image_pdfimage_print

في مطلع القرن العشرين، قام ألبرت آينشتاين بصياغة نظرية عدت واحدة من أشهر النظريات العلمية في هذا القرن. تقوم هذه النظرية التي سماها بالنسبية، بتفسير سلوك الأشياء في الفضاء و الزمن، كما تمكن من التنبؤ بمجموعة من الظواهر، كالثقوب السوداء وانحناء الضوء نتيجة الجاذبية و دوران الكواكب …


تنص هذه النظرية على عدم وجود مرجع مطلق، بحيث يتم دائما قياس سرعة شيء أو كمية حركته … بالنسبة لشيء آخر، من جهة أخرى تظل سرعة الضوء ثابتة بغض النظر عن الشخص الذي يقيسها أو سرعته. و أخيرا لا يمكن تخطي سرعة الضوء.
و من بين أهم نتائج هذه النظرية ما يعرف بظاهرة تمدد الزمن، أو تباطؤ الزمن. و لتجسيد هذه الظاهرة يمكن ضرب مثل برجل فضاء يتحرك بسرعة كبيرة جدا بالنسبة للأرض، اد سيشعر رجل الفضاء بتمدد الزمن بالمقارنة مع ملاحظ فوق سطح الأرض، و ذلك راجع لكون سرعة الضوء ثابتة.
و تعد تمظهرات نظرية النسبية متعددة للغاية، لكن عوض أن نخوض في أمثلة غير ملموسة، سنستعرض من خلال هذا المقال تمظهرات واقعية في حياتنا اليومية لنسبية آينشتاين.

1. نظام تحديد المواقع العالمي:

لكي يستطيع نظام تحديد المواقع في سياراتنا أن يعمل بشكل دقيق، يجب أخذ النسبية بعين الاعتبار. فبالرغم من كون الأقمار الصناعية لا تتحرك بسرعة الضوء، إلا أن سرعتها كبيرة نوعا ما. بالإضافة إلى كون المحطات الأرضية المستقبلة للإشارات و أنظمة تحديد المواقع، تخضع لتسارع كبير ناتج عن الجاذبية مقارنة بالأقمار الصناعية. و بما أن الأقمار الصناعية تبعد عن الأرض بحوالي 23000 كلم و تتحرك بسرعة تقارب 10000 كلم في الساعة، فانه ينتج تباطؤ زمني يقدر بحوالي 4 ميكرو ثانية، ليصير 7 ميكرو ثانية إذا ما اعتبرنا مفعول الجاذبية. قد يبدو هذا بسيطا إذا نسينا أن الأقمار الصناعية تستخدم ساعات ذات دقة كبيرة تقارب النانو ثانية (نذكر أن 1ميكرو=1000 نانو).
و بناء على ما سبق، سيؤدي تجاهل نظرية النسبية إلى حدوث اختلالات كبيرة في قياس المسافة بواسطة نظام تحديد المواقع. فمثلا قد تصير المسافة المقدرة ب 0.8 كلم بين مكانين معينين بواسطة نظام تحديد المواقع، 8 كلم في اليوم الموالي. بمعنى آخر، سيتحول نظام التحديد إلى نظام تشويش.

2. التلفاز القديم :

كلنا يتذكر أجهزة التلفاز القديمة ذات الشاشات التي تدعى (شاشات أشعة أنبوب الكاثود)، التي تعمل نتيجة إطلاق الإلكترونات على سطح فوسفوري، بحيث يحدث كل إلكترون لونا دقيقا عندما يصطدم و مؤخرة الشاشة. و تصل سرعة هذه الإلكترونات إلى %30 من سرعة الضوء، الشيء الذي يحتم على المصنعين أخذ نظرية النسبية بعين الإعتبار.

3.المحطات النووية والسوبرنوفا:

تفسر النسبية كيفية تحول الكتلة إلى طاقة، الشيء الذي يحكم عمل المحطات النووية و يفسر مثلا الطاقة الهائلة للشمس. من جهة أخرى مكنت النسبية أيضا من فهم انفجارات السوبرنافا و التي تشير لأفول النجوم الضخمة، حيث تؤدي هذه الإنفجارات الكبيرة إلى ظهور عناصر ثقيلة كالحديد مثلا، و يمكن القول أن معظم العناصر الثقيلة المألوفة جاءت نتيجة هذه الانفجارات. يقول مور ‘Moore’ من كلية بومونا ‘Pomona’ : “لو لم تكن هنالك نسبية لما كان هنالك انفجار لأكثر النجوم ضخامة و لما كنا هنا لنفكر في هذه الظواهر الآن”.

4.المغناطيس الكهربائي:

عندما يتم تمرير تيار كهربائي عبر معدن معين، يصير هذا الأخير مغناطيسا. و لمعرفة كيف يتم هذا، سنستعين بنسبية آينشتاين مرة أخرى. كما أشرنا في بداية المقال، تنص هذه النظرية على أن الزمن و الطول غير مطلقين، بمعنى آخر نسبيين. و هذا يرجع لكونهما يتعلقان بالملاحظ والمتحرك، من حيث سرعة هذا الأخير و موقعه إلخ..
فعلى سبيل المثال : يمر الوقت بشكل أبطأ لدى شخص يتحرك بالنسبة إليك، بل يتقلص أيضا طوله باتجاه الحركة. و تعد هذه النقطة الأخيرة جد مهمة لتفسير مبسط لظاهرة الكهرومغناطيسية.
و لكي نحاول فهم الظاهرة، فلنتخيل سلكا نحاسيا، يتكون هذا الأخير من مجموعة من البروتونات و الإلكترونات. و بما أنه محايد كهربائيا، فإن عدد البروتونات يعادل عدد الأيونات. و بناء عليه، إذا وضعنا شحنة موجبة بجانب السلك، فهذا لن يؤثر بتاتا فيها حيث أنها لن تبرح مكانها و لن تتحرك. و لكن ماذا لو قمنا بتمرير تيار كهربائي في السلك و جعلنا الشحنة الموجبة تتحرك في نفس منحى حركة الإلكترونات؟
بالنسبة لمرجع مرتبط بالشحنة الموجبة المتحركة، تتحرك البروتونات في السلك الكهربائي وفق منحى التيار أي عكس منحى الإلكترونات. و بناء عليه، بتطبيق نظرية النسبية، ستتقلص المسافة بين البروتونات مما سيؤدي إلى كثافة أكبر للبروتونات مقارنة بالإلكترونات في السلك. و بالتالي سيصير السلك موجب الشحنة بالنسبة لمرجع مرتبط بالشحنة الموجبة، الشيء الذي سيدفع هذه الأخيرة للابتعاد عن السلك. بمعنى آخر قد صار السلك مغناطيسا، و سيحدث العكس لو تحركت الشحنة الموجبة وفق منحى التيار الكهربائي.

 

المصادر: 1


الكاتب: سعيد الفراشي
المدقق اللغوي: مريم السهلاوي