كيف ستساعد ساعة ذرية في ايصال البشر للمريخ في الوقت المحدد؟

أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، في 25 من يونيو الماضي، على متن صاروخ “فالكون” أداة قد تحدث ثورة في مجال استكشاف الفضاء.

إلى حيننا هذا لا زالت المركبات الفضائية تعتمد على أوامر و توجيهات من الأرض للتنقل في الفضاء؛ إذ يعتمد الملاحون على هوائيات ضخمة لإرسال إشارات للمركبة الفضائية، و يتم قياس المدة المستغرقة من طرف الإشارة المرسلة و المعكوسة للأرض للقيام بهذه الرحلة ثنائية المنحى بواسطة ساعات ذرية، و هي ساعات دقيقة للغاية موجودة على سطح الأرض. يكشف الوقت المستغرق مسافةَ المركبة الفضائية عن الأرض لأن الإشارة المرسلة تنتقل بسرعة معروفة (سرعة الضوء)، و عن طريق إرسال إشارات عديدة، يتمكن الملاحون من حساب مسار المركبة الفضائية و كذا توجيهها.

رغم أن الأمر يبدو معقدًا شيئا ما، إلا أن معظمنا يستخدم هذا المفهوم يوميا. فمثلا إذا كنت تستغرق ما يعادل 30 دقيقة سيراً على الأقدام للتنقل من منزلك إلى أقرب بقال لك، وإذا كنت تعلم أنه يمكنك المشي لمسافة كيلومتر في غضون 20 دقيقة، فيمكنك حساب المسافة إلى البقال.

تَقَيُّدُ الرحلات الفضائية بالتوجيهات الأرضية يطرح العديد من المشاكل فيما يتعلق بالمهمات التي تهدف إلى زيارة كواكب أخرى، إذ أنه كلما ابتعدت المركبة عن الأرض كلما اتخدت الإشارات ذات المنحيين وقتا أكبر للوصول، فكيف يمكن لرواد الفضاء التنقل بعيدا عن الأرض إذا لم يكن لهم تحكم فوري بمسارهم؟ وكيف يمكن للمركبة الهبوط بدقة على كوكب آخر عندما يكون هناك تأخُّر في التواصل الذي يؤثر على سرعة ضبط مسارها؟

الساعة الذرية للفضاء السحيق أو DSAC كاختصار ل”Deep space atomic clock” هو جهاز تم تطويره من طرف مختبر الدفع النفاث “JPL” التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا بولاية “كاليفورنيا” بهدف تجاوز عراقيل التواصل التي تواجه الرحلات الفضائية.

الساعة الذرية للفضاء السحيق.

دقة الساعة الذرية للفضاء السحيق تتجاوز بنسبة خمسين مرة دقة ساعات نظام تحديد المواقع العالمي “GPS”، كما أنها مستقرة لدرجة تسمح لها بالطيران على متن مركبة فضائية، و عوض اللجوء لتقنية ثنائية المنحى بهدف توجيه الرحلة الفضاية، سيرسل الملاحون في المستقبل إشارات من الأرض إلى المركبة لقياس مقدار الوقت الذي استغرقته تلك الإشارات للوصول إليها بفضل الساعة الذرية للفضاء السحيق الموجودة على متنها، وبالتالي يمكن للمركبة الفضائية بعد ذلك حساب موقعها و التحكم في مسارها.

أطلقت ناسا، في 25 من يونيو الماضي، الساعة الذرية للفضاء السحيق على متن صاروخ فالكون لشركة “space X” في مدار الارض في مهمة تجريبية ستدوم لسنة، الشيء الذي قد يمهد الطريق لمستقبل من التنقل الفضائي “المستقل” شيئا ما، أي تنقل يعتمد على إشارات أحادية الاتجاه و اتصالات قليلة من و إلى الارض، بالاضافة إلى هذا، يمكن للمركبات الفضائية المزودة بهذه التكنولوجيا أن توَجَّه كأقمار صناعية للمريخ مستقبلا خالقةً بذلك شبكة تشبه نظام تحديد المواقع العالمي GPS، و موجِّهةً الروبوتات على سطح المريخ و البشر لما لا.

اقلاع الصاروخ فالكون الذي يحمل الساعة الذرية للفضاء السحيق في 25 من يونيو الماضي.

المصادر :

(1) (2)

(الصورة 1) (الصورة 2) (الصورة 3)




رصد أول نوع من الجزيئات في الكون

يعتقد العلماء أنه بعد الانفجار العظيم بحوالي 000 100 سنة، اجتمعت كل من ذرتي الهيليوم و الهيدروجين في جزيئة أطلق عليها اسم “هيدريد الهيليوم” و كانت هي أول الجزيئات المشَكَّلَة في بدايات الكون.

سنة 1925، استطاع العلماء إنشاء جزيئة “هيدريد الهيليوم” في المختبر بجعل الهيليوم يشارك أحد إلكتروناته مع أيون الهيدروجين. غير أنهم لم يتمكنوا من رصدها في الفضاء إلا بعد عقود من البحث.

من الجلي أن هدفهم لم يكن رصد أول الجزيئات المشَكَّلَة في الكون لانها وَلَّت منذ زمن بعيد. بدلا من ذلك، توجهوا لدراسة أماكن في الفضاء تتميز بخصائص مشابهة لخصائص الكون في بداياته.

في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، اكتشف العلماء المكلفين بدراسة السديم “NGC 7027” الذي يبعد عن كوكب الارض بحوالي 3000 سنة ضوئية أنه قد يشكل بيئة ملائمة لتكون هيدريد الهيليوم. إلا أن التلسكوبات الفضائية المستخدمة حينها لم تكن مزودة بتقنيات تسمح بانتقاء إشارة “هيدريد الهيليوم” وسط مزيج من الجزيئات في السديم المدروس، الشيء الذي جعل عملية رصد هذه الجزيئة صعبة شيئا ما.

اتخذت بحوث العلماء مسارا جديدا حينما لجؤوا سنة 2016 إلى استخدام أحد أكبر المراصد الطائرة في العالم: مرصد الستراتوسفير للأشعة تحت الحمراء، التابع لوكالة الفضاء النازا الامريكية، المعروف باسم “SOFIA”،  وهو عبارة عن طائرة بوينغ مزودة بتلسكوب قطره 269.24سم. على خلاف غيره من التلسكوبات، يمكن ل”صوفيا” الرجوع للارض بعد كل رحلة، وذلك ليتمكن العلماء من تحديث أدواته و تزويده بتقنيات جديدة.

طائرة البوينغ الحاملة لمرصد الستراتوسفير للاشعة تحت الحمراء

وقد قام العلماء مؤخرا بتحديث جهاز الاستقبال الالماني للترددات التراهرزية للمرصد، حيث تم تزويده بقناة خاصة لكشف “هيدريد الهليوم”. يعمل الجهاز كأجهزة استقبال الراديو، أي أن العلماء يضبطون تردد الجزيئة (موضوع الدراسة) كما يضبطون ترددات مذياع FM على المحطة المرغوب فيها.

و في رحلة ليلية على متن “صوفيا” استطاع العلماء تحليل البيانات من جهاز الاستقبال ليتوصَّلوا أخيرا بإشارات “هيدريد الهيليوم”

المصادر:

[1]

[الصورة1] [الصورة2]




حصة تدريبية لأسماك حقب “الإيوسين”

من المعروف أن الأسماك والعديد من الحيوانات تعيش في مجتمعات وتنسق أنشطتها. وأظهر اكتشاف لوحة أحفورية لأسماك تسبح سويا في تناسق أن هذا العمل قديم لهذه الكائنات.

نشر علماء نهاية شهر ماي الماضي في دورية (Proceedings of the Royal Society B) لوحة طينية تعود لحقب “الإيوسين” (56-34 مليون سنة مضت) تبين أسماكا صغيرة قد تكون تنسق تحركاتها في تشابه تام لما تفعله الأسماك الحالية. تحتوي هذه اللوحة 259 سمكة تسبح في نفس الاتجاه، لا يظهر جليا ماذا كان السبب وراء قتل هذه الأسماك في هذه الوضعية. ويفترض الباحثون أن انهيارا رمليا مفاجئا قد يكون السبب في حفظ هذه اللقطة النادرة، حيث إن غمر الكائن بالرواسب في الحين يُعدُّ شرطا أساسيا لتكون الحفرية.

: أحفورة الأسماك المنقرضة Erismatopterus levatus تعود لحقب “الإيوسين” تُظهر أن السلوك التدريبي لدى الأسماك يمكن أن يكون بدأ من عشرات ملايين السنين. Credit N. Mizumoto et al

مَكن تحليل تموضع واتجاه الأسماك داخل اللوحة من اقتراح أن الأسماك تتبع نفس القاعدة التي تحكم أسماك المياه الضحلة الحالية “تجاذب- تنافر” : تباعد الأسماك عن جارها لتجنب الاصطدام، لكن تبقى مع المجموعة متبعة الأسماك البعيدة عنها.

العمل الجماعي صفة معروفة لدى بعض الحيوانات والحشرات، ويقدر العلماء أن هذا السلوك تطور منذ زمن بعيد، لكن لا يجد العلماء إلا أدلة قليلة تدعم هذا الافتراض. لذا يعد هذا الاكتشاف دعامة لهذا التفسير.

المصدر: sciencenews




اكتشاف “أمونيت” محفوظة في الكهرمان

نادرا ما نجد مستحاثات الكائنات البحرية محفوظة في الكهرمان(1)، لكن حينما يحدث ذلك، توفر هذه الأحافير أدلة ثمينة لفهم التاريخ الحفري(2) للكهرمان والنظم البيئية القديمة.

تمكن فريق دولي متخصص بقيادة الباحث “Tingting Yu” من الأكاديمية الصينية للعلوم من اكتشاف “أمونيت” (كائن بحري حلزوني الشكل ومنقرض) والعديد من بطنيات الأرجل البحرية مع خليط من كائنات أرضية كانت تعيش بشاطئ المد والغابة المجاورة في طبقات الحقب الطباشيرية الوسطى ببورما.

صورة “الأمونيت” داخل الكهرمان و مقاطع لها باستعمال تقنية التصوير “الطوموغرافي”. (السلم 2 ملم) (Tingting Yu et al)

خلص الباحثون إلى أن هذا الاكتشاف يدل على ظروف البيئة القديمة للوسط وأن غابة الكهرمان البورمية الواقعة شمال “ميانمار” بجنوب شرق آسيا كانت في وسط ساحلي حركي ومتغير، كما تدعم “الأمونيت” المكتشفة تأريخ عمر الكهرمان الذي لا يزال موضوع نقاش بين العلماء، وتشكل هذه “الأمونيت” مثالا نادرا للتأريخ باستعمال حفريات محفوظة بالكهرمان.

(1) الكهرمان: صمغ متحجر مصدره الأشجار الصنوبرية.

(2) التاريخ الحفري: هو مجموع المراحل والعمليات التي تقع لكي يتحول كائن ما إلى أحفورة.

المصدر: PNAS

 




يمكن للصدمات الكهربائية الطفيفة في مناطق معينة من الدماغ أن تخفض من حدة الاكتئاب

تُمكن الصدمات الكهربائية السريعة في مناطق محددة من الدماغ من تحسين مزاج الأشخاص الذين تظهر عليهم علامات الاكتئاب. وتوصّل العلماء إلى هذه النتائج بواسطة تثبيت “إلكترودات” (في الدماغ)، مما سيقربهم أكثر من فهم طبيعة الاكتئاب، وبالتالي إدراك طريقة لعلاجه.
وقد درس أخصائي الأعصاب “فيكرام راو” وعالمة الأعصاب” كريستين سيلرز” من جامعة “كاليفورنيا” بـ”سان فرانسيسكو” وزملاؤهما 25 حالة كانت تخضع للعلاج من الصرع، بوضع “إلكترودات” في أماكن مختلفة في أدمغة المصابين..

في بداية التجربة، التي نُشرت  في مجلة “علم الأحياء الحالي Current Biology”، طلب الباحثون من المرضى إجراء اختبارات مكثفة على المزاج، والتي أظهرت أن هؤلاء الأشخاص لديهم علامات اكتئاب متفاوتة الحدة. ثم بدأ الفريق بتحفيز مناطق مختلفة من الدماغ بواسطة الأقطاب المزروعة. بعد فترة وجيزة من بدء التجربة، طلب العلماء من هؤلاء المرضى الإبلاغ عن مزاجهم شفهيا أو على التطبيق اللوحي.

بدا أن العديد من البقع الدماغية المستهدفة لم يكن لها أي تأثير على مزاج المصابين، في حين أنه عندما قام الباحثون بتحفيز منطقة دماغية تقع خلف العينين مباشرة، تسمى القشرة الجانبية المدارية، أفاد المرضى عن شعورهم بتحسن، تحديداَ الذين بدأوا بدرجات اكتئاب معتدلة أو شديدة شهدوا هذا التحسن.

يعتمد المزاج على أجزاء كثيرة من الدماغ تعمل معًا. ولأن القشرة الجانبية المدارية لها صلات واسعة في الدماغ، فقد تكون المنطقة مهيأة بشكل خاص لتخفيف الاكتئاب. ركزت الدراسة على المزاج خلال تحفيز الدماغ فقط. ويخطط الفريق لاختبار مدى دوام تأثيرات التحفيز لفترة أطول.

المصدر:

https://www.sciencenews.org/article/zaps-certain-spot-brain-may-ease-depression?fbclid=IwAR2ngMDmi-YF154xluf03MF5OB3cNGbLZEviMtcBW_R3-0JkmOZiM0h5HBU




اكتشاف أقدم آثار للحركة على الأرض

تمكن فريق دولي متعدد التخصصات برئاسة الباحث  عبد الرزاق العلباني من جامعة “بواتيي” بفرنسا من اكتشاف أقدم آثار حركة على كوكب الأرض في موقع حفريات بالغابون، تعود  هذه الآثار إلى 2,1 مليار سنة، بينما كانت الأقدم قبل هذا الاكتشاف تعود ل 570 مليون سنة. نُشرت نتائج هذا الاكتشاف في دورية( PNAS).

قبل سنوات اكتشف فريق الجيولوجي عبد الرزاق العلباني أقدم حفريات لكائنات متعددة الخلايا في حوض “فرونسوفيل” بالغابون، وبهذا الاكتشاف يكون تاريخ ظهور الحياة على الأرض قد تراجع ب 1,5 مليار سنة، حيث انتقل من 600-  مليون سنة الى 2,1- مليار سنة. لقد بين الباحثون أن هذا التنوع الإحيائي الرائع قد اقترن بزيادة في تركيز الأوكسجين في الغلاف الجوي وتم في وسط بحري هادئ وقليل العمق. داخل نفس الطبقات الجيولوجية، أثبت فريق الباحثين وجود آثار أحفورية للحركة، حيث إنه داخل هذا النظام البيئي البحري كان بمقدور بعض الكائنات متعددة الخلايا التحرك في الوحل الغني بالمادة العضوية.

أتاحت تقنيات “الطوموغرافيا” الدقيقية بالأشعة السينية تحليل واسترداد البنية ثلاثية الأبعاد لهذه الآثار: يتعلق الأمر ببنيات أنبوبية بقطر ثابت تقريبا (بعض الميليمترات)، مع تموجات وتمر عبر أسرة رسوبية (طبقات رسوبية دقيقة). بين التحليل الهندسي و الكيميائي بأن مصدر هذه البنيات بيولوجي ومعاصر لفترة توضع الرواسب في الحوض.

آثار حركة في صخور قديمة 2,1 مليار سنة، طول السلم 1 سنتمتر.  A. El Albani©

بينت تقنيات التحليل بـ “الطوموغرافيا” الدقيقة البنية ثلاثية الأبعاد للأنابيب التي تشكل مسارات الحركة داخل الرواسب. هذه الأنانيب مملوءة بمعدن “البيريت” التي تشكلت عن طريق تحويل الأنسجة البيولوجية من طرف البكتيريا، مع معادن طينية.
الطبقات الأفقية المتوازية هي أوشحة بكتيرية أحفورية.
 A. El Albani & A. Mazurier©

تجدر الإشارة أن أقدم آثار الحركة لكائنات حية مؤرخة تعود 570 مليون سنة، تطرح هذه الآثار المُكتَشَفة في صخور 2,1 مليار سنة أسئلة جديدة عن تاريخ التطور: هل هذا الإبداع البيولوجي نوع من التمهيد لأشكال من الحركة أكثر إتقانًا؟ أم أنها تجربة توقفت بسبب تراجع تركيز الأوكسجين بشكل كبير خلال 2,1 مليار سنة؟.

المصدر

 

 

 




علماء يطورون جهازا قد يجعل من إشارات “الواي فاي” مصدر الطاقة الكهربائية الأكثر انتشارا

تخيل عالَما حيث الهواتف والحواسيب أو أي جهاز إلكتروني آخر يغذى بالطاقة دون ارتباطه بأي بطارية!

خطا باحثون من جامعة “إم أي تي” (MIT) خطوة في هذا الاتجاه من خلال جهاز مرن يمكنه تحويل إشارات “الواي فاي” إلى طاقة كهربائية يمكنها تغذية أي جهاز إلكتروني.

(Rectenna) أو هوائي التصحيح هو الجهاز المستعمل في تحويل الموجات الكهرومغناطيسية إلى طاقة كهربائية. يوصَل الهوائي بجهاز مصنوع من أشباه موصلات ثنائية الأبعاد، حيث تمر عبرها الموجات الكهرومغناطيسية وتُحوَّل إلى تيار كهربائي يُستعمل لتغذية الأجهزة الإلكترونية أو شحن البطاريات.

مستقبل واعد ينتظر هذا الاختراع، بالنظر إلى التطبيقات الممكنة، كاستخدامه لتغذية المجسات أو الأجهزة الطبية القابلة للزرع أو الأجهزة الإلكترونية القابلة للطي.

المصدر: أم أي تي نيوز

الكاتب: حسام خربوشي

 

 




استيلاد أطفال معدلين وراثيا: خطوة في تطور العلم أم تحدٍّ لأخلاقيات العلوم ؟

منذ عقود خلقت الهندسة الوراثية الكثير من الجدل في الأوساط العلمية و الاجتماعية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمنتوجات موجهة للاستهلاك البشري، أو بتطبيق التقنية على البشر أنفسهم. و يعد هذا الأخير الموضوع الأكثر إثارة للجدل، بسبب الإشكالات الأخلاقية التي يطرحها.

القمة العالمية للتعديل الوراثي المطبق على البشر، و التي انعقدت سنة 2015 بـ “واشنطن”، خرجت بتوصيات كان أهمها حصر التعديل الوراثي على علاج الأفراد المصابين، مع اجتناب استعماله في استيلاد أجنة معدلة وراثيا، أو في تحسين الخصائص العامة للمواليد. لكن النصوص القانونية المنظمة للمجال تختلف بين دول العالم. في الولايات الأمريكية المتحدة مثلا، يعتبر التعديل الوراثي للأجنة البشرية ممنوعا بشكل كلي. لكن دولا أخرى مثل الصين، تضع قيودا أقل حدة.

خلال الشهور الماضية، قام فريق من الباحثين الصينيين تحت إشراف ”جيانكي هي” (Jiankui He)، باستيلاد أطفال معدلين جينيا. و يتعلق الأمر بطفلتين (”لولو” و ”نانا”) تحملان جينة معدلة، و ذلك للتقليل من خطر الإصابة بالسيدا. و قد أعلن الفريق أن الطفلتين قد أبصرتا النور في صحة جيدة كأي طفل طبيعي.

Jiankui He

في الدراسة المعنية، تم استعمال نظام ”CRISPR/Cas9” من أجل تعطيل الجين CCR5 في البيضة المخصبة المنتجة للطفلتين. الجينة المذكورة تنتج بروتينا يسمح باختراق الخلية من طرف الشكل الأكثر شيوعا للفيروس. و في تصريح مرئي لـ ”جيانكي هي”، قال هذا الأخير إن التطفر في هذه الجينة يحدث بشكل طبيعي و تلقائي لدى بعض الأفراد، مما يكسبهم مناعة طبيعية ضد المرض. كما أن تعديل هذا الجين قد أثبت نجاعته لدى بعض المصابين من البالغين. فما المانع إذًا من تطبيق نفس التقنية لحماية الأجنة المولودين لآباء حاملين للفيروس ؟

إن هذه االدراسة تطرح عدة إشكاليات أخلاقية، و تعرضت لهجوم سريع من عدة أطراف، حيث يعتقد المعارضون أن الأطفال المعدلين قد يكونون عرضة لبعض الأخطار الصحية أكثر من غيرهم. كما يخشون أن يفتح هذا الإنجاز الطريق لفكرة تصميم الأطفال، و التحكم في خصائصهم الجسدية و العقلية. إلا أن ”جيانكي هي” – المشرف على الدراسة – يؤكد على أن تطبيقات التقنية يجب أن تنحصر في المجال الصحي، و أن تصميم الأطفال و التحكم في خصائصهم العامة مرفوض من طرف فريق البحث.

و بالرغم من أن والدي الطفلتين حاملان لفيروس السيدا، إلا أن ذلك ليس كافيا لإعطاء الدراسة غطاء أخلاقيا، حسب المعارضين. و ذلك بسبب وجود طرق أخرى أكثر أمانا لحماية الطفلتين من الإصابة بالفيروس. مما يجعل الدراسة غير أخلاقية وغير ضرورية في ذات الوقت. و في هذا الصدد تعلق “جوزفين جونستون” (Josephine Johnston)، و هي محامية و متخصصة في أخلاقيات علوم الحياة، بأن الدراسة قد لا تكون إلا محاولة للفت الانتباه، لأن المجتمع العلمي لم يتفق بعد على سلامة الهندسة الوراثية بالنسبة للإنسان. و من جهة أخرى، فإن المئات من الباحثين الصينيين قد أدانوا الدراسة و طالبوا بفرض المزيد من المراقبة على هذا النوع من الدراسات. كما أن ”فينغ زانغ” (Feng Zhang)، و هو من العلماء البارزين في مجال الهندسة الوراثية في جامعة ”هارفرد”، قد دعا إلى حظر الدراسات في الهندسة الوراثية البشرية إلى أن يتم التأكد من سلامتها التامة. و من جهته يؤكد ”أنتوني فوسي” (Anthony Fauci)، مدير المعهد الوطني للحساسية و الأمراض المعدية بالولايات المتحدة الأمريكية، أن التعديل الوراثي لم يكن ضروريا لحماية الطفلتين من العدوى، و أن هناك وسائل فعالة و مقبولة أخلاقيا. و يؤكد نفس الباحث أن التقنية المستعملة في الدراسة قد تؤدي إلى تغييرات في جينات أخرى، مما قد يعرض الطفلتين لأمراض أخرى كالسرطان مثلا. كما أن تعديل الجينة لا يقي بشكل كلي من الإصابة بالسيدا، و ذلك لأنه لا يحمي من أشكال أخرى للفيروس، و إن كانت أقل شيوعا. كما أنها تجعل الأفراد الحاملين أكثر قابلية لبعض الفيروسات مثل ”فيروس غرب النيل”.

المصدر : ScienceNews




إكتشاف جينات في مغارة بالمغرب يعود تاريخها ل15 ألف سنة

إستطاع فريق دولي بقيادة يوهانس كراوزه Johannes Krause وتشونغون جيونغ Choongwon Jeong من معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري (ألمانيا)، وعبد الجليل بوزغر Abdeljalil Bouzouggar من المعهد الوطني للآثار وعلوم التراث (الرباط ، المغرب) وبعض الباحثين من جامعتي محمد الأول بوجدة ومحمد الخامس بالرباط ومتحف التاريخ الطبيعي في لندن وجامعة أكسفورد، بالقيام بتسلسل الحمض النووي الريبي DNA لأفراد من المغرب يرجع تاريخه إلى ما يقرب من 15.000 سنة، ويعتبر بالتالي أقدم  جزيء DNA من أفريقيا تم تحليله بنجاح لحد الآن. ويرجع هذا الحمض النووي لأفراد عاشوا في العصر الحجري المتأخر. وقد بينت نتائج هذا البحث والمنشور في مجلة ‘Science’ أن هناك وجود روابط قديمة مع الشرق الأوسط وخاصة غرب إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء.

الحفريات الأثرية في مغارة الحمام بتافوغالت الصورة لعبد الجليل بوزوكار

يقول سعيد أمزازي أحد المشاركين في هذا الإكتشاف، أن شمال إفريقيا تعد منطقة مهمة لفهم تاريخ التطور البشري، كما أن جغرافية شمال إفريقيا تجعل منها منطقة مثيرة للإهتمام ودراسة كيفية توسع البشر خارج إفريقيا. والتي تشكل فيها الصحراء حاجزا يصعب السفر منه إلى المناطق الجنوبية. وبالمثل ، فهو جزء من منطقة البحر الأبيض المتوسط، ولكن في الماضي كان يمكن للبحر أن يشكل حاجزًا أمام التفاعل مع الآخرين أيضًا. ويضيف، الدكتور أمزازي أن الفهم الأفضل لتاريخ شمال أفريقيا أمر حاسم لفهم تاريخ جنسنا.  

وقال عبد الجليل بوزوكار أحد المشاركين في هذا البحث العلمي ومدير مختبر المصادر البديلة لتاريخ المغرب بالمعهد الوطني لعلوم الآثار و التراث بالرباط، أن الفريق البحثي قام بتحليل الجينات المستخرجة من تسعة هياكل بشرية مستخرجة من مغارة الحمام بتافوغالت.وبسبب طبيعة المناخ الإفريقي والذي لا يساعد على الحفاظ على الجينات القديمة، إلا أن هذا الإكتشاف يقول عبد الجليل بوزوكار يعتبر الأول من نوعه  وهو أقدم حمض نووي تم الحصول عليه لنوع معين في إفريقيا“.

وقد وجد الباحثون عنصرين رئيسيين للتراث الجيني للأفراد، حيث يرتبط حوالى ثلثي  تراث الأفراد بالمجموعات المعاصرة من بلاد المشرق. أمافي حين يرتبط الثلث المتبقي فيشبه تقريبًا الأفارقة الحديثين من أفريقيا جنوب الصحراء، ولا سيما غرب أفريقيا.

وعلى الرغم من أن العلماء وجدوا علامات واضحة تربط بين الإكتشاف وإفريقيا جنوب الصحراء، إلا أنه لم يكن هناك أي مجموعة من قبل تضم مجموعة محددة من السمات الجينية التي كانت لدى أفراد تافوغالت. في حين أن بعض السمات تشابهت لدى أفراد من شرق إفريقيا وغيرهم منوغيرهم من غرب إفريقيا، فإن أياً من هاتين المجموعتين لهما نفس المزيج من الخصائص التي لدى أفراد تافوغالت. وبالتالي ، لا يمكن للباحثين التأكد من مصدر هذا التراث بالضبط. أحد الاحتمالات هو أن هذا التراث قد يكون قادما من مجتمع لم يعد موجودًا. ومع ذلك، فإن هذا السؤال يحتاج إلى مزيد من التحقيق.

يوهانس كراوز أحد المشاركين في البحث ومدير قسم علم الآثار في معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري “من الواضح أن البشر يتفاعلون أكثر بكثير مع مجموعات من مناطق أخرى بعيدة أكثر مما كان يُفترض في السابق”.

من المؤكد أن موضوع التنوع الجيني وآليات تفاعل المجموعات السكانية المختلفة ومصدرها يحتاج إلى مزيد من التمحيص ومزيد من البحث و الدراسة.

المصادر :

-https://phys.org/news/2018-03-scientists-genomic-ancestry-stone-age.html

رابط الورقة البحثية :

10.1126/science.aar8380

 




دراسة تسلط الضوء على الانتقال "إنسان نياندرتال - الإنسان العاقل"

دراسة تسلط الضوء على الانتقال “إنسان نياندرتال – الإنسان العاقل”

فتح علماء الآثار في الجامعة الوطنية الأسترالية وجامعة سيدني، نافذة جديدة على واحدة من أكثر الفترات إثارة في تاريخ البشرية، وهي الانتقال بين البشر البدائيين “نياندرتال” والإنسان الحديث.

دراسة تسلط الضوء على الانتقال "إنسان نياندرتال - الإنسان العاقل"

Image: Miroslav Kralík

مكن موقع حفر أثري داخل كهف في منطقة مورافيا بالجمهورية التشيكية، من رسم خط زمني بالاعتماد على الأدلة الأحفورية داخل سلسلة رسوبية من عشر طبقات، تمتد من 28،000 إلى 50،000 سنة، وهي الفترة التي وصل فيها أسلافنا لأول مرة إلى أوروبا. وقد اكتشف العلماء في كهف بالقرب من الحدود التشيكية مع النمسا وبحوالي 150 كم شمالي فيينا أكثر من 20 ألف عظمة حيوانية بالإضافة إلى ادوات حجرية وأسلحة وقطعة عظم أثرية مصنوعة من عظام الثدييات، وهي تعد أقدم قطعة فنية محمولة من نوعها في أوروبا الوسطى، وتقدم دليلا على الإشارات الاجتماعية، والتي من المحتمل أنها كانت تستخدم كقلادة للاحتفال بهوية مرتديها.

وقال عالم الآثار الدكتور دنكن رايت من الجامعة الوطنية الأسترالية، بأن المشروع مهم جدا لأنه يعطي بعضا من أقرب الأدلة على النشاط البشري الحديث في المنطقة. خلال هذه الفترة، كان البشر يتنقلون لمسافات كبيرة وكانوا يحملون معهم أدوات وأشياء فنية مختلفة. ويضيف الدكتور رايت “في الطبقات الأقدم، نجد أدوات محلية الصنع، ربما كانت تستخدم من قبل التجمعات السكانية الصغيرة للصيد في المناطق المجاورة أو لإعداد الطعام، لكن قبل حوالي 40،000 سنة، نبدأ في رؤية أدوات جديدة قادمة من مسافات بعيدة جدا. وهكذا بين هاتين الفترتين، لاحظنا إما تغييرا في السلوك والحركة البشرية أو ربما حتى تغييرا في الأنواع.”

وقال عالم الآثار لاديسلاف نيجمان من جامعة سيدني، أن واحدة من أكبر الأسئلة هي بدايات استكشاف الإنسان لهذا المشهد من قبل الإنسان العاقل الذين وصلوا إلى هذه المنطقة للمرة الأولى. “لقد وجدنا أن ما بين 40-48 ألف سنة مضت، ازدادت حركية وتنقل البشر بشكل كبير للغاية. فبدلا من التنقل لمسافات قصيرة بالقرب من الكهف حيث يعيشون، كانوا يسيرون لمئات الكيلومترات في كثير من الأحيان، ونحن نعلم ذلك لأننا وجدنا مختلف القطع الأثرية حيث المواد الخام تأتي من مسافات تبعد بمائة إلى مئتي كيلومتر عن مكان العيش. حيث كانت القطع الأثرية مصنوعة من مواد مختلفة ومن مناطق مختلفة، فبعضها من الشمال الغربي، وبعضها من الشمال وبعضها الآخر من الشرق”. وقال الدكتور نجمان أن الدراسة كشفت أيضا عن معلومات قيمة جديدة عن مناخ المنطقة. “لم يكن لدينا مثل هذا التسلسل الطويل من الطبقات الرسوبية من قبل حتى نتمكن من الاختبار. حيث تغير المناخ في كثير من الأحيان من أكثر دفئا إلى أكثر برودة، والعكس بالعكس، لكن في جميع الأوقات كان أكثر برودة بكثير من الفترة الجليدية التي عشنا فيها منذ 10،000 سنة الماضية. “

وقد أرسلت عينات من موقع الاكتشاف من أجل تحليلها باستخدام تقنية جديدة، تدعى تحليل الحمض النووي في الرواسب القديمة Ancient sediment DNA analysis. هذه هي الطريقة العلمية الأولى التي يمكن الكشف من خلالها، عن الأنواع التي كانت موجودة بالموقع حتى من دون عظام هذه الأنواع. حيث تختبر هذه التقنية، بقايا الحمض النووي المحفوظة في الرواسب.

ويختم الدكتور رايت بالقول بأن النتائج ستلقي ضوءا جديدا على فترة الانتقال بين نوعين من البشر، كما تقدم دليلا أوضح على أنشطة أسلافنا الحديثين في فترة ومنطقة لا نعرف عنها إلا القليل.

المصدر: Australian national university




كبد بشرية منتجة مخبريا تشبه في نموها الكبد الطبيعية.

كشف فريق عالمي من الباحثين يعملون على هندسة كبد إنسان، عن شبكات تواصل جينية تسيطر على عملية نمو هذا العضو، مما مايعطي دفعة كبيرة للجهود التي تسعى لتوليد أنسجة كبد صحية وقابلة للاستعمال انطلاقا من خلايا جذعية بشرية.

This confocal microscopic image shows detailed development of a human liver organoid tissue-engineered by scientists with human pluripotent stem cells (hPSCs). Green sections of the image show forming hepatic tissues and red sections show developing blood vessels. Reporting their research results in Nature, scientists are developing the miniature organs for their potential to study and treat liver disease. (PRNewsfoto/CCHMC)

يقول العلماء أن هذه الأنسجة الكبدية لا تزال بحاجة إلى الضبط الجزيئي قبل أن يتم اختبارها سريريا.

يقول تاكيبي الذي قام بقيادة فريق البحث أن القدرة على زراعة الكبد الحيوي والأنسجة الكبدية سوف تكون ذات فائدة كبيرة للأشخاص الذين يعانون من أمراض الكبد والذين يحتاجون إلى علاجات مبتكرة لإنقاذ حياتهم ويضيف ”لدينا بيانات تعطينا فهما جديدا ومفصلا بين الاتصالات التي تحدث بين خلايا الكبد النامية، ويظهر جليا أنه يمكن أن ننتج براعم كبد بشري تشبه إلى حد كبير خلايا الجنين الكبدية من أجل التنمية البشرية الطبيعية”.

في الدراسة الحالية، إستخدم المؤلفون تسلسل الحمض النووي الريبيوزي للخلية الوحيدة (RNA-seq) لمراقبة كيفية تغير الخلايا الفردية عندما يتم دمجها في بيئة مصغرة ثلاثية الأبعاد (3D). حيث الخلايا الوعائية، وخلايا النسيج الضام والخلايا الكبدية تشارك في اتصال معقد. والميزة الرئيسية لاستخدام تكنولوجيا خلية واحدة RNA-seq هو أنه يوفر مخططا للنشاط الجيني في كل نوع من الخلايا.

يقول المؤلفون أنهم لاحظوا تغيرا جذريا في المحادثات الجينية-الجزيئية وكيف تتصرف الخلايا عندما تنموا جميعها معا في بيئة مجهرية ثلاثية الأبعاد.

ساعد تحليل خلايا الحمض النووي الريبوزي للخلية الوحيدة أيضا الباحثين على قياس أنسجة الكبد ثلاثية الأبعاد المهندسة المتولدة من الخلايا الجذعية ضد خلايا الكبد الجنينية والكبدية التي تحدث بشكل طبيعي. لاحظ الباحثون أن براعم الكبد المزروعة بالمختبر لها ملامح جزيئية وراثية تشبه تلك الموجودة في خلايا الكبد الطبيعية.

وفي مقارنة ما هو طبيعي ومهندس إحيائيا، لاحظ المؤلفون أن التعبير الجيني في براعم الكبد المولدة، لم تتطابق تماما مع خلايا الكبد البشرية الطبيعية. وقد تأتي الاختلافات المتبقية بين الأنسجة الطبيعية والأنسجة الحيوية المهندسة من البيئة التي نمت فيها هذه الخلايا، طبق بيتري مقابل تلك الخلايا النامية في شخص أو حيوان.

المصدر سيسيناتي شيلدرن




الفئران احتلت منازلنا منذ 15 ألف سنة الماضية

الفئران احتلت منازلنا منذ 15 ألف سنة الماضية

تأثير النشاط البشري على التنوع البيولوجي هو ظاهرة بيئية عالمية، والتي تؤثر تقريبا على جميع النظم الإيكولوجية لكوكبنا. لكن الخطوات الأولى لتأثير الإنسان العاقل Homo sapiens على بيئته لا تزال غير مفهومة تماما وتتطلب استكشافا مفصلا للسجل الأحفوري والأثري. بالتعاون مع زملاء من جامعة حيفا والقدس، أراد الباحثون من المتحف والمركز الوطني للبحث العلمي CNRS معرفة ما إذا كان، التوجه نحو الزراعة والمجتمعات الصيادة المستقرة في الشرق الأوسط خلال العصر الحجري القديم، هو المحفز الحقيقي لظهور الفئران المتعايشة، قبل عدة آلاف من السنين من اعتماد نمط الحياة الزراعية. ونشرت نتائج هذه الدراسة في أكاديمية العلوم بالولايات المتحدة (PNAS) في 27 مارس 2017.

الفئران احتلت منازلنا منذ 15 ألف سنة الماضية

© George Shuklin / CC BY-SA 1.0

الفأر الرمادي أو الفأر المنزلي (Mus musculus sp) هو مثال رمزي عن هذا التأثير البشري على التنوع البيولوجي. هذا النوع المتعايش مع الإنسان، يعرف اليوم انتشارا واسعا على سطح الكرة الأرضية مثل هذا الأخير. وقد مكنته هذه العلاقة، من استعمار كافة الأوساط وأن يصبح واحدا من أكثر الثدييات الغازية على هذا الكوكب. يطلق عليه عادة عند العامة اسم “الفأر المنزلي”، لكن هذا الإسم غير دقيق، لأن هذه الفئران تعيش فعلا في بيوتنا، لكن ليس بنسبة أكبر من كائنات برية أخرى، غزت بيئتنا بشكل طبيعي. وكان السؤال الوحيد للعلماء، خلال السنوات الـ30 الماضية، هو متى وكيف أُسّست هذه العلاقة لفهم أفضل لتأثير تطور المجتمعات البشرية على النظام البيئي. حتى الآن، يعتقد العلماء أن أصل هذه العلاقة، يرجع إلى ظهور مجتمعات بشرية في وقت مبكر، يشتغلون بالزراعة، منذ نحو 10 آلاف سنة. الحقول المزروعة وتخزين الحبوب في قرى المزارعين الأوائل، شكل إطارا بيئيا جديدا ومناسبا لعيش الفئران.

من أجل هذه الدراسة، قام الباحثون بتتبع تطور ساكنات الفئران من صنف Mus بالشرق الأوسط، وذلك بدراسة السلاسل الأحفورية والأثرية ما بين 200 ألف و10 آلاف سنة، أي قبل وخلال تشكل القرى الزراعية الأولى. ومن جهة أخرى، درس الباحثون ساكنات من الفئران الحالية من صنف Acomys، بقرى الماساي، وهي قرى لشبه الرحل في كينيا، كنموذج للتنوع الناتج عن وسط بيئي لمجتمعات متنقلة، شبيهة بتلك التي عاشت خلال العصر الحجري القديم والأخير في الشرق الأوسط.

وقد بينت نتائج هذه الدراسة، التي نشرت في سجلات أكاديمية العلوم بالولايات المتحدة (PNAS)، أن سلالة الفئران الرمادية Mus musculus domesticus، قد استعمرت تماما القرى االأولى قبل 15 ألف سنة، أي 5000 سنة قبل ظهور الزراعة. ومع توسع هذه القرى قبل حوالي 13 ألف سنة، لوحظ أن الفئران من نوع domesticus، قد تعايشت مع الفئران قصيرة الذيلMus macedonicus بنفس النسب التي لوحظت بين نوعي الفئران اللذان تمت دراستهما داخل قرى الماساي البدوية.

الإطار الايكولوجي والموارد الغذائية الجديدة التي وفرتها القرى الأولى المستقرة في الشرق الأوسط منذ 15 ألف سنة الماضية، ساهمت بشكل كبير في ظهور الساكنات الأولى من الفئران المتعايشة، مما يدل على قدم تأثيرنا البيولوجي على البيئة.

المصدر cnrs