انقسمت آراء العلماء على مر العصور حول مسألة طبيعة الضوء إلى قسمين، فمنهم من قال بأن الضوء موجة بينما اعتبره آخرون كمادة، أي سيل من الجسيمات المادية. تُرى أي الفريقين على صواب ؟ هل الضوء موجة أم جسيم؟ هل يمكن أن يكون موجة و جسيم في آن واحد؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال هذا المقال.
كان إسحاق نيوتن من أوائل الفيزيائيين الذين اهتموا بهذه المسألة. و اعتبر نيوتن الضوء عبارة عن حزمة من الجسيمات المادية الدقيقة. و فسر آنذاك نظريته بناءاً على كون الضوء ينعكس عند اصطدامه بسطح عاكس تماماً كما ترتد كرة مطاطية عند ارتطامها بحائط، و فسر أيضاً ظاهرة انكسارالضوء عند مروره بين وسطين مختلفين كالهواء و الماء مثلاً بكون أن الشعاع الضوئي يخضع لقوى جذب الجزيئات مما يؤثر على سرعة هذا الأخير، ففي اعتقاده، سرعة الضوء تصبح أكبر في الماء لأن قوى جذب جزيئات الماء أكبر من قوى جذب جزيئات الهواء و هو ما يفسر حالة انكسار الضوء عند مروره من الهواء للماء.
و كان لمعاصره، العالم الفيزيائي هيجنز رأي مخالف حول هذه المسألة. فبالنسبة له، الضوء هو عبارة عن موجة و برر ذلك بقول أنه لا يمكن تفسير ظاهرتي الإنعكاسية و الإنكسارية للضوء إلا إذا سلمنا بطبيعته الموجية و أضاف أن انكسار الضوء عند مروره من الهواء للماء راجع إلى أن سرعة الضوء في الماء أقل منها في الهواء. و بالتالي يكون المعيار الحاسم بين النظريتين هو سرعة الضوء.
ظلت نظرية نيوتن سائدة خلال القرن الثامن عشر نظراً لعظمته في ذلك الوقت، إلى حين ظهور العالم توماس يونغ بداية القرن التاسع عشر الذي أكد نظرية هيجنز بقول أن الضوء موجة و استدل بظاهرتي الحيود و التداخل التي حصل عليها خلال تجربته المعروفة باسم شُقّي يونغ، حيث قام بإرسال شعاع ضوئي عبر شقين متجاورين فلاحظ أن الشقين يتصرفان كمصدرين ضوئين ثانويين (الحيود) و لاحظ أيضاً تشكل هوامش مضيئة و أخرى مظلمة بشكل متتابع على الشاشة المستقبلة للضوء (التداخل)، و قال أنه لا يمكن تفسير هاتين الظاهرتين إلا باعتبار الضوء كموجة.
لقيت هذه النظرية تأيدا من العديد من العلماء ك : فريسنل، مالس و أراجو. هذا الأخير و الذي اقترح مقارنة سرعة الضوء في الهواء و الماء ليتمكن بعد ذلك فوكو و فيزو من قياس سرعة الضوء، ليكتشفوا أن هذه الأخيرة في الماء تكون أصغر منها في الهواء. لتسقط إذن نظرية نيوتن و تصبح نظرية هيجنز (الضوء موجة) هي السائدة، خاصة مع ظهور نظرية ماكسويل حول طبيعة الضوء الكهرومغناطيسية أواخر القرن التاسع عشر.
و ظل الأمر على هذا الحال، فقد استطاع العلماء تفسير أغلب (و ليس كل) الظواهر الضوئية باعتماد النظرية الموجية، إلي حين ظهور اينشتاين الذي أتى بأفكار جديدة كانت مفاجئة للجميع، مستفيداً من نظرية ماكس بلانك، حيث فسر الظاهرة الكهروضوئية بافتراض أن الضوء يتكون من جسيمات تسمى بالفوتونات، و هي كمات محددة من الطاقة. ليستطيع بذلك تفسير الظواهر التي عجزت النظرية الموجية عن تفسيرها.
نظرية انشتاين هذه زادت الطين بلة، هل الضوء موجة أم جسيم؟ هنا كانت بداية نظرية الكوانتم التي تقول أن للضوء طبيعة مزدوجة، فهو يتصرف كموجة تارة و كمادة تارة أخرى. تماماً كما يحدث عند رؤية جسم أسطواني، فحسب جانب الرؤية تتصرف الأسطوانة كقرص تارة و كمستطيل تارة أخرى. لكن في الحقيقة شكل الأسطوانة يختلف تماما مع هذين الشكلين.
المصدر :
Feynman, Richard (2006). QED: The strange theory of light and matter. Princeton University Press. ISBN 0-691-12575-9
http://www.tangentex.com/DualiteOndeCorpuscule.htm
الكاتب: