image_pdfimage_print

بدأت أول محطة طاقة لإنتاج الكهرباء في استخدام الحرارة بانشطار ذرات اليورانيوم في الخمسينيات. اليوم معظم الناس يدركون مدى أهمية هذه التكنولوجيا في توفير طاقة نظيفة بإنتاج نسبة كبيرة من الكهرباء في العالم.
الطرق الأخرى التي يمكن الاستفادة بها من الذرة غير معروفة تماما، أحيانا غير معلنة وفي كثير من الحالات غير فعالة.
النظائر المشعة والإشعاعات لها العديد من التطبيقات في مجالات الزراعة والطب والصناعة والبحوث، فهي تحسن من يوم لآخر جودة حياتنا.

ما هي النظائر المشعة؟
النظائر هي أشكال مختلفة من ذرة عنصر كيميائي واحد. لديها نفس الخصائص الكيميائية ولكنها مختلفة في الكتل الذرية، عدد البروتونات هو نفسه، وعدد النيوترونات في النواة يختلف.
ويشار إلى بعض النظائر على أنها ‘مستقرة’ وغير متغيرة، في حين أن البعض الآخر “غير مستقر” لأن النواة تتغير على مر الزمن، وتبعث جسيمات مشحونة أو موجات، مما يجعلها “مشعة”. وهذه هي الطبيعة المشعة لهذه الذرات غير المستقرة، التي يشار إليها عادة باسم “نظائر مشعة”، وتتيح  العديد من التطبيقات في مجال العلوم والتكنولوجيا الحديثة.

الغذاء والزراعة
ما لا يقل عن 800 مليون من سبعة مليارات نسمة في العالم يعانون من سوء التغذية بشكل مزمن، وعشرات الآلاف يموتون يوميا من الجوع والأسباب المرتبطة بالجوع. النظائر المشعة والإشعاع المستخدم في الأغذية والزراعة تساعد على تقليل هذه الأرقام المأساوية.
فضلا عن التحسين المباشرة للإنتاج الغذائي، تحتاج الزراعة أن تكون مستدامة على المدى الطويل. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تعمل مع وكالة الطاقة الذرية على برامج لتحسين الاستدامة الغذائية بمساعدة التكنولوجيا الحيوية النووية ذات الصلة.

الأسمدة
الأسمدة غالية الثمن، وإذا لم تستخدم بشكل صحيح يمكن أن تضر بالبيئة. كفاءة استخدام الأسمدة تهم البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء. من المهم أن يجد أكبر قدر من الأسمدة طريقه إلى النباتات وليس إلى البيئة.

تستعمل بعض النظائر مثل الازوت 15 والفوسفور 32 لمعرفة الكمية الممتصة من طرف النبات وتلك التي تضيع في التربة، كما أن الازوت 15 يمكن من معرفة كمية الازوت الهوائي المثبتة في التربة بواسطة البكتيريات.

زيادة التنوع الوراثي
الإشعاع المؤين لإحداث الطفرات استُخدم في تزاوج النبات لعدة عقود، وقد أنتج حوالي 1800 نوع من المحاصيل بهذه الطريقة. وكثيرا ما تستخدم أشعة غاما أو أشعة النيوترون بالتزامن مع تقنيات أخرى، لإنتاج سلالات وراثية جديدة من المحاصيل الجذرية والدرنية والحبوب ومحاصيل البذور الزيتية.

مكافحة الحشرات
تضرر المحاصيل من الحشرات قد يصل إلى أكثر من 10٪ من إجمالي المحصول في جميع أنحاء العالم، – في البلدان النامية، التقدير هو 25-35٪. كما أن خسائر الأسهم بسبب ذبابة التسي تسي في أفريقيا والدودة الحلزونية في المكسيك كانت كبيرة .  المبيدات الحشرية الكيميائية كانت لسنوات عديدة السلاح الرئيسي في محاولة الحد من هذه الخسائر، ولكنها لم تكن دائما فعالة. أصبحت بعض الحشرات مقاومة للمواد الكيميائية المستخدمة، وبعض المبيدات الحشرية تترك مخلفات سامة على المحاصيل. وكان أحد الحلول استخدام الحشرات العقيمة.

تقنية الحشرة العقيمة (SIT) تتضمن تربية أعداد كبيرة من الحشرات وتعريض بيضها لأشعة غاما قبل الفقس، لتعقيمها. ثم تُطلق الذكور العقيمة بأعداد كبيرة في المناطق التي تنتشر فيها. عندما تتزاوج مع الإناث، لا يحدث أي نسل. بتكرار العملية ينخفض عدد الحشرات في منطقة المشروع بشكل كبير.

حفظ الأغذية
يُفقد حوالي 25-30٪ من المواد الغذائية التي تحصد في العديد من البلدان نتيجة للتلف بواسطة الميكروبات والآفات. في عالم جائع لا يمكننا تحمل ذلك. الحد من التلف الراجع إلى الإصابة والتلوث يكتسي أهمية قصوى. هذا هو الحال خصوصا في البلدان التي تتمتع بمناخ حار ورطب حيث تمديد تخزين بعض الأطعمة، حتى بأيام قليلة، غالبا ما يكون كافيا لحفظها من الفساد قبل استهلاكها. تفقد بعض البلدان نسبة عالية من الحبوب التي تحصد بسبب العفن والحشرات.

في جميع أنحاء العالم يتزايد استخدام تكنولوجيا الأشعة للحفاظ على المواد الغذائية. في أكثر من 40 دولة وافقت سلطات السلامة الصحية  تشعيع أكثر من 60 نوعا من المواد الغذائية، بدءا من التوابل والحبوب ومنتجات الحبوب إلى الفواكه والخضراوات واللحوم. يمكن أن تحل محل المطهرات الكيميائية الضارة للقضاء على الحشرات من الفواكه المجففة والحبوب والبقوليات والتوابل.

الموارد المائية:
الماء الصالح للشرب ضروري للحياة. ولكن في أجزاء كثيرة من العالم تندر المياه العذبة وفي مناطق أخرى يصبح أكثر ندرة. وتعد المياه الصالحة للشرب أمرا حيويا  لأي نشاط إنساني جديد، سواء زراعي أو صناعي.
تقنيات هيدرولوجيا النظائر تمكن من تتبع و قياس عمق موارد المياه الجوفية بدقة. توفر هذه التقنيات أدوات تحليلية هامة في إدارة وحفظ الإمدادات الحالية من المياه وتحديد مصادر متجددة جديدة للمياه. إنها توفر إجابات للأسئلة عن أصل وعمر وتوزيع المياه الجوفية، فضلا عن الترابط بين المياه الجوفية والسطحية و أنظمة إعادة شحن الخزانات المائية. تسمح النتائج بالتخطيط والإدارة المستدامة لهذه الموارد المائية.

الميدان الطبي:
الكثير منا على وعي بالاستخدام الواسع للإشعاع والنظائر المشعة في الطب خاصة لتشخيص و علاج حالات طبية مختلفة. في البلدان المتقدمة (ربع سكان العالم)، حوالي شخص واحد من كل خمسين يستخدم الطب النووي التشخيصي كل عام، وتردد العلاج بالنظائر المشعة حوالي عشر هذا.
أكثر من 10،000 مستشفى في جميع أنحاء العالم يستخدم النظائر المشعة في الطب. في الولايات المتحدة الأمريكية هناك أكثر من 20 مليون إجراء طبي نووي سنويا من بين 315 مليون شخص، وفي أوروبا حوالي 10 مليون حالة من بين 500 مليون شخص. استخدام المواد المشعة في التشخيص ينمو بمعدل أكثر من 10٪ سنويا.

التشخيص

النظائر المشعة تشكل جزءا أساسيا من إجراءات التشخيص الطبية. جنبا إلى جنب مع أجهزة التصوير التي تسجل أشعة غاما المنبعثة من الداخل، يمكنها دراسة العمليات الحيوية التي تحدث في أجزاء مختلفة من الجسم. ميزة تقنيات الأشعة السينية النووية هي أن كلا من العظام والأنسجة اللينة، يمكن تصويرها بنجاح كبير.

في استخدام المواد المشعة في التشخيص، تعطى جرعة إشعاعية للمريض ثم يمكن دراسة النشاط في العضو، إما كصورة ثنائية الأبعاد أو، مع تقنية خاصة تسمى التصوير المقطعي، كصورة ثلاثية الأبعاد.

العلاج:
استخدامات النظائر المشعة في العلاج هي قليلة نسبيا، ولكنها مهمة. الأورام السرطانية حساسة للأشعة التي قد تكون خارجية – باستخدام أشعة جاما من مصدر كوبالت 60 – أو داخلية باستخدام أشعة غاما أو بيتا من مصدر إشعاع صغير. العلاج الإشعاعي القصير المدى معروف أنه علاج موضعي ، وهذا أصبح وسيلة أساسية للعلاج.

العديد من الإجراءات العلاجية تكون مسكنة، وعادة لتخفيف الألم.

التعقيم:

تُعقم العديد من المنتجات الطبية اليوم بواسطة أشعة جاما من مصدر كوبالت 60، هذا الأسلوب عموما أرخص بكثير وأكثر فعالية من التعقيم بحرارة البخار. والحقنة هي مثال لمنتج معقم بواسطة أشعة غاما. لأن عملية إشعاع “باردة” يمكن أن تستخدم لتعقيم مجموعة من المواد الحساسة للحرارة مثل المساحيق والمراهم والمحاليل والمستحضرات البيولوجية مثل العظام، والأعصاب والجلد وغيرها، وتستخدم في ترقيع الأنسجة.

الصناعة:

الاستشفاف البيئي :
النظائر المشعة تلعب دورا هاما في كشف وتحليل الملوثات، لأنه حتى كميات صغيرة جدا من النظائر المشعة يمكن بسهولة الكشف عنها، واضمحلال النظائر قصيرة الأجل يعني اختفاء المخلفات في البيئة.
وقد طُبقت التقنيات النووية على مجموعة من مشاكل التلوث بما في ذلك تكون الضباب الدخاني، وتلوث الغلاف الجوي بثاني أكسيد الكبريت، وعزل مياه الصرف الصحي من مصبات المحيطات وتسرب النفط.

الاستشفاف الصناعي :
القدرة على قياس النشاط الإشعاعي في كميات ضئيلة، أعطى النظائر المشعة مجموعة واسعة من التطبيقات في الصناعة كأدوات استشفاف. عن طريق إضافة كميات صغيرة من المواد المشعة إلى المواد المستخدمة في العمليات المختلفة، من الممكن دراسة الخلط ومعدلات تصريف مجموعة واسعة من المواد، بما في ذلك السوائل والغازات والمساحيق وتحديد أماكن التسرب.

الأدوات:
أجهزة القياس التي تحتوي على مصادر مشعة (عادة غاما) تستخدم بشكل واسع في جميع الصناعات حيث يجب فحص مستويات الغازات والسوائل والمواد الصلبة. حيث تقيس كمية الإشعاع من مصدر ممتص من مواد أخرى. هذه الأدوات هي الأكثر فائدة حيث الحرارة والضغط أو المواد المسببة للتآكل، مثل الزجاج المصهور أو المعدن المنصهر، مما يجعل من المستحيل أو من الصعب استخدام مقاييس الاتصال المباشر.

التصوير بالأشعة:
النظائر المشعة التي تنبعث منها أشعة غاما هي نقالة أكثر من أجهزة الأشعة السينية، ويمكن أن تعطي إشعاع عالي الطاقة، لذلك يمكن استخدامها للتحقق من لحامات أنظمة الغاز وأنابيب النفط الجديدة، بوضع هذا المصدر المشع داخل الأنابيب والفيلم خارج اللحامات.

أشكال أخرى من التصوير الشعاعي (التصوير الشعاعي النيوتروني / التصوير الإشعاع الذاتي)، يستند إلى مبادئ مختلفة، ويمكن استخدامها لقياس سمك وكثافة المواد أو تحديد المكونات التي تكون غير مرئية عن طريق وسائل أخرى

النظائر المشعة مصادر طاقة:
بعض النظائر المشعة تنبعث منها طاقة مهمة أثناء تحللها. هذه الطاقة يمكن تسخيرها لأجهزة تنظيم ضربات القلب ولتشغيل منارات الملاحة والأقمار الصناعية. حرارة تحلل البلوتونيوم 238 شغلت العديد من المركبات الفضائية الأمريكية. لأنها مكنت المسبار الفضائي كاسيني من استكشاف زحل، وكذلك شغلت مختبر علوم المريخ و غيره.
التأريخ:

تحليل الوفرة النسبية لبعض النظائر الطبيعية له أهمية حيوية في تحديد عمر الصخور وغيرها من المواد التي تهم الجيولوجيين وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء الآثار.

المصدر :الجمعية العالمية النووية


الكاتب: ابراهيم نايت علي