كما تحدثنا في ما سبق عن طريقة ٱستفادة الغرب من المعرفة الإسلامية و تطويرها، وكما تطرقنا لمظاهر هذه الإستفادة حيث عرضنا أمثلة كثيرة تهم مجالات شتى كالعلوم الطبيعية و أخرى في مجالات الهندسة و الحرف، سنتطرق بحول الله لبعض مظاهر تطور المسلمين و تقدمهم في مجالات تهم العمران و البناء و السدود و الري، و كيف كانت تجربتهم في هذا مصدرا مهما بني عليها الغرب تقدمهم، أو من حيث مساهمته في ٱنتقالها إليهم.
بخصوص الجسور، وتحديدا الجسور الخشبية، فحري بالذكر أن هذا النوع معروف في العديد من المناطق حيث يعتبر حلا لإجتياز العوائق، و أما الجسور العالقة فكانت معروفة في العصور الكلاسيكية، و لكنها لم تكن شائعة في أوروبا القروسطية، على الرغم من أن بعضها تم بناؤه كجسر ريالتو الأول في ڢينيسيا و ذلك في القرن الثالث عشر الميلادي. كما أنشأت جسور طوال العصور الوسطى في جبال ألب بلاد الساڢوريSAvory Alps، ولكن تحديد أصل هذا النوع من الجسور لم يحدد بدقة، و إن كانت جبال وسط آسيا هي المرشحة لذلك أكثر من أي مكان آخر.
أما الجسور المعلقة فقد ظهرت في أوروبا و ذلك في رسم توضيحي يعود تاريخه إلى 1595م لفوستوس ڢيرانتيوس Faustus Verantius، حيث كان يُستخدم نظام قضبان حديدية لتعليق الأرضية المستوية للجسر، و لكن بناء هذه الجسور لم يكن في ذلك القرن أو القرن الذي يليه. و في القرن السابع عشر الميلادي، وصلت تقارير إلى أوروبا عن الجسور الصينية المعلقة بسلاسل حديدية، حيث أنشأ أول جسر جسر معلق من هذا النوع في أنجلترا سنة 1741م، و لم يتم بناء جسر معلق يشمل سير العربات إلا في عام 1809م على نهر ميريماك Merrimac في ماساشوستش. بعد ذلك أُطلق العنان لبناء هذا النوع من الجسور المعلقة في أوروبا و غيرها من بقية المناطق في العالم، إلا أن أسل هذا النوع من الجسور كان من الصين، و لكن عملية الإنتقال لم تتضح بعد، إذ ترجح الكثير من المصادر أن تكون قد مرت عبر الحضارة الإسلامية.
و لكن تاريخ هندسة البناء الإسلامية يحمل العديد من التقنيات التي ٱعتمد عليها الغرب في وقت لاحق. فقد كانت الجسور الحجرية الإسلامية معرفة بوجود أقواس مدببة حيث كانت هناك آثار مادية لمثل هذه الجسور في بول كاشجان غرب إيران يؤرخ لها بالنقش للعامين 1009/1008م، و قنطرة بول أ كالهور التي يعود تاريخها للعامين 985/984م. و ترجع أسباب الإعتماد على القوس، المعروف باسم العقد القوطي، في بناء الجسور لإختزال الدفع الجانبي على الأساسات، على أن يخفف المهندسون المعماريون جدران و أكتاف البنايات.
و حسب مجموعة من الدراسات أنجزت عن الفترة ما بين 879/561م، فقد كان العقد القوطي معروفا في سوريا، كما توجد أخرى في العراق و مصر. فقد أشار لين هوايت الأصغر، و هو مؤرخ تقنية، في تتبعة لدخول العقد القوطي لأوروبا، لكون أصله الهند البوذية في القرن الثاني الميلادي، حيث عبر عن طريق إيران الساسانية ألى سوريا و مصر ثم ٱنتقل إلى أمالفي الإيطالية عام 1000م تقريبا، بحيث سجلت هناك علاقات تجارية بين ألمافي و مصر آنذاك، لتستخدم بعد ذلك التقنية لبناء رواق دير كازينو سنة 1071م، إلى أن ٱنتقلت إلى فرنسا حيث بنيت أول كنيسة قوطية في سان دونيس Saint-Denis.
أما بالنسبة لبناء السدود، فقد جرت محاكاة عدد من التقنيات الإسلامية في اسبانيا المسيحية، تقنيات تشمل إدخال بوابات التحكم في إزالة الطمى و العوائق، إنشاء مقايييس الأمطار، ٱستخدام السدود في توليد الطاقة. فقد انتقلت تقنية القناة بواسطة المسلمين من شمال إفريقيا و شبه الجزيرة الإيبيرية بين القرنين السابع و الثاني عشر الميلاديين. و من بين الأنظمة التي أنشأها المسلمون في اسبانيا نظام مدريد لإمداد المدينة بالمياة من واد الرمل Guadarrama، و الثاني نظام كريفيلنت Crevillante في مقاطعة بلنسية و الذي يبلغ طوله 1500 يردة و يوجد به 19 بئرا للتهوية. و بعد ذلك تعلم الإسبانيون التقنية من المسلمين ثم تولوا بأنفسهم مهمة إنشائها في العالم الجديد. فنظاما تيهوكان Tehuacan و باراز Parras في المكسيك من أصل إسباني.
أما بخصوص الري، فقد انتقلت أنظمة الري الإسلامية إلى الملكية المسيهية الإسبانية تدريجيا مع تقدم إعادة الإستيلاء، حيث ثم انتقال هذه التقنية بعدها إلى العالم الجديد، لكون تقنيات الزراعية دات القيمة لم تكن معروفة في شمال أوروبا التي تعرف أمطارا غزيرة.
المراجع:
Daniel, Norman, The arabs and Medieval Europ, 2nd Edn, Longman, Libraire du Liban 1979.
.Stanton, Charles Michael, Higher learning in Islam, Rowman and Littlefield, Savage, Maryland, 1990, 145-76
Science and Engineering in the Arab-Islamic civilization, written by Donald R. Hill, world of knowledge .305 in July 2004
William Montgomery Watt., The influence of Islam on Medieval Europe, Edinburgh University Press, Edinburgh, 1972. ISBN-13: 978-0748605170
الكاتب: