الكرة الخفية وفهم قوانين الفيزياء

كيف السبيل لفهم قوانين الفيزياء؟ كيف نسمح لقوانين لتحكم رؤيتنا للكون و للحياة و للمفاهيم الكبرى حول الوجود و الأسلئة الكبرى؟ كيف يمكن لجسيمات صغيرة لا ترى بالعين المجردة أن تغير كليا أفكارا كتبت و درست لالاف السنوات؟

لنفترض وجود مخلوقات تشبهنا إلى حد كبير من كوكب معين، لنسميه”كوكب تويلو The planet Twilo  ”. هذه الكائنات تتصرف تماما كما نفعل نحن البشر، باستثناء شيء واحد فقط، لديهم نقص في حاسة الإبصار، ولا يتمكنون من رؤية اللونين الأبيض والأسود، إذا وضع احد اللونين بجانب الآخر. أي أنهم، مثلا، لا يستطيعون رؤية الحمار الوحشي أو الملابس المكونة من  تسلسل اللونين الأبيض والأسود أو كرة البيسبول أو كرة القدم  لأنها مكونة من خطوط بيضاء بجانبها أخرى سوداء.

لنفترض أن هاته الكائنات من “كوكب تويلو”، أتت إلى الأرض في مهمة سلمية، تتمثل في معرفتنا نحن البشر والاقتراب من ثقافتنا. من أجل هذا قمنا بدعوتهم إلى مشاهدة مباراة لكرة القدم، إحدى الرياضات الأكثر شهرة على كوكب الأرض. نحن بطبيعة الحال نجهل أنهم يعانون من عيب الإبصار الذي تحدثنا عنه، أي أنهم لا يستطيعون رؤية الأبيض والأسود، إذا تواجدا جانبا إلى جنب. وبالتالي لا يستطيعون رؤية الكرة. جلس المدعون من ”كوكب تويلو” على المدرجات، وبدؤوا في مشاهدة المباراة، مع تركيزهم في المباراة مذهولين وهم يرون احد اللاعبين يجري فجأة نحو الخط الجانبي، وهو يرفع فوق رأسه، وعيناه إلى الأعلى، بينما وقف الآخرون يتابعونه. سقط اللاعب فجأة على الأرض، وسجلت نقط لفائدة الفريق الخصم أمام هتاف الجماهير.

مرت أكثر من خمسة عشرة دقيقة على المباراة، والقادمون من “تويلو” لم يفهموا بعد ماذا يقع، كانت علامات الاستفهام بادية على وجوههم، لغرابة اللعبة التي يمارسها سكان الأرض. مع ذلك حاولوا جاهدين فهم ما الذي يحدث على أرضية الملعب. تمكنوا بذكائهم من معرفة أن اللاعبين ينقسمون إلى فريقين كل فريق يلبس زيا موحدا خاصا به، و كل لاعب لديه دور ومكان خاص به في أرضية الملعب.  تمكن القادمون من “كوكب تويلو” من صياغة علاقات رياضية، وجداول، وقوانين للعبة، إلا أنهم لم يتمكنوا من فهمها كاملة. فجأة صاح أحدهم: ” لنفترض وجود كرة غير مرئية”، واخذ يشرح لرفاقه كيف أن هذا الافتراض بوجود كرة غير مرئية له ورفاقه، على الأقل، يمكن أن يجعلهم يفهمون ما الذي يجري بالضبط. وبالفعل هذا ما حدث، ما إن عملوا بنصيحة صديقهم، حتى فهموا كل شيء، وأصبح للعبة الأرضية معنى للقادمين من “كوكب تويلو”.

هذا بالضبط ما يحدث في فيزياء الجسيمات الدقيقة. لن نتمكن من معرفة، وفهم قوانين اللعبة( قوانين الطبيعة) الفيزياء، بدون معرفة وجود الكرة ( الجسيمات الصغيرة في الفيزياء)، وبهذا فانه بدون الاعتقاد بوجود هدف معين وراء قوانين الطبيعة، لن نتمكن من استنتاج وجود العديد من الدقائق الأساسية ( الالكترونات، الكواركات، الفوتونات، البوزونات…)

 المصدر : كتاب ”جسيم الاله” للفيزيائي ليون ليدرمان ‘