image_pdfimage_print

صار العالم يعج ببنايات متعددة الأشكال والوظائف، من ناطحات سحاب ومنازل وقناطر ومساجد وكنائس ومعامل إلخ…منها من يتباهى تاريخها بصمود بنيتها أمام قسوة الطبيعة، ومنها من تتألق هندستها المعمارية الفريدة والجريئة، ومنها من ترثي أنقاضها بسبب خطإ في الحسابات ومنها من لا حول لها و لا قوة أمام قوة زلازل مدمرة…

بين هذا وذاك سنحاول من خلال هذه السلسة أن نقربكم من الهندسة الإنشائية من منظور نظري وآخر تطبيقي ملموس. لماذا تصمد بنايات في حين تسقط أخرى؟ ما هي وظائف البنيات والبنايات؟ كيف تعمل وكيف يتم حساب عناصرها؟ أسئلة كثيرة وأخرى من اقتراحكم سنحاول الإجابة عنها في هذه السلسلة بعنوان: فن البنيات ومدخل لعلم الهندسة الإنشائية.

عندما كان الإنسان يسعى وراء الغذاء متجولا مرتحلا، لم يكن في حاجة لبنايات بالمعنى الحديث للكلمة. فالخيام المشكلة من جلود الحيوانات كانت تفي بالغرض رغم هشاشتها أمام قسوة الطبيعة. لكن بعد اكتشاف الزراعة، مال إلى الإستقرار و تأسيس أسر و قبائل يتصل بعضها ببعض. حتم هذا الإستقرار و التواصل تأسيس بنايات ذات بنيات قوية، و قناطر من جذوع الأشجار…

قبل بزوغ فجر القرن 19، كانت الهندسة الإنشائية والهندسة المعمارية وجهين لعملة واحدة. فالبنايات الإغريقية والرومانية الجميلة والضخمة لم تعرف تفريقا بين مهندسين معماريين وآخرين إنشائيين. بل إن البنائين هم من كانو يتكفلون بالتصاميم والإنشاء.

بدأت معالم الفرق بين الهدنستين في القرن 19 تبرز بشكل جلي ومنطقي يوافق الثورة الصناعية. خاصة مع ظهور مواد بناء جديدة كالفولاذ والإسمنت المسلح فيما بعد، بالإضافة لطرق حساب دقيقة للبنايات الكلاسيكية والمعقدة. يتكلف المهندس الإنشائي، على سبيل الذكر لا الحصر، بالبنية الحاملة للبناية. وبناء عليه، يقوم بحساب العناصر الحاملة للبناية، وحساب أساساتها إلخ … وضمان إنشائها وفقا للحسابات على أرض الواقع ( تتفرع هذه الهندسة بدورها إلى عدة تخصصات لا داعي للخوض فيها في هذه المقدمة). أما الهندسة المعمارية، فتعنى على ضوء نظرة و رغبة مالك البناية بتصميم شكلها وتنظيم عناصرها وتوزيع فضاآتها وفقا لوظيفتها ورمزيتها إلخ…

تمثال الحرية مثلا، والذي منحته فرنسا للولايات المتحدة الأمريكية والمنشئ من طرف المقاول والمهندس الكبير: غوستاف إيفل، يخفي وراء شكله الرائع (على اليسار) بنية دقيقة (على اليمين)، هدفها الأساس مقاومة الرياح القوية التي يتعرض لها التمثال.

statut de la liberté_structure porteusestatut de la liberté_architecture

 

المصادر :

Why buildings stand up. The strength of architecture, Mario Salvadori

L’art des structures : une introduction au fonctionnement des structures en architecture, Aureli Muttoni


الكاتب: سعيد الفراشي