يتألف اختبار القبول بكلية الطب من سيل من مئات الأسئلة، ويمتد إلى ساعات متواصلة، وغالبا ما يدخل المتقدم له في حالة من الارتباك والقلق – حتى مع أعلى درجات الاستعداد – والإحساس بالاختناق أو التجمد العقلي أو التوترات العصبية أو القلق الشديد أو الانطواء أو عدم القدرة على التذكر أو غيرها من التعابير الوصفية.
الفزع أو التوتر نتيجة الضغط، هو تجربة معروفة لكل منا في أوقات معينة من حياتنا، وتقبع جذورها في الباحات القشرية أمام الجبهية (The Prefrontal cortex)، وهي الباحة التي تقع خلف الجبهة مباشرة، تعد بمثابة مركز الضبط لأعلى قدراتنا المعرفية؛ مثل التركيز والتخطيط واتخاذ القرار والتأمل والحكم والقدرة على استعادة الذكريات، تقوم في الأحوال السوية بإبقاء انفعالاتنا تحت السيطرة وذلك عن طريق إرسال إشارات (إشعارات – Signals) لتخفيف النشاط في باقي أجهزة الدماغ. تحت تأثير الضغوط اليومية، قد تتوقف القشرة أمام الجبهية عن العمل لتسمح للوزة (amygdala) – موضع لتنظيم النشاط الانفعالي – بتولي الأمر فيحدث الشلل الذهني والفزع.
إن التعرض للضغط الحاد غير المضبوط يؤدي إلى بدء سلسلة من الأحداث الكيميائية (Chemical events) التي تضعف تأثير القشرة أمام الجبهة وتقوي منطقة الوطاء وغيرها من مناطق الدماغ، فنجد أنفسنا منهكين في مواجهة قلق معطل أو في حالة خضوع لاندفاعات نتدبر أمرها عادة من خلال ضبطها؛ كالانغماس في الإفراط في الطعام أو الشراب أو المخدرات.
إن القشرة أمام الجبهية حساسة جدا للضغط والتوتر، ويعود هذا إلى وضعها الخاص ضمن التسلسل الهرمي لبنى الدماغ، وهي الأكبر حجما نسبيا بحيث تمثل نحو ثلث قشرة المخ لدى الإنسان، تنضج بصورة أبطأ بكثير من أي من أجزاء الدماغ الأخرى، وتصل إلى النضج الكامل فقط بعد مضي سنوات المراهقة. وتسكن في الناحية أمام الجبهة الدارةُ العصبية المسؤولة عن التفكير التجريدي، وتسمح لنا بالتركيز ومتابعة المهام، بينما تقوم بتخزين المعلومات على اللوح الذهني المؤقت للذاكرة العاملة. تشتغل باحة تخزين الذاكرة المؤقتة لتسمح لنا بالاحتفاظ بالمعلومات؛ مثل مجموع الأرقام الذي نحتاج إلى نقله إلى العمود التالي عند القيام بعملية الجمع، وتضبط أيضا الأفكار والأفعال غير الملائمة.
إن هذه السلسلة من التغييرات الجزيئية تجعلنا أكثر استعدادا للتأثر لأي الضغط، وتسهم غالبا في الاكتئاب والإدمان واضطرابات القلق، بما في ذلك التوتر الناتج عن الصدمة. يشكل ضغط الحياة خطرا أكبر للإصابة بالاكتئاب عند النساء – بسبب هرمون الإستروجين – مقارنة بالرجال، ومن المرجح أيضا أنه يحد من عملية الإقلاع عن بعض السلوكيات الإدمانية كالتدخين عند النساء مقارنة بالرجال. أما عند الرجال فالضغط والتوتر قد يؤديان دورا بارزا في مفاقمة الشهوات واستثارة سلوكيات اعتيادية.
والسؤال الذي لا يزال يحير الباحثين هو لماذا يبني الدماغ آليات داخلية مدمجة لإضعاف وظائفه المعرفية العليا؟ ربما تكون هذه التفاعلات قد أسهمت في إنقاذ حياة أشخاص عندما كان هناك حيوان مفترس يترصدهم مختبئاً بين الشجيرات، فسيكون ردُّ فعلنا حينها بالجمود في مكاننا كي لا يرانا أفضلَ بكثير لنا من أن نتذكر كلمات قصيدة أو مقولة.
المصادر:
– http://www.scientificamerican.com/article/this-is-your-brain-in-meltdown/
– This is Your Brain in Meltdown. Amy Arnsten, Carolyn M. Mazure & Rajita Sinha. Scientific American 306, 48 – 53; March 2012.
http://www.readcube.com/articles/10.1038/scientificamerican0412-48?locale=en
مصدر الصورة:
1- http://www.nature.com/scientificamerican/journal/v306/n4/box/scientificamerican0412-48_BX1.html
2- مجلة العلوم، المجلد 29 – العددان 3/4 – مارس / أبريل 2013
مراجع أخرى:
3- Stress Signalling Pathways That Impair Prefrontal Cortex Structure and Function. Amy F. T. Arnsten in Nature Reviews Neuroscience, Vol. 10, pages 410–422; June 2009.
4- Can’t Remember What I Forgot: Your Memory, Your Mind, Your Future. Sue Halpern. Three Rivers Press, 2009.
5- Prefrontal Cortical Network Connections: Key Site of Vulnerability in Stress and Schizophrenia. Amy F. T. Arnsten in International Journal of Developmental Neuroscience, Vol. 29, No. 3, pages 215–223; 2011.
الكاتب: