‘إشيريشيا كولي’ بكتيريا متواجدة طبيعيا على مستوى الأمعاء عند الثدييات، بما فيها الإنسان. وقد اكتشفت سنة 1885 على يد دكتور الأطفال الألماني “ثيودور إيشيريش” (Theodore Escherich)، انطلاقا من عينات براز عند رضع كانوا يعانون من الإسهال. وتعتبر البكتيريا السائدة على مثيلاتها في أمعاء الإنسان بنسبة 80 بالمائة، مما يجعل من الصعب انتشار أنواع أخرى من البكتيريا الضارة، كما تلعب دورا هاما في إنتاج فتامين K المساهم في تخثر الدم.
صورة مجهرية لبكتيريا ‘إشيريشيا كولي’ بتكبير 1500 مرة
تتميز “إشيريشيا كولي” بخصائص بيوكيميائية متعددة، أهمها قدرتها على استعمال سكر الحليب “اللاكتوز” في عملياتها الاستقلابية مع تواجد أو غياب الأوكسجين، كما تتميز بالسرعة في التكاثر.
وكانت هذه البكتيريا من بين الكائنات التي درس محتواها الجيني بشكل كامل ومفصل (4,639,675 زوج نكليوتيدات)، وتم ذلك سنة 1997، مما سهل دراسة وفهم الظواهر المتعلقة بالحمض النووي، ومن ثم تعميم ذلك على أنواع أخرى من الخلايا. يقول في هذا الصدد الحائز على جائزة نوبل الفرنسي “جاك مونو”: “كل ما هو صحيح بالنسبة ل ‘إشيريشيا كولي’ ينطبق على الفيل أيضا “. فهم آليات عمل الحمض النووي سهّل تحويل هذه البكتيريا إلى معامل مجهرية لإنتاج مواد حيوية بسهولة وبتكلفة أقل، ونذكر على سبيل المثال هرمون الأنسولين، والذي، بعد تحديد الجينات المسؤولة عن انتاجه، تم ادماجها في الحمض النووي ل’إشريشيا كولي’، لتقوم هذه الأخيرة بصنع هرمون مماثل للهرمون البشري، و بالتالي الاستغناء عن الأنسولين الحيواني الذي سبب عدة مشاكل لدى مرضى السكري، من قبيل ردّات الفعل المناعية تجاه الهرمونات الحيوانية، والتكلفة العالية لاستخراجها، علاوة على جودتها المتدنّية.
سرعة تكاثر هذه البكتيريا وبساطة محتواها الجيني ساهما في ظهور أنواع جديدة من هذه البكتيريا تتسم بالخطورة و تتسبب في أوبئة، و كان آخرها انتشار ما سمي آنذاك بوباء “إي كولي” بألمانيا سنة 2011، وأدى إلى وفاة 60 شخصا من بين أزيد من 4400 مصاب، إثر وصول شحنة تزن 15 طنا من نبيتات الحلبة من مصر (Trigonella Foenum-graecum) ملوثة بالبكتيريا (Enterohemorrhagic E. coli) المعروفة اختصارا ب EHEC، هذه الأخيرة تنتج سما يدعى “Verotoxin “، كميات كبيرة منه كفيلة بالتسبب بفشل كلوي حاد، وتدمير الكريات الحمراء في الدم، بل وحتى التسبب في تشوهات خلقية للأجنة عند الحوامل.
وتتجلى أعراض التسمم بهذه البكتيريا بشكل عام في المغص الحاد والإسهال الذي قد يصل الى حد الإسهال الدموي، إثر الالتهاب على مستوى القولون، مع الحمى والقيء.
الإصابة بمثل هذه الأمراض يكون عن طريق الأطعمة والأشربة الملوثة، وتكون الوقاية بتفادي استعمال المياه العادمة، وطهو الأطعمة بشكل كاف. كما أن العلاج يعتمد بالأساس على المضادات الحيوية، وإمداد المريض بكميات كبيرة من المياه لتفادي الاجتفاف، وفي بعض الحالات يستعان أيضا بمضادات للإسهال.
إعداد: عبد الخالق العلوي
التدقيق اللغوي: علي توعدي