لطالما كنا نعتقد أن اللغة تُعالج عبر بعض المناطق المحددة في الدماغ مثل منطقة بروكا و منطقة فيرنيك، و هذا خطأ ظل شائعا إلى أن تمكن باحثون من اكتشاف حقيقة معالجة أدمغتنا للغة.
كشف باحثون في جامعة بيركلي، في دراسة نشرت على دورية نيتشر، أن الثلث على الأقل من قشرتنا الدماغية يتدخل في معالجة الكلمات، وما لا يقل عن 50000 منطقة صغيرة في الدماغ تعد بمثابة مستودع لكل الكلمات و المفاهيم التي نسمع أو نقرأ.
قام الباحثون بتطوير “أطلس دلالي” يبين مواضع معالجة الكلمات أثناء سماع حكاية ما. ويعتبرون أن هذه الكتابة الخرائطية للدماغ ستمكن كذلك من قراءة أفكار أولئك الذين لم يعودوا قادرين على التعبير عن أنفسهم مثل بعض ضحايا الصدمة الوعائية الدماغية والمرضى الذين يعانون من إصابات في الدماغ.
خرائط لغوية متشابهة عند المتطوعين
من أجل إنشاء هذه الخريطة الدماغية لجأ الباحثون إلى التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، هذه التقنية مكنت الباحثين من تسجيل النشاط العصبي لستة متطوعين – يتحدثون الانجليزية لغة أم- أثناء استماعهم لحكايات برنامج إذاعي أمريكي، يقوم من خلاله أشخاص بسرد حكايات طريفة أو محزنة.
أليكس هوث، الباحث الرئيسي في هذه الدراسة، انخرط أيضا في هذه العملية التي تتطلب الإنصات لتلك القصص خلال أكثر من ساعتين، وقُورنت المعطيات التي حُصل عليها من خلال التصوير بالأصوات المنطوقة في كل لحظة من ساعتي التسجيل باستعمال برنامج معلوماتي.
و حدد الباحثون تمركز 985 مفهوما في الدماغ، فالكلمات من قبيل: الأسرة، الأم، المنزل.. مثلا، تكون في منطقة صغيرة بالجانب الأيمن من الدماغ، أعلى وخلف الأذن. بينما تتموضع المصطلحات العاطفية في الفص الجداري، و الأرقام في الثلم المركزي، وتوجد المبادئ البصرية التي تحدد اللون أو الشكل قرب القشرة البصرية، أما بعض الكلمات ذات المعاني المتعددة، فظهرت في أماكن مختلفة من الدماغ.
و رغم أن الباحثين لاحظوا تشابهات كبيرة بين عدة أفراد، فالاختلافات الصغيرة تبقى موجودة. و لتحليلها يجب على هؤلاء الباحثين إجراء هذه التجربة على عينة متنوعة أكبر عددا، تتراوح بين 50 و100 شخص، كما يأملون أن تسمح أعمالهم القادمة بإنجاز “أطلس دلالي عالمي” موجه للأطباء الذين يتعاملون مع مرضى يعانون من صعوبات التواصل الشفهي، كما سيمكنهم ذلك من متابعة النشاط الدماغي للمريض، ومن ثم مقارنة المعطيات المحصل عليها بالخرائط الدلالية.
الكاتب:
المدقق اللغوي: