الميكروبات والجراثيم والفيروسات.. ما الفرق بينها؟

تأتي العديد من الأمراض التي تصيب البشر نتيجة لإصابة بعدوى غالبا ما تقف خلفها كائنات مجهرية تدعى الميكروبات. وكثيرا ما نسمع عن عدوى أو وباء بسبب بكتيريا أو فيروس. ولكن ما الفرق بينها؟

مصطلح “ميكروب” أو “كائن دقيق” هو مصطح تم إطلاقه لأول مرة من طرف الطبيب الجراح الفرنسي “شارل-إمانويل” سنة 1878 ليُمَيِّزَ به الكائنات التي لا ترى بالعين المجردة ولا ترى إلا بالمجهر الضوئي، والتي قد تسبب أمراضا للإنسان. وحاليا نعرف أن التعريف الذي أطلقه الطبيب الفرنسي لم يكن تعريفا علميا دقيقا، لأن الكائنات الدقيقة تنقسم إلى عدة تصنيفات، منها الحيوانات المجهرية متعددة النوى والتي لا ترى بالعين المجردة، ومنها الكائنات الدقيقة حقيقيات النوى أحادية الخلية، ومنها البكتيريات، وهي كائنات غير حقيقيات النوى، ومنها الطحالب المجهرية ومنها الفطريات المجهرية ومنها الفيروسات، ليتضح إذن أن عالم الكائنات المجهرية متنوع ومتعدد، منها المُمْرضة، ومنها المحايدة ومنها النافعة.

البكتيريا

سميت البكتيريات بهذا الاسم لأن أول نوع تمت ملاحظته بالمجهر كان على شكل عصي ( bakteria باللغة الإغريقية)، والبكتيريات هي كائنات دقيقة مجهرية، أحادية الخلية، وتتكون خليتها من غشاء خارجي ولكن لا تتوفر على نواة داخلية لحماية مادتها الوراثية (ولهذا تسمى كائنات غير حقيقة النوى او -بدائية النواة-)، يصل قطرها إلى حوالي 1 ميكرومتر (1/1000 ملمتر) أي أن قطرها أصغر من قطر شعرة بـ50 مرة، وتعتبر البكثيريا من أوئل أنواع الحياة التي رأت النور فوق كوكب الأرض، وهي الكائنات الحية الأكثر انتشارا فوق هذا الكوكب.

أغلب أنواع البكثيريات غير مُمْرضة، بل إن بعضها مفيد للإنسان ويملك منها مستعمرات في أمعائة تساعده على الهضم وعلى عملية الامتصاص المعوي، كما أنه يوجد منها العديد من الفصائل التي تسبب أمراضا خطيرة ومنها بعض الأمراض المعدية كبكتيريا (Yersinia pestis) التي تسبب الطاعون، وبكتيريا (Vibrio cholerae) التي تسبب الكوليرا وبكتيريا (Mycobacterium tuberculosis) التي تسبب السل. ويتم وقف تكاثر البكتيريات باستعمال المضادات الحيوية.

الفيروسات

الفيروس، (كلمة تعني -السم- باللغة اللاتينية) هو كائن غير حي (لا يملك آليات إنتاج الطاقة ولا آليات للترجمة والتكاثر). يحتاج الفيروس دائما إلى خلية عائلة ليهاجمها ويستغل آلياتها قصد مضاعفة مادته الوراثية وترجمتها لإنتاج نسخ جديدة منه، ويصل حجمه إلى أقل من 1 ميكرومتر، أي أقل من 1/1000 ميليمتر ..

يتكون الفيروس غالبا من كبسولة من البروتينات من طبقتين، طبقة داخلية لحماية مادته الوراثية أحادية النوع (إما حمض نووي ريبوزي ناقص الأوكسجين ADN، أو حمض نووي ريبوزي ARN ولا يمكن أن يملكهما معا)، و يتكون أيضا من طبقة خارجية تمكنه من تثبيث نفسه على سطح الخلايا قصد اقتحامها.

تم اكتشاف مئات الآلاف من أنواع الفيروسات إلى حد الآن. وتتميز الفيروسيات بقدرتها السريعة على التطور، وتغيير مادتها الواثية عن طريق الطفرات. وأغلب هذه الأنواع لا تهاجم الإنسان، ولكن منها أيضا عشرات الأنواع التي تسبب أمراضا معدية للإنسان، كفيروس (Poliovirus) المسبب لشلل الأطفال، وفيروس الأنفلونزا المسبب للحمى، وفيروس (Rabies virus) المسبب لداء الكلب، وفيروس نقص المناعة البشري المسبب لداء فقدان المناعة المكتسب -السيدا-، وأخيرا فيروس كورونا SARS-CoV-2  المسبب للمتلازمة التنفسية الحادة CoVID-19…
المضادات الحيوية لا يمكنها توقيف انتشار الفيروسات أو القضاء عليها، ويتم تجنب الفيروسات عن طريق تلقيح الجهاز المناعي أو عن طريق حقن المصل المتكون من مضادات الأجسام النوعية المضادة للفيروس.

  • المصادر [1] [2] [3] [4]
  • الصورة: Institut Pasteur France ©

التدقيق العلمي: محمد آيت بيهي

التدقيق اللغوي: علي توعدي




شجرة عائلة الإنسان (6): أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس “Australopithecus afarensis”

اللقب: لوسي  Lucy

المكان:  شرق إفريقيا (إثيوبيا، كينيا، تنزانيا).

الزمان: بين 3.85- و2.95- مليون سنة. تقريبا

يعد هذا النوع من بين  أكثر أنواع البشر الأوائل المعروفة وأطولها عمرا، وقد اكتشف علماء الأنثربولوجيا القديمة بقايا تعود لأكثر من 300 فرد . عاش هذا النوع في الفترة المتراوحة بين 3.85- و 2.95- مليون سنة في منطقة شرق إفريقيا (إثيوبيا، كينيا، تنزانيا)، أي لأكثر من 900.000 سنة، وهو أكثر من أربع مرات مدة وجود نوعنا الحالي.

afarensis_jg_recon_head_cc_3qtr_lt_sqحقوق الصورة:  John Gurche

تشبه أطفال أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس أطفال الشامبانزي، حيث تنمو بسرعة بعد الولادة وتصل مرحلة البلوغ في وقت مبكر مقارنة مع البشر المعاصرين. وهذا يعني أن هذا النوع لديه مدة أقصر في النمو مقارنة بنمو الإنسان المعاصر ، وهذا ما يترك لأفراده وقتا أقل للتوجيه الأبوي والتنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة.

يملك هدا النوع صفات خاصة بالبشر وبالقردة معا: يتميز الأفراد بملامح شبيهة بوجه القردة (أنف مسطح، وفك سفلي بارز بشكل كبير) والجمجمة (مع دماغ صغير، أقل من 500 سنتمتر مكعب ، أي تلث حجم دماغ الإنسان الحالي)، مع أدرع طويلة وقوية وأصابع مقوسة تساعدها على تسلق الأشجار. وقد كان لهذا النوع أنياب صغيرة مثل كل البشر الأوائل الآخرين، بالإضافة إلى جسم يقف على قدمين ويمشي منتصبا بشكل روتيني. تكيفه للعيش فوق الأشجار وعلى الأرض كذلك مكنه من البقاء على قيد الحياة لمليون سنة تقريبا مع تغير المناخ والبيئات.

سنة الاكتشاف: 1974

تاريخ الاكتشاف:

النوع سمي رسميا سنة 1987 بعد موجة من الاكتشافات في الحفريات، في كل من الهدار، إثيوبيا، وليتوليا تنزانيا. وفي وقت لاحق أدمجت في هذا الصنف حفريات يعود تاريخ اكتشافها إلى ثلاثينيات القرن الماضي.

الطول: الذكور: متوسط 151 سم؛ الإناث: متوسط 105 سم

الوزن: الذكور: متوسط 42 كلغ؛ الإناث: متوسط 29 كلغ

هذه بعض الأسئلة عن نوع أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس التي تنتظر أجوبة ، والتي قد نجيب عنها مع الاكتشافات المستقبلية:

– حفرية مشابهة للأوسترالوبيثيكوس أفارينسيس يرجع تاريخها إلى 3.5 مليون سنة مضت عثر عليها في تشاد. هل امتد وجود هذا النوع إلى إفريقيا الوسطى؟

– نعلم أن أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس، كان قادرا على المشي بشكل منتصب وعلى قدمين، وكان يسير بشكل مختلف عن الطريقة التي يمشي بها الإنسان الحديث اليوم؛ فما الصورة الكاملة لطريقة مشيه إذن؟

-هل كان هذا النوع يمشي عادة ، أم أنه كان يمضي معظم الوقت في تسلق الأشجار كباقي القرود التي تعيش في إفريقيا ؟

– وجد أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس في وقت كانت البيئة تعرف بعض التذبذبات، لماذا لم يتكيف مع التغير البيئي؟ هل كان يستطيع الهجرة إلى الأماكن التي تحتوي على مصادر مهمة للغذاء؟ أم إن هذه الأماكن لم تستقطبه ؟

– يظهر أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس مثنويّة الشَّكل الجنسيّة، وذلك باختلاف حجم الجسم لدى الذكور والإناث، مع ذلك فإن الازدواج الجنسي لدى الرئيسيات الأخرى عادة ما يتميز بإختلافات في حجم الجسم والأسنان. تبين الأدلة الأحفورية أن  ذكور أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس لديها أنياب شبيهة بتلك التي عند الإناث. هل هيمنة الذكور في أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس لا تحتاج للحصول على أنياب كبيرة كما هو الحال لدى باقي الذكور في الرئيسيات الأخرى ؟

– أسنان وفك أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس، قوية بما يكفي لمضغ الأطعمة الصلبة، لكن الدراسات حول الأسنان أظهرت أن هذا النوع يتغدى على الأطعمة اللينة فقط كالنباتات والفواكه. في حين يظن معظم العلماء أن أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس يتغذى على أطعمة صلبة، في الوقت الذي كان من الصعب إيجاد النباتات اللينة، فإن دراسات أخرى تشير إلى أن تناول الأطعمة الصلبة لم يتزامن مع أوقات الجفاف والغطاء النباتي القليل. فكيف إذن ، لخصائص أسنان هذا النوع أن ترتبط بنظامها الغذائي ؟

أول ورقة بحثية نشرت:

Johanson,  D.C., White, T.D., Coppens, Y. 1978. A new species of the genus Australopithecus (Primates: Hominidae) from the Pliocene of Eastern Africa. Kirtlandia 28, 2-14.

تميز هذا النوع بحمية تعتمد أساسا على النباتات، تضم الأوراق والفواكه والبذور والجذور والحشرات… وربما على بعض الفقريات الصغيرة كالسحالي. يمكن لعلماء الأنثربولوجيا القديمة تحديد ما كان يتغذى عليه أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس عن طريق ملاحظة بقايا أسنانه، حيث تشير دراسة البحث المجهري للأسنان أن أفراد هذا النوع تتغذى على فواكه لينة وغنية بالسكر، لكن سُمك الأسنان وشكلها يشير إلى أنها قد تكون قادرة أيضا على أكل أغذية صلبة وهشة ربما كأغذية احتياطية خلال المواسم التي تغيب فيها الفواكه.

ربما يكون هذا النوع منحدرا مباشرة من أسترالوبيثيكوس أنامنسيس Au. anamensis وسلفا لأنواع أخرى لاحقة في جنس Paranthropus،  Australopithecus و Homo.

المصدر  humanorigins




شجرة عائلة الإنسان (5): أسترالوبيثيكوس أنامنسيس “Australopithecus anamensis”

أين عاش؟ : أفريقيا الشرقية (بحيرة تركانا، كينيا وإثيوبيا)

الزمان: حوالي 4.2 إلى 3.9 مليون سنة مضت

لدى أسترالوبيثيكوس أنامنسيس مجموعة من الصفات توجد لدى كل من البشر والقردة وهي النهاية العلوية من عظم الساق، كما تظهر منطقة موسعة من العظم ومفصل الكاحل ذو توجيه شبيه بنظيره  لدى الإنسان؛ مما يبين على أن هذا النوع استطاع المشي على قدمين بشكل منتظم. كما يشير ساعداه الطويلان وخصائص عظام الرسغ  إلى أن هؤلاء الأفراد ربما تسلقوا الأشجار كذلك.

common_ancestor_illustration_kc_head_sq

حقوق الصورة: human origins

سنة الاكتشاف: 1995

تاريخ الاكتشاف:

في سنة 1965، اكتشف فريق بحث بقيادة براين باترسون من جامعة هارفرد عظمة من دراع فرد من البشر الأوائل في موقع كانابوا في شمال كينيا. ولكن دون حفريات أخرى إضافية، كان باترسون غير قادر على تحديد النوع الذي ينتمي إليه اكتشافه. وفي سنة 1994 وجد فريق بحث بقيادة مياف ليكي مجموعة من الأسنان وشظايا العظام في الموقع نفسه توصلت ليكي وزملائها إلى أن هذه العظام تنتمي إلى أشباه لكائن بدائي جدا  عُدَّ نوعا جديدا سمي بأسترالوبيثيكوس أنامنسيس”Australopithecus anamensis“. وقد وجد الباحثون بعد ذلك حفريات جديدة لهذا النوع في مواقع قريبة يعود تاريخها للفترة الزمنية بين 4.2 و3.9 مليون سنة مضت.

كيف عاش هذا النوع:

لدى أفراد أسترالوبيثيكوس أنامنسيس فك ببنية كثيفة، طويل وضيق وصفوف أسنان مرتبة بشكل متوازي. الفك القوي  مع الأسنان ذات الميناء الكبير  يدل على أن أفراد أسترالوبيثيكوس أنامنسيس كانوا آحيانا يتغذون على أغذية صلبة، لكنهم كانوا على الأرجح آكلي نباتات، حيث يناوبون بين الفواكه والمأكولات القاسية مثل المكسرات، كما أن المواقع التي وجد بها هذا النوع كانت هي الغابات والأراضي الحرجية التي تنمو حول البحيرات.

معلومات حول الشجرة التطورية:

تشير بقايا فك أن هذا النوع هو السلف المباشر لأوسترالوبيثيكوس أفارينسيس، وربما السليل المباشر لجنس “Ardipithecus”.

هذه بعض الأسئلة التي ما تزال دون إجابة حول أسترالوبيثيكوس أنامنسيس، والتي قد تمكن الاكتشافات المقبلة من الإجابة عليها:

1/ هل يعد أسترالوبيثيكوس أنامنسيس نوعا منفصلا عن أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس؟ فالعديد من العلماء يعتقدون أن النوعين  من ينتميان إلى سلالة واحدة تطورت عبر الزمن انطلاق من المواد المكتشفة.

2/ هل أسترالوبيثيكوس أنامنسيس سليل مباشر للنوع “Ardipithecus ramidus” ؟

أول ورقة بحثية:

Leakey, M.G., Feibel, C.S., McDougall, I., Walker, A., 1995. New four-million-year-old hominid species from Kanapoi and Allia Bay, Kenya. Nature 376,565-571.

المصدر: humanorigins




شجرة عائلة الإنسان (4): أرديبيتيكوس راميدوس “Ardipithecus ramidus”

اللقب : آردي Ardi

المكان: عاش في شرق افريقيا، بمنطقة الأواش الوسطى وكونا بإثيوبيا.

الزمان: قبل حوالي 4,4 مليون سنة.

عثر على هذا النوع للمرة الأولى سنة 1994. وفي سنة 2009 أعلن الباحثون عن العثور على هيكل عظمي جزئي لقب بآردي « Ardi ». تشير عظام القدمين في هذا الهيكل إلى وجود أصبع كبير منفصل ومنحرف متحد مع قدم قوية. لكن ما يزال معنى ذلك بخصوص سلوك المشي على قدمين غير واضح. أما الحوض فيظهر تكيف هذا النوع مع تسلق الأشجار والمشي على قدمين. ويقول مكتشفوه أن هيكل آردي يعكس سلفا مشتركا للانسان والقردة الإفريقية لا يشبه الشامبانزي. كما تشير عينة ناب وجود اختلاف صغير جدا بين الذكور والاناث من حيث القد.

ramidus_illustration_kc_sq

حقوق الصورة: humanorigins

وجدت مستحثات Ardi بجانب بقايا حيوانية تشير إلى أنها عاشت في وسط غابوي. وهذا ما يتناقض مع النظرية القائلة بأن السفانا المفتوحة هي أصل المشي على قدمين، وبأن البشر تعلموا المشي المنتصب عندما أصبح المناخ أكثر جفافا والبيئة مكشوفة ومعشوشبة أكثر.

تاريخ الاكتشاف: اكتشف فريق من الباحثين تحت قيادة عالم الأنتروبولوجيا القديمة الأمريكي تيم وايت أولى مستحثات أرديبيثيكوس راميدوس Ardipithecus ramidus بمنطقة الأواش الوسطى بإثيوبيا بين 1992 و 1994. ومنذ ذلك الوقت كشف فريق وايت النقاب عن أكثر من 100 عينة من مستحاثات أرديبيثيكوس راميدوس. أطلق وايت وزملاؤه على اكتشافهم اسم Ardipithecus ramidus  (حيث “Ramid” تعني “جذر” في لغة Afar الأثيوبية، وتدل على قرب هذا النوع الجديد من جذور البشرية، أما « Ardi » فتعني “أرضية” أو “أساس”). في الوقت الذي تم فيه هذا الاكتشاف كان جنس Australopithecus مثبتا علميا، لذلك وضع وايت اسم Ardipithecus لتمييز هذا الجنس الجديد عن Australopithecus. وفي سنة 2009 أعلن الباحثون نتائجهم عن هيكل جزئي (ARA-VP-6/500)، لقب ب « Ardi » واكتشف للمرة الأولى سنة 1994.

الطول: الإناث: 120 سم  

الوزن: الإناث: 50 كلغ

هذه بعض الأسئلة عن نوع أرديبيثيكوس راميدوس التي تنتظر جوابا والتي قد نجيب عنها مع الاكتشافات المستقبلية:

  • هل يدعم شكل حوض أرديبيثيكوس راميدوس الفرضية القائلة بأن هذا النوع القديم كان يمشي على قدمين؟
  • ما هو معدل طول الأفراد الذكور عند هذا النوع؟ إذا دعمت المزيد من المستحثات النتائج الأولية التي تتحدث عن ضعف ازدواجية الشكل الجنسي « sexual dimorphism »، فكيف يمكن ربط هذا الأمر باختلافات حجم الذكور والإناث عند الأنواع البشرية القديمة الأخرى في قاعدة شجرة عائلتنا، وماذا يعني ذلك؟

الورقة البحثية الأولى: White, T.D., Suwa, G., Asfaw, B., 1994. Australopithecus ramidus, a new species of earlyhominid from Aramis, Ethiopia. Nature 371, 306-312

على الأرجح أن أفراد هذا النوع كانوا قوارت، أي أنهم كانوا يفضلون حمية تتضمن النباتات واللحم والفواكه. ولا يبدو أن هذا النوع يتغذى على الأغذية الصلبة كالمكسرات والدرنات.

المصدر: humanorigins




شجرة عائلة الإنسان (3): أرديبيتيكوس كادابا “Ardipithecus kadabba”

كان Ardipithecus kadabba  يمشي على قدمين، وربما يشبه الشمبانزي من حيث حجم الجسم والدماغ، وله أنياب شبيهة بنظيرتها عند أنواع أشباه البشر الحديثة لكنها رغم ذلك تبرز خارج صف الأسنان. يعرف هذا النوع البشري القديم في السجل الأحفوري فقط بفضل أحافير قليلة لمقدمة الجمجمة ومجموعات من الأسنان.

حقوق الصورة: Karen carr studio

– مكان العيش: أفريقيا الشرقية منطقة وادي أواش بإثيوبيا.

– الحقبة الزمنية: بين حوالي 5.8- و 5.2- مليون سنة.

– تاريخ الاكتشاف: 1997.

قصة الاكتشاف:

عندما وجد قطعة من الفك السفلي ملقاة على الأرض بمنطقة أواش الوسطى بإثيوبيا في عام 1997، لم يدرك العالم الأنتروبولوجي يوهانس هيلا سيلاسي، أنه قد كشف عن نوع جديد من أسلاف البشر. لكن الأحد عشر عينة لما لا يقل عن خمسة أفراد التي اكتشفها هيلا سيلاسي، جعلته مقتنعا بأنه قد وجد سلفا مبكرا جديدا للإنسان. وقد قُدّر عمر الحفريات التي عُثر عليها والتي احتوت أيضا على عظام لليد  والقدم وأجزاء من عظام الدراع إضافة إلى عظم الترقوة ما بين 5,6 و 5,8 مليون سنة، والتي ساعدت بشكل كبير إضافة إلى أجزاء أخرى، في التوصل إلى أن Ardipithecus kadabba، كان منتصبا ويمشي على قدمين. وبينت أحافير لحيوانات استخرجت من الموقع نفسه أن هذا الإنسان البدائي كان يعيش في بيئة مختلطة بين الغابات والمراعي، وأنه كان يحصل على المياه من البحيرات والينابيع.

في عام 2002 عُثر على ستة أسنان للأحفورة بموقع أساكوما بإثيوبيا، وأكدت دراسة أنماط هذه الأسنان، أن A. kadabba، كان نوعا متفردا ومستقلا عن  A. ramidus. وبناء على هذه الدراسة رجح علماء الحفريات يوهانس هيلا سيلاسي وجين سووا وتيم وايت في العام 2004  أن الأحفورة لنوع جديد أسموه أرديبيتيكوس كادابا “Ardipithecus kadabba”. وتعني كلمة كادابا “السلف المشترك”.

معلومات إضافية عن الطول والوزن :

لا توجد معطيات محددة عن الطول والوزن، لكن من المرجح أنه كان بحجم الشمبانزي. نحن لا نعرف كل شيء عن البشر الأوائل، لكن نواصل تعلم المزيد باستمرار، فعلماء الحفريات يعتمدون اليوم على تقنيات ووسائل رائدة وحديثة في هذا المجال من أجل ملء بعض الفجوات التي مازالت تواجهنا في فهم تطور الجنس البشري.

وفيما يلي نعرض لبعض الأسئلة التي مازالت بدون أجوبة حول هذا النوع المُكتشف، والتي يمكن الإجابة عنها مستقبلا:

  1. هل كان Kadabba يمشي على قدمين بشكل روتيني؟ فحتى الآن، الأدلة على أنه  كان يمشي منتصبا تقتصر فقط على عظم وحيد لأصبع القدم يعود إلى 5.2 مليون سنة، عُثر عليه على بعد 10 أميال من موقع اكتشاف العينات الأخرى.
  2. إذا كان هذا النوع يمشي فعلا على قدمين، لماذا لم يتمكن العلماء والمصممون من وضع نموذج يحاكي مشيته.
  3. أكان المشي على قدمين، خاصية تطورت بشكل مستقل عند صنف أرديبيتيكوس أم أنها مرتبطة أيضا بأنواع أخرى كإنسان الساحل التشادي Sahelanthropus tchadensis  و Orrorin tugenensis، وهما نوعان سابقان للجنس البشري؟

كيف عاش:

بدلا من الاقتصار على تناول الفواكه وأوراق الأشجار مثل الشمبانزي، هناك أدلة على أن A. kadabba كان يعتمد أيضا في أكله على مجموعة متنوعة من الأطعمة الليفية. وقد استدل العلماء على ذلك بكون الأسنان الخلفية لهذا النوع أكبر من نظيرتها عند الشمبانزي. في حين  أن الأسنان الأمامية تعد صغيرة نسبيا، مقارنة مع الشمبانزي دائما. الشيء الذي يبين أن هذا النوع ركز على الجزء الخلفي من الفم، في تناوله للأطعمة التي يصعب مضغها، مثل الأطعمة الغنية بالألياف.

معطيات حول شجرة التطور:

اعتقد العلماء في وقت سابق، أن A. kadabba هو نويع من أنواع  Ardipithecus ramidus، لكن تبين لاحقا بالاعتماد على الاختلافات في بنية الأسنان أنه نوع مستقل تماما.

المصادر:

Haile-Selassie, Y., Suwa, G., Withe, T.D., 2004. Late Miocene teeth from middle Awash, Ethiopia, and early hominid dental evolution. Science 303, 1503-1505

المصدر:  humanorigins




شجرة عائلة الإنسان (2): أورورين توجنينسيس “Orrorin tugenensis”

اللقب:  رجل الألفية

المكان: شرق أفريقيا ، منطقة توجين هيلز، وسط كينيا

الزمان: ما بين 6.2 و 5.8 مليون سنة

سنة الاكتشاف: 2001

يعد “أورورين توجنينسيس” من أقدم أنواع البشر الأوائل التي تفرعت عن شجرة عائلتنا. يتميز أفراده بحجم يقارب حجم الشمبانزي، وأسنان صغيرة مع ميناء سميك على غرار البشر المعاصرين. أهم بقية أحفورية من بقايا هذا النوع هو عظم الفخذ العلوي الذي يبدو متكيفا مع تسلق الأشجار، لكنه لا يستبعد قدرته على المشي منتصبا.

common_ancestor_illustration_kc_head_sq

humanorigins

بدأت قصة الاكتشاف على يد فريق من الباحثين الفرنسيين تقوده عالمة الحفريات “بريجيت سينو”  رفقة عالم الجيولوجيا “مارتان بيكفورد“، حيث اكتشف الفريق 13 حفرية بشرية في منطقة توجين هيلز في وسط كينيا، تعود لخمسة أفراد على الأقل، و قد حدد الباحثون عمرها بحوالي 6.2 مليون و 6.0 مليون سنة. بسبب جمعها بين صفات القرد وصفات الإنسان، ونسبوا هذه الحفريات إلى نوع بشري جديد أطلق عليه “أورورين توجنينسيس”، وهو ما يعني في اللغة المحلية: “الرجل الأصلي بمنطقة توجين”. ويعد النوع الوحيد المنتمي لجنس Orrorin.

و تدل أسنان هذا النوع على أنه كان نباتيا، يتغذي على الأرجح أساسا على أوراق الأشجار والفواكه والحبوب والجذور والمكسرات والحشرات.

يقع هذا النوع في قاعدة شجرة تطور الإنسان، وتغلب عليه صفات القردة بشكل ظاهر باستثناء كونه يمشي منتصبا على قدمين.

وما تزال بعض النقاط المتعلقة بهذا النوع غامضة تنتظر التوضيح، منها:

1- هل “أورورين توجنسيس” سلف مباشر للإنسان العاقل؟ و هل يجعل هذا من “أوسترالوبيتيكوس أفارينسيس” فرعا جانبيا للشجرة البشرية انتهى إلى طريق مسدود؟

2- هل كان “أورورين توجنينسيس” يمشي بشكل روتيني على قدمين؟ تشير الأحافير المكتشفة إلى قدرته على المشي المنتصب، لكنها لا تدل بالضرورة على المشي الروتيني.

3- كيف تطورت القدرة على المشي على قدمين؟ تشير إحدى الفرضيات إلى أن القرود كانت في البداية تسير على الفروع فيم تستخدم السواعد لتحقيق التوازن.

4- ما هي العلاقة بين هذا النوع و بين “ساحيلانتروبيس تشادينسيس” الذي ينافسه على لقب الإنسان الأقدم؟

و لمزيد من الإطلاع يمكن مراجعة هذه الأوراق العلمية:

Pickford, M., Senut, B., Gommery, D., Triel, J., 2002. Bipedalism in Orrorin tugenensis revealed by its femora. Comptes Rendus Palevol 1, 191-203.

Richmond, B.G., Jungers, W.L., 2008. Orrorin tugenensis femoral morphology and theevolution of hominin bipedalism. Science 319, 1662-1665.

Senut, B., Pickford, M., Gommery, D., Mein, P., Cheboi, K., Coppens, Y., 2001. First hominid from the Miocene (Lukeino Formation, Kenya). Comptes Rendus De L Academie Des Sciences Serie Ii Fascicule a-Sciences De  La Terre Et Des Planetes 332, 137-144.

Thorpe, S.K.S., Holder, R.L., Crompton, R.H., 2007. Origin of human bipedalism as anadaptation for locomotion on flexible branches. Science 316, 1328-1331.

المصدر: Human origins




شجرة عائلة الانسان (1): انسان الساحل التشادي “Sahelanthropus tchadensis”

يعتبر انسان ساحل التشادي واحدا من أقدم الأنواع المعروفة في شجرة عائلة الانسان، وقد عاش خلال الفترة الزمنية الممتدة بين 6 و 7  ملايين سنة الماضية في غرب وسط افريقيا (تشاد). ربما يكون المشي المنتصب ساعد هذا النوع على العيش في بيئات مختلفة بما فيها الغابات والأراضي المعشوشبة. ورغم أننا لا نتوفر إلا على بقايا جمجمة هذا النوع إلا أن الدراسات تبين أنه يتميز بخليط من خصائص القردة والبشر. تتضمن الأولى دماغا صغيرا (أصغر بقليل حتى من دماغ الشمبانزي)، ووجه مائل وعظام حواجب بارزة جدا بالاضافة إلى جمجمة طويلة. أما الخصائص البشرية فتتجلى في في أنياب صغيرة وجزء وجه أوسط قصير و فتحة النخاع الشوكي موجودة أسفل الجمجمة عوض أن تكون موجهة نحو الخلف كما يلاحظ عند القردة التي لا تمشي على قدمين.

s_tchadensis_front_sq_dh

حقوق الصورة:  John Gurche

كيف نعرف أن انسان ساحل التشادي كان يمشي منتصبا؟

واحد من أقدم الدلائل على المشي المنتصب عند أشباه البشر ياتينا من انسان الساحل التشادي. فالثقبة العظمى (الفتحة التي يخرج عبرها الحبل الشوكي من الجمجمة) تقع إلى الأمام أكثر (في الجزء السفلي للجمجمة) مقارنة مع القردة أو باقي الرئيسيات باستثناء البشر. تدل هذه الخاصية على أن الرأس عند انسان الساحل التشادي محمول على جسم منتصب، مرتبط ربما بالمشي على طرفين.

سنة الاكتشاف: 2001

تاريخ اكتشاف أحفورة إنسان ساحل التشادي:

الأحافير الأولى (والوحيدة إلى غاية الآن) لانسان ساحل التشادي عبارة عن تسع عينات من شمال تشاد اكتشفها فريق من العلماء بقيادة عالم الحفريات ميشيل بروني سنة 2001 بما فيها العينة النموذجية TM 266-01-0606-1. قبل ذلك كانت مستحاثات أشباه البشر في افريقيا قد اكتشفت فقط في شرق افريقيا ومواقع في جنوب افريقيا، وبالتالي فاكتشاف انسان ساحل التشادي في وسط غرب افريقيا يبين أن انتشار البشر الأوائل كان أوسع مما كان معتقدا.

فيما يلي بعض الأسئلة حول هذا النوع والتي قد نجيب عليها مع الاكتشافات المستقبلية:

– كيف يبدو جسم انسان ساحل التشادي؟ فإلى الآن اكتشف العلماء بقايا جماجم فقط لهذا النوع.

– كيف كان شكل حركتها الرئيسي؟

– ما الذي كان يأكله أفراج هذا النوع؟

– لماذا كانت أنياب ذكور هذا النوع صغيرة؟ هذا على خلاف ذكور الشمبانزي وأغلب الرئيسيات الأخرى التي تستعمل أنيابها الكبيرة لأخافة الآخرين خصوصا خلال المنافسة على الشركاء الجنسيين.

– هل كانت هماك اختلافات في الحجم بين ذكور وإناث انسان ساحل التشادي؟

– هل كان انسان ساحل التشادي سلفا مشتركا للبشر والشامبانزي؟

 الحفرية TM 266-01-060-1

nhb2014-02878-sahelanthropus-tchadensis_sq

كيف عاش إنسان ساحل التشادي؟

لسوء الحظ فإن معظم أسنان انسان الساحل التشادي تم اتلافها، وليست هناك بعد دراسات حول تآكلها لتحديد النظام الغدائي. لكن يمكننا، اعتمادا على البيئات التي عاش فيها وأنواع أخرى من البشر الأوائل، استنتاج أنه كان يتغذى أساسا على النباتات، بما فيها على الأرجع الأوراق والفواكه والبذور والجذور والمكسرات والحشرات.

معلومات عن الشجرة التطورية:

انفصلت أولى أنواع أشباه البشر عن القردة قبل حولي 6 إلى 7 مليون سنة في افريقيا. ويتميز انسان ساحل التشادي بخاصيتين تشريحيتين بشريتين هما: أنياب صغيرة، و المشي المنتصب على طرفين عوض أربعة.

المصدر:  humanorigins




شجرة عائلة الانسان: مقدمة

اكتشف العلماء الكثير من الدلائل على تطور البشر، فقد مكنت آلاف المستحاثات البشرية الباحثين من دراسة التغيرات التي طرأت على حجم الدماغ والجمجمة والحركة والنظام الغذائي ومظاهر أخرى تهم نمط حياة الأنواع البشرية القديمة خلال الستة ملايين سنة السابقة. كما أن ملايين الأدوات الحجرية والتماثيل والرسوم وآثار الأقدام وآثار أخرى للسلوك البشري في سجل ما قبل التاريخ تخبرنا أين وكيف عاش البشر الأوائل ومتى اخترعت بعض الابداعات التكنولوجية. أما دراسة الوراثة البشرية فتظهر إلى أي حد نحن مرتبطون عن قرب بباقي الرئيسيات. بالإضافة إلى ذلك فقد ساهمت التطورات الحاصلة في تأريخ المستحاثات والأدوات في تحديد عمر هذه البقايا، ما ساعد في تكوين صورة عن تطور معالم ظهور البشر.

14397885_10154464742272988_1380341953_n

© Copyright Smithsonian Institution

إلى الآن اكتشفت مستحاثات تنتمي لأكثر من 6000 فرد من أنواع البشر الأوائل، إضافة إلى الاكتشافات الجديدة التي تكتشف كل سنة، ومن خلالها يمكن فهم:

– إلى أي حد كان نوع بشري متأقلما مع المشي منتصبا.

– إلى أي حد كان نوع بشري معين متأقلما مع العيش في المواطن الاستوائية الساخنة أو البيئات المعتدلة الباردة.

– الفرق بين طول الجسم بين الذكور والاناث، والذي يرتبط بمظاهر السلوك الاجتماعي.

– مدى سرعة أو بطئ نمو صغار أنواع البشر الأوائل.

فيما اعتاد الناس الاعتقاد أن هناك خطا أو سلالة وحيدة للأنواع البشرية مع تطور نوع بعد الآخر في تقدم نحو الانسان الحديث، فإننا نعرف الآن أن هذا ليس صحيحا. فكباقي الثدييات نحن جزء من شجرة عائلة متنوعة وكبيرة. حيث تظهر المستحاثات أن شجرة عائلة الانسان لها عدد أكبر من الفروع وجذور أعمق مما كنا نعرفه حتى قبل بضع عقود. في الحقيقة فإن عدد فروع هذه الشجرة وطول مدتها الزمنية قد تضاعفت تقريبا منذ اكتشاف مستحاثة “لوسي” سنة 1974.

كانت هناك فترات زمنية عاشت خلالها ثلاثة إلى أربعة أنواع بشرية بشكل متزامن، بل في نفس المكان. نوعنا (Homo sapiens) هو الوحيد الذي نجا من بين جميع أنواع شجرة العائلة المتنوعة.

إذا كان وجود شجرة عائلة تطورية للبشر غير قابل للجدال، فإن حجمها وشكلها (عدد الفروع التي تمثل مختلف الأجناس والأنواع والعلاقات فيما بينها) تناقش كثيرا من قبل الباحثين وتربك بسبب سجل أحفوري يظهر تاريخا مجزءا.

تهدف هذا السلسلة إلى تعريفكم على مختلف الأنواع البشرية المعروفة، مميزاتها الجسدية، متى عاشت؟ وكيف عاشت وما العلاقات التي تربط فيما بينها.

المصدر: 1 2




شجرة عائلة الانسان (9): بارانثروبوس إثيوبيكوس “Paranthropus aethiopicus”

أين عاش: شرق إفريقيا (حوض توركانا في شمال كينيا، جنوب إثيوبيا)

الزمن: قبل ما يقارب 2.7 إلى 2.3 مليون سنة مضت.

لازال بارانثروبوس إثيوبيكوس يشكل غموضا بالنسبة لعلماء الحفريات، حيث عثر على بقايا قليلة لهذا النوع. اكتشاف الجمجمة السوداء” التي يعود تاريخها لما يقارب 2.5 مليون سنة 1985 ساعد كثيرا في التعريف بهذا النوع على أنه أقدم نوع معروف من الأوسترالوبيثيسين “australopithecine” (الأنواع المنتمية لجنسي Austhralopithecus  و  Paranthropus).

aethiopicus_illustration_kc_sq

حقوق الصورة: Karen Carr Studio

يعرف بارانثروبوس إثيوبيكوس بوجهه البارز جدا وأسنانه الكبيرة وفكه القوي، والعُرْفُ السَّهْمِيّ “sagittal crest” المتطور جدا في أعلى الجمجمة، وهو ما يشير إلى توفره على عضلات كبيرة تساعده على المضغ، خصوصا العضلات التي ترتبط بالجزء الخلفي للعرف وتحدث قوة مضغ كبيرة مرتبطة خصوصا بالأسنان الأمامية.

تاريخ الاكتشاف:

اقترح بارانثروبوس إثيوبيكوس سنة 1967 من قِبَلِ فريق فرنسي من علماء الحفريات لوصف فك سفلي بدون أسنان (Omo 18) الذي كان يُظن أنه يختلف بما يكفي عن الفك السفلي لأنواع البشر الأوائل المعروفة آنذاك. استبعدت تسمية هذا النوع الجديد: العديد من علماء الحفريات ظنوا أنه من السابق لأوانه تسمية نوع جديد يتوفر على فك سفلي وحيد غير متكامل. وفي سنة 1985، وعندما اكتشف ألان والكر وريشارد ليكي الجمجمة السوداء المشهورة غرب بحيرة توركانا في كينيا ظهر التصنيف من جديد .

لا نعلم كل شيء حول أسلافنا الأوائل لكننا نستمر في تعلم المزيد ! علماء الحفريات هم بشكل مستمر في الميدان، ويعملون على البحث في أماكن جديدة وبتكنولوجيا متقدمة ، وذلك من أجل مَلْءِ الفجوات لفهم التطور البشري.

هذه بعض الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات بخصوص ‘بارانثروبوس إثيوبيكوس’، وهذه الإجابات بلا شك مرتبطة بالاكتشافات المقبلة:

1- ما نوع البيئات التي فضل هذا النوع العيش فيها ؟

2- هل هذا النوع مرتبط عن قرب بـ  Au. afarensis، الذي يتشارك معه في العديد من المميزات، أم مرتبط بنوع آخر من الأوسترالوبيثيسين ” australopithecines ” مثل ” P. boisei “، الذي يظن الباحثون أنه السليل المباشر لـ ‘بارانثروبوس إثيوبيكوس’ ؟

3- كم يبلغ طول جسمه ؟

4- هل ظهرت لديه ثنائية الجنس فيما يخص طول الجسم مثل أكثرية “australopithecines ” في هذه الفترة من الزمن؟

أول ورقة بحثية نشرت:

Arambourg, C., Coppens, Y., 1968. Sur la decouverte dans le Pleistocene inferieur de la valle de l’Omo (Ethiopie) d’une mandibule d’Australopithecien. Comptes Rendus des seances de l’Academie des Sciences 265, 589-590.

يظهر شكل الأسنان وحجمها الكبير أن هذا النوع يعتمد على حمية غذائية نباتية واسعة.

الكثير من خصائص جمجمة هذا النوع تشبه نظيرتها لدى  Australopithecus afarensis وربما يكون بارانثروبوس إثيوبيكوس منحدرا من هذا النوع، وعلى ما يبدو فإنه سلف الأوسترالوبيثيسين الذي وجد لاحقا في شرق إفريقيا  Paranthropus boisei. 

المصدر: humanorigins




تنظير القولون “Colonoscopy”

يعتبر الجهاز الهضمي الأكثر عرضة للأمراض كونه على تواصل دائم بالوسط الخارجي عبر كل ما يعبر أفواهنا، من بين آليات وطرق تشخيص هذه الأمراض تنظير القولون، ورغم أنه فحص مؤلم بعض الشيء ومخجل لدى البعض إلا أنه ضروري في بعض الأحيان لتجاوز  آلام أشد وجل المشاكل صحية التي تصيب القولون.

تنظير القولون هو إجراء  طبي يتيح لطبيبك التحقق من سلامة الأمعاء الغليظة أو القولون.  ويتم باستخدام أنبوب طويل ومرن يسمى منظار القولون ( colonoscope). يحتوي هذا الأنبوب على مصدر ضوء وكاميرا صغيرة في نهايته، يوضع في المستقيم ليسمح بالوصول إلى القولون.

بالإضافة إلى هذا الإستعمال،  يمكن منظار القولون من :

  • تنظيف وغسل بطانة القولون
  • إزالة وشفط السوائل العالقة في القولون مع الاستعانة بجهاز شفط
  • ضخ الهواء في الأمعاء لتسهيل الرؤية داخل القولون
  • العمل داخل الأمعاء باستخدام أدوات جراحية

يمكن فحص القولون بالمنظار من  إزالة الأنسجة أو الزوائد لإجراء مزيد من الاختبارات. وذلك للقيام بما يستوجب من علاج في حالة الكشف عن حالة مرضية.

الأمعاء الغليظة أو القولون هي الجزء الأخير من الجهاز الهضمي.  تمتص الماء لتحويل  الفضلات السائلة  التي تمر عبرها إلى براز صلب. يصل طول الأمعاء الغليظة إلى 5 أقدام لدى البالغين. ويتجزأ إلى 4 أقسام:

  • القولون الصاعد :  يمتد نحو الأعلى على الجانب الأيمن من البطن.
  • القولون المستعرض :  يمتد من القولون الصاعد عبر الجسم  نحو الجانب الأيسر .
  • القولون التنازلي : يمتد من القولون المستعرض  إلى أسفل الجانب الأيسر.
  • القولون السيني :  يسمى كذلك لأنه على شكل S. تمتد من القولون التنازلي إلى المستقيم.

يساعد تنظير القولون على الكشف المبكر لعلامات السرطان، احمرار أو تورم الأنسجة، وتقرحات مفتوحة (القرحة)، والنزيف. ومن بين هذه السرطانات سرطان القولون والمستقيم. كما يكشف عن وجود أورام حميدة أو خبيثة بالقولون، أو تقرح أو التهاب، ويكشف كذلك على الرتوج ( Diverticula ) التي قد تتواجد على طول جدار القولون والتضيقات  (strictures) …

يستخدم أيضا للعثور على سبب الإسهال المزمن أو نزيف الجهاز الهضمي. ويمكن أيضا أن يستخدم لفحص القولون بعد علاج السرطان.

كما هو الحال مع أي فحص ، قد تحدث مضاعفات أثناء القيام بتنظير القولون، مثل  :

  • استمرار النزيف بعد أخذ عينة الأنسجة أو إزالة ورم
  • الغثيان، والتقيؤ، والانتفاخ، أو تهيج المستقيم الناجم عن تطهير الأمعاء قبل الفحص
  • التحسس من المسكنات المستعملة
  • ثقب جدار الأمعاء  وهذا أمر نادر الحدوث.

يجب إخبار الطبيب في حالة :

  • حمى أو قشعريرة
  • نزول الدم مع البراز بشكل متكرر
  • ألم في البطن أو تورم
  • الشعور بصلابة البطن
  • عدم القدرة على التخلص من غازات البطن

المصدر :

university of rochester




شجرة عائلة الإنسان (8): أوسترالوبيثيكوس الافريقي “Australopithecus africanus”

مكان العيش: إفريقيا الجنوبية (جنوب إفريقيا)

الزمان: قبل 3,3 إلى 2,1 مليون سنة

يشبه Au. africanus  تشريحياً  Au. afarensis  وكان يجمع بين صفات البشر والقردة. ومقارنة مع Au.afarensis يملك هذا النوع جمجمة أكثر استدارة مكنت من حمل دماغ أكبر وأسنان أصغر، لكنه كان يتوفر على بعض صفات القردة كالأذرع الطويلة نسبياً والوجه المائل جداً والذي يمتد بفك بارز أسفل الجمجمة.

وعلى غرار Au. afarensis تشير بقية عضام الحوض، الفخد، والقدمين إلى أن Au. africanus كان قادراً على المشي على قدمين اتنتين، إلا أن عضام الكتف واليدين مكيفتان أيضاً على التسلق.

africanus_jg_recon_head_cc_f_sq

حقوق الصورة: John Gurche

-اكتشف سنة 1924

تاريخ الاكتشاف:

كان طفل تونغ “The tang child” الذي اكتشف سنة 1924 أول إثبات أن المستحاثات البشرية الأولى قد وجدت في إفريقيا. فبعد أن قام البروفيسور رايموند دارت بوصف وتسمية هذا النوع ب Australopithecus africanus والتي تعني القرد الجنوب إفريقي، تطلب الأمر من المجتمع العلمي حينها أكثر من عشرين سنة حتى يتقبل ضم هذه الفصيلة كعضو في شجرة عائلة البشر.

-الطول:

الذكور متوسط 138 سنتيمتر

الإناث متوسط 115 سنتيمتر

-الوزن:

الذكور متوسط 41 كيلوجرام

الإناث متوسط 30 كيلوجرام

صحيح أننا لا نحيط علماً بكل ما يخص أسلافنا، إلا أنا مداركنا بخصوصهم لا تفتأ تتسع أكثر فأكثر. إن علماء الأنثربولوجيا القديمة ينقبون بشكل دائم في مناطق جديدة باستعمال تكنولوجيا رائدة وبذلك يقومون بشكل تدريجي بملء الفجوات التي تعتري فهمنا لتطور الإنسان.

نذكر هنا بعض التساؤلات حول Au. africanus  التي من الممكن التوصل لإجابات عنها في اكتشافات مستقبلية:

1- يعتبر حالياً Au. africanus أقدم إنسان بدائي معروف من جنوب إفريقيا، فمن أين أتى؟ هل كان خلفاً ل Au. afarensis  الشرق إفريقي؟

2- هل كان Au. africanus جزءاً من الخط التطوري الذي أدى إلى ظهور نوعنا: الهوموسابيان؟

3- عام 1994 وجد العالم رون كلارك أربعة من عضام قدم يسرى لإنسان بدائي حينما كان يبحث في صناديق المستحاثات في موقع Sterk fontain بجنوب إفريقيا، حيث وجدت معظم مستحاثات Au. africanus، وأطلق عليها اسم “القدم الصغيرة”.

وقد اكتشف حينها أنها تنتمي لهيكل يعود عمره إلى 3.3 مليون سنة، معظمه مايزال مدفوناً في ترسبات الكهف. حين يتم استخراج هذه المستحاثة بشكل كامل فإنها ستساهم في إلقاء الضوء على الكثير من الأسئلة حول هذا النوع (إذا كانت هذه المستحاثة تخص بالفعل فرداً من هذا النوع) وعن طوله؟ وباستثناء الجمجمة التي بحوزتنا، كيف تبدو ياترى بقية الهيكل العضمي؟

-كيف تمكنوا من البقاء: صياد أم طريدة؟

لم يتم اكتشاف أية أدوات حجرية في نفس الترسبات حيث وجدت مستحاثات Au. africanus، ورغم ذلك ولوقت طويل اعتقد الباحثون أن Au. africanus كان صياداً. ابتكر رايمون دارت في الأعوام ما بين 1940 و 1950 مصطلح “osteodontokeratic culture” (عظم=osteo، سن=donto، قرن=keratic) أي ثقافة العضم، السن، والقرن لأن بقايا هذا النوع وجدت جنباً إلى جنب مع عظام حيوانية مكسورة. افترض دارت أن هذه العظام والأسنان والقرون قد استعملت من طرف Au. africanus كأسلحة. إلا أنه في تمانينات وتسعينات القرن الماضي أثبت علماء آخرون أن الحيوانات المفترسة أمثال الأسود والفهود والضباع هي المسؤولة عن هذه البقايا الحيوانية، بل إن هؤلاء المفترسين قد تغدوا أيضاً على Au. africanus.

بالرغم من أن معاصري Au. africanus من المفترسين قد عاشوا على نظام غدائي لاحم، إلا أنه كان لديه نظام شبيه بالشامبانزي، يعتمد على الفواكه والنباتات والمكسرات والحبوب والجذور والحشرات والبيض.

كيف تعرفنا على نظامهم الغذائي؟

تمكن العلماء من تخمين النظام الغدائي لهذه الفصيلة بناءاً على بقايا الأسنان: حجمها، شكلها، وتآكلها.

الدراسات التي أجريت على التآكلات المجهرية في الأسنان لدى هذه الفصيلة، عثرت على خدوش أكثر من الثقوب مقارنة بمعاصره P. robustus . هذا النمط يشير إلى أن Au. africanus قد عاش على أغذية ذات بنية قاسية، لكن نظامه الغذائي كان شديد التغير وضم أيضاً أطعمة أكثر ليونة كالفواكه والنباتات.

معلومات الشجرة التطورية:

يعتبر العديد من العلماء أن واحداً من بين نوعي Au. africanus و Au. afarensis هو مرشح قوي ليكون سلفاً لجنس الهومو أي الإنسان.

الأحفورة STS 14:

تشير هذه الفقرة من العمود الفقري لأحد أفراد فصيلة Au. africanus إلى أنه كان يمشي منتصباً بشكل شبيه بالإنسان الحديث.الشكل المنحني الفريد الذي يتميز به أسفل ظهر الإنسان والذي يمكنه من امتصاص الصدمات أثناء المشي، قد وجد أيضاً لذى هذه الفصيلة.

الأحفورة STS5:

وجدت مستحاثات Au. africanus في غالب الأحيان جنباً إلى جنب وبقايا العظام الحيوانية، لذا اعتبر هذا الأخير “قرداً قاتلاً” (killer ape) لكن الآن نعرف أنه كام في بعض الأحيان صيداً للمفترسين. لقد عاش أفراد هذا النوع في مجموعات، مما مكنهم من حماية أنفسهم.

Taung Child:

جمجمة الطفل ذي الثلاث سنوات هذه، كانت أول جمجمة بشرية تكتشف في إفريقيا، وجدت سنة 1924 لكن الأمر استغرق حوالي عشرين سنة حتى يتقبل العلماء أهمية إفريقيا كمرجع أساسي لفهم تطور الإنسان.

الورقة البحثية الأولى: Dart, R., 1925. Australopithecus africanus. The man-ape of South Africa. Nature 115, 195-199.

المصدر: Humanorigins




العلم والتساؤل

الإنسان كائن سؤول بطبعه، تدفعه لذلك شهوة المعرفة.

والسؤال هو مفتاح البحث العلمي الرصين، فنحن لو راجعنا تاريخ العلوم لوجدنا أن كثيرا من العلوم بدأت بسؤال!

مجرد سؤال، المهم أن يكون السؤال صحيحا، ولو كان بسيطا.

لأن هذا السؤال البسيط سيكون طرف الخيط الذي يفضي إلى تساؤلات أعقد، تنفذ إلى غموض ومجاهل الكون من حولنا.

فطرح السؤال هو أولى خطوات العلم؛ يقول د فؤاد زكريا:

إذا كان كثير من المؤرخين يتخذون من آراء الفلاسفة اليونانيين القدماء نقطة بداية للعلم؛ فما ذلك إلا لأن هؤلاء الفلاسفة قد تفوقوا على غيرهم في التساؤل والبحث عن الأسباب، صحيح أنهم لم يجدوا إجابات إلا على القليل من الأسئلة التي طرحوها، وأن كثيرا من إجاباتهم كانت قاصرة، ولكن المهم أن يُطرح السؤال، وهذا الطرح هو في ذاته الخطوة الأولى في طريق العلم.

فالقدرة على التساؤل هي التي تميز العالِم الكبير، لأن من صفات العلماء والفلاسفة عدم وقوعهم في شَرَك الرتابة، ذلك الشَرَك الذي يجعل الأشياء مألوفة، فلا تحتاج إلى البحث والتدقيق ومراجعة الفكر حولها.

فلن يسأل الإنسان العادي: لماذا السماء زرقاء؟ – مثلا؛ لأنه منذ مولده ألِف زرقة السماء، فلا تثيره مثل هذه الملاحظة (العابرة)!

لكن منْ سيسأل هو الفيلسوف أو العالِم؛ يقول دكتور مصطفى محمود:

العالِم العظيم والمكتشف العبقري هو وحده الذي يستطيع أن يمزق أستار هذه الألفة، ويأخذ بيدنا إلى حقيقة جديدة.

وهنا نطوف مع ثلاثة نماذج من أسئلة طُرحت، ففتحت أبواب واسعة في العلوم..

البداية مع أينشتاين

العالِم ألبرت أينشتاين (1879-1955) بدأت إبداعاته العلمية التي قادت إلى النظرية النسبية بسؤال عن ماهيّة الضوء.

يشرح هذه التساؤلات ماكس فرتهيمر(1880-1943م) – هو أحد المؤسسين الرئيسيين لنظرية الجشطلت Gestalt theory – قائلا:

” في البداية بزغت في ذهن أينشتاين مجموعة من الأسئلة مثل:

ماذا يحدث إذا جرى أحد الأشخاص وراء شعاع من الضوء؟

وماذا يحدث إذا ركب أحدهم شعاعا؟

هب أن شخصا جرى وراء شعاع من الضوء أثناء مساره فهل ستقل سرعة الضوء بالنسبة لهذا الشخص؟

وإذا كان هذا الشخص سيجري بسرعة كبيرة كافية، فهل يكف هذا الشعاع عن الحركة كلية؟ ( أي يصل إلى حالة من السكون المطلق؟ )”.

ثم تتابعت التساؤلات التي قادت أينشتاين إلى نظريته النسبية.

فالسؤال البسيط هو طرف الخيط الذي قاد إلى عدة أسئلة متلاحقة، ويشهد ليوبولد إنفلد (1898 – 1968م)- الفيزيائي البولندي الذي كان متعاونا مع أينشتاين في جامعة برنستون(1936-1938)- على ما كان  يتسم به أينشتاين من قدرة عظيمة على التساؤل، فيقول:

“مذ كان أينشتاين في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من عمره (هذا ما قاله لي في مناسبات عديدة) كان يطيل النظر في هذه المسألة: ما الذي سيحدث لو أن شخصاً ما حاول الإمساك بشعاع من الضوء؟

لقد فكر في هذه المسألة ذاتها سنوات طويلة فانتهى إلى نظرية النسبية”.

يعلّق صاحب كتاب الإبداع في الفن والعلم على هذه القصة قائلا:

“ونحن نرى في هذا المثال بعضاً من السمات الهامة لعبقرية أينشتاين. وأول هذه السمات وأهمها القدرة على التساؤل”.

وهذا ليس غريبا على أينشتاين، أليس هو القائل :

“الشيء المهم هو عدم التوقف عن السؤال، الفضول له سببه الخاص”؟!

طول الساحل

هندسة الكسيريات أو الفركتلات  Fractal جاءت من عمل العالم بونوا ماندلبروتBenoit Mandelbrot (1924 – 2010) على استقصاء التكرار الذاتي، وذلك للإجابة عن سؤال بسيط :

كم يبلغ طول شواطئ بريطانيا؟

هذا السؤال السهل الذي صنع بما عرف بمفارقة خط الساحل Coastline paradox

(تلك الملاحظة المتناقضة التي يكون فيها ساحل اليابسة ليس له طول محدد واضح)!

فقد “استندت أعمال ماندلبروت إلى زعم مفاده أن الأشياء الغرائبية هي من هذا العالم أيضا، إنها تحمل دلالة مهمة.

ما الذي يصنع الشاطئ؟

طرح ماندلبروت هذا السؤال في إحدى أوراقه التي شكلت نقطة تحول في تفكيره عن سؤال من نوع :” كم يبلغ طول شواطئ بريطانيا؟”

هذه التساؤلات قادته إلى تفكير من نوع جديد في مسألة الأبعاد نفسها، وضرورة تجاوز عدد هذه الأبعاد إلى الأبعاد التكرارية المتغيرة أو ما عُرف بعد ذلك بأبعاد كسيرية Fractional Dimensions،

(يُعرّف البعد الكسيري أنه صفةٌ لمنحني متماثل ذاتيًّا، واقع في مستوى ذي بعدين، أو لسطح متماثل ذاتيًّا واقع في الفراغ ثلاثي الأبعاد).

هذه الأبعاد تعمل على الأنماط غير المنتظمة في الطبيعة من الغيوم إلى الجبال إلى تعرجات السواحل وحتى التعرجات على أوراق الشجر وغيرها.

كل هذا من سؤال بسيط طُرح ذات يوم!

مفارقة أولبرز

واحدة من مفارقات العلم المشهورة، سميت مفارقة أولبرز Olbers’ paradox لأن الذي قدمها هو الفلكي الألماني هاينريش فيلهلم أوبلرز (1758-1840)، وكانت سؤالا بسيطا :

رغم أنه ” يوجد في الفضاء مليارات النجوم اللامعة في مليارات المجرات في كل الاتجاهات، وعلى هذا، كان من المفترض أن تكون السماء مضيئة، لكن لماذا تظل السماء مظلمة أثناء الليل؟

حاول الكثيرون الإجابة على هذا السؤال المحير من زمن طويل، من توماس ديجيس Thomas Digges عام 1550م إلى كبلر Kepler عام 1610م، إلى إدوارد هالي Edward Halley في القرن التاسع عشر، حتى جاء هنريك أولبرز Heinrich Olbers في القرن التاسع عشر.

في عصر أولبرز كان من المعروف أن الكون ثابت ولا نهائي (لم يُخلق في نقطة معينة من الوقت، وسيوجد للأبد). وبناءً على الحسابات توصل إلى أنّ كل الفضاء لابد أن يكون مضيئًا”؛ وذلك لأن عددا لا متناه من النجوم ينتج كمية لامتناهية من الإضاءة، فلانهائية الكون – كما كان سائدا آنذاك – ستعوض أبعاد النجوم الشاسعة عنا!

وهناك في الفضاء الكوني آلاف الشموس، التي تفوق شمسنا ضياء، يمكنها أن تحول الليل إلى نهار.

فافترض أولبرز أن الكون ليس شفافا بما فيه الكفاية لوصول إضاءة الشموس الأخرى إلينا، وكانت إجابة خاطئة على تساؤله!

في القرن العشرين علمنا أن الكون ليس ثابتًا، بل يتوسع، وله بداية يطلق عليها اسم الانفجار الكبير. إذن الكون يتوسع، والنجوم ومجراتها وكل شيء في الكون يبتعد عنّا، لذلك فإن النجوم المبتعدة يحدث لضوئها ما يسمى بالانزياح نحو الأحمر(تأثير دوبلر)، وكلما كانت المجرات بعيدة عنا كلما كانت سرعة ابتعادها أكبر (قانون هابل)، لذلك فإنّ الضوء القادم من تلك النجوم المبتعدة يحدث تمددا في طولها الموجي لدرجة أن يدخل في نطاق الأشعة تحت الحمراء التي لا نراها.

بكلمات أخرى، الفضاء فعلاً منير، ولكننا لا نستطيع أن نرى ذلك بأعيننا، لكن يمكننا رؤية ذلك بتلسكوبات مثل تلسكوب هابل.

فقط في الكون المبكر، كانت السماء مضيئة بضوء مرئي”.

فكان تساؤل أولبرز هو البداية للتساؤل عن بداية الكون ومصيره.

وهكذا دائما:

السؤال هو البداية !

***

المراجع

– أغروس ، روبرت وجورج ستانسيو. العلم في منظوره الجديد، ترجمة: كمال خلايلي، العدد134(الكويت: سلسلة عالم المعرفة ، فبراير 1989).

– ديتفورت ، هويمارفون .تاريخ النشوء، ترجمة: محمود كبيبو، ط1 (اللاذقية: دار الحوار للنشر والتوزيع،1990).

– زكريا ، فؤاد .التفكير العلمي ، العدد3 (الكويت: سلسلة عالم المعرفة ، مارس 1978).

– عكوش، آلاء حسين . لماذا؟ أنت تسأل والفيزياء تجيب، ترجمة: عبدالحفيظ العمري وياسر أبو الحسب، (كتاب إلكتروني).

– عيسى، حسن أحمد . الإبداع في الفن والعلم، العدد24(الكويت: سلسلة عالم المعرفة ، يناير 1979).

– غليك ، جيمس . نظرية الفوضى -علم اللامتوقع ، ترجمة: أحمد مغربي، ط1 (بيروت: دار الساقي، 2008).

– محمود ، مصطفى . أينشتاين والنسبية ( القاهرة : دار أخبار اليوم، 2009).