طبيعي. وكان السؤال الوحيد للعلماء، خلال السنوات الـ30 الماضية، هو متى وكيف أُسّست هذه العلاقة لفهم أفضل لتأثير تطور المجتمعات البشرية على النظام البيئي. حتى الآن، يعتقد العلماء أن أصل هذه العلاقة، يرجع إلى ظهور مجتمعات بشرية في وقت مبكر، يشتغلون بالزراعة، منذ نحو 10 آلاف سنة. الحقول المزروعة وتخزين الحبوب في قرى المزارعين الأوائل، شكل إطارا بيئيا جديدا ومناسبا لعيش الفئران.
من أجل هذه الدراسة، قام الباحثون بتتبع تطور ساكنات الفئران من صنف Mus بالشرق الأوسط، وذلك بدراسة السلاسل الأحفورية والأثرية ما بين 200 ألف و10 آلاف سنة، أي قبل وخلال تشكل القرى الزراعية الأولى. ومن جهة أخرى، درس الباحثون ساكنات من الفئران الحالية من صنف Acomys، بقرى الماساي، وهي قرى لشبه الرحل في كينيا، كنموذج للتنوع الناتج عن وسط بيئي لمجتمعات متنقلة، شبيهة بتلك التي عاشت خلال العصر الحجري القديم والأخير في الشرق الأوسط.
وقد بينت نتائج هذه الدراسة، التي نشرت في سجلات أكاديمية العلوم بالولايات المتحدة (PNAS)، أن سلالة الفئران الرمادية Mus musculus domesticus، قد استعمرت تماما القرى االأولى قبل 15 ألف سنة، أي 5000 سنة قبل ظهور الزراعة. ومع توسع هذه القرى قبل حوالي 13 ألف سنة، لوحظ أن الفئران من نوع domesticus، قد تعايشت مع الفئران قصيرة الذيلMus macedonicus بنفس النسب التي لوحظت بين نوعي الفئران اللذان تمت دراستهما داخل قرى الماساي البدوية.
الإطار الايكولوجي والموارد الغذائية الجديدة التي وفرتها القرى الأولى المستقرة في الشرق الأوسط منذ 15 ألف سنة الماضية، ساهمت بشكل كبير في ظهور الساكنات الأولى من الفئران المتعايشة، مما يدل على قدم تأثيرنا البيولوجي على البيئة.
المصدر cnrs
الكاتب: