مهمة جديدة للبحث عن مؤشرات الحياة بالقمر “تايتان”

أعلنت وكالة ناسا أنها ستطلق مركبة “دراغون فلاي” “Dragon fly” سنة 2026 في اتجاه تايتان، أكبر أقمار زحل، و أكثرها شبها لكوكب الارض في مراحله المبكرة.

من المنتظر أن تصل المركبة لتايتان سنة 2034، و ستمضي بعد ذلك في التنقل لمدة 2,7 سنة في القمر بهدف استكشاف بيئات متنوعة، منها الكثبان الرملية العضوية، و فوهة “Selk crater” التي تعتبر بيئة مناسبة لدراسة الكيمياء ما قبل الحيوية، ذلك لان المكونات الاساسية للحياة كما نعرفها، و التي تتجلى في الماء في حالته السائلة، الجزيئات العضوية، و كذا الطاقة، اختلطت أثناء الاصطدام الذي أحدث الفوهة.

ستستفيد المركبة من بيانات “كاسيني” –رابع مسبار فضائي يزور زحل وأول مسبار يدخل مداره لاختيار فترة و موقع هبوط آمنين بالاضافة إلى اختيار مواقع مثيرة للاهتمام علميا.

ستحلق “Dragon fly” في سماء تايتان مستفيدة من غلافه الجوي الكثيف –أربعة أضعاف كثافة الغلاف الجوي الارضي- لتكون أول مركبة تنقل حمولتها العلمية إلى أماكن مستهدَفة مختلفة، حيث ستجري 24 رحلة طيران لتقطع 175 كيلومتر، ما يعادل ضعف المسافة التي قطعتها إلى حد الان جميع المركبات المريخية.

تايتان” أكبر من كوكب عطارد، و هو ثاني أكبر قمر في المجموعة الشمسية، يبعد عن الشمس بحولي 1,4 مليار كيلومتر، هذا ما يجعل درجة حرارة سطحه جد منخفضة، ما يقارب 179 درجة سيلسوس تحت الصفر، كما أن ضغط سطحه أكبر بنسبة % 50 من الضغط على سطح الارض. يتشكل غلافه الجوي من نسبة كبيرة من النيتروجين كما هو الغلاف الجوي الارضي، ثم له سحب تمطر أمطارا من الميثان.

ستزور “Dragon fly” عالما مليئا بالمركبات العضوية، والتي تمثل أحد اللبنات الأساسية للحياة كما نعرفها، و بما أن القمر تايتان يشبه الارض بشكل كبير في مراحلها الاولية، فان هذه المهمة يمكن أن تزود العلماء بمعلومات عن نشاة الحياة على الارض.

المصادر: [1] [2] [الصورة]




كيف ستساعد ساعة ذرية في ايصال البشر للمريخ في الوقت المحدد؟

أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، في 25 من يونيو الماضي، على متن صاروخ “فالكون” أداة قد تحدث ثورة في مجال استكشاف الفضاء.

إلى حيننا هذا لا زالت المركبات الفضائية تعتمد على أوامر و توجيهات من الأرض للتنقل في الفضاء؛ إذ يعتمد الملاحون على هوائيات ضخمة لإرسال إشارات للمركبة الفضائية، و يتم قياس المدة المستغرقة من طرف الإشارة المرسلة و المعكوسة للأرض للقيام بهذه الرحلة ثنائية المنحى بواسطة ساعات ذرية، و هي ساعات دقيقة للغاية موجودة على سطح الأرض. يكشف الوقت المستغرق مسافةَ المركبة الفضائية عن الأرض لأن الإشارة المرسلة تنتقل بسرعة معروفة (سرعة الضوء)، و عن طريق إرسال إشارات عديدة، يتمكن الملاحون من حساب مسار المركبة الفضائية و كذا توجيهها.

رغم أن الأمر يبدو معقدًا شيئا ما، إلا أن معظمنا يستخدم هذا المفهوم يوميا. فمثلا إذا كنت تستغرق ما يعادل 30 دقيقة سيراً على الأقدام للتنقل من منزلك إلى أقرب بقال لك، وإذا كنت تعلم أنه يمكنك المشي لمسافة كيلومتر في غضون 20 دقيقة، فيمكنك حساب المسافة إلى البقال.

تَقَيُّدُ الرحلات الفضائية بالتوجيهات الأرضية يطرح العديد من المشاكل فيما يتعلق بالمهمات التي تهدف إلى زيارة كواكب أخرى، إذ أنه كلما ابتعدت المركبة عن الأرض كلما اتخدت الإشارات ذات المنحيين وقتا أكبر للوصول، فكيف يمكن لرواد الفضاء التنقل بعيدا عن الأرض إذا لم يكن لهم تحكم فوري بمسارهم؟ وكيف يمكن للمركبة الهبوط بدقة على كوكب آخر عندما يكون هناك تأخُّر في التواصل الذي يؤثر على سرعة ضبط مسارها؟

الساعة الذرية للفضاء السحيق أو DSAC كاختصار ل”Deep space atomic clock” هو جهاز تم تطويره من طرف مختبر الدفع النفاث “JPL” التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا بولاية “كاليفورنيا” بهدف تجاوز عراقيل التواصل التي تواجه الرحلات الفضائية.

الساعة الذرية للفضاء السحيق.

دقة الساعة الذرية للفضاء السحيق تتجاوز بنسبة خمسين مرة دقة ساعات نظام تحديد المواقع العالمي “GPS”، كما أنها مستقرة لدرجة تسمح لها بالطيران على متن مركبة فضائية، و عوض اللجوء لتقنية ثنائية المنحى بهدف توجيه الرحلة الفضاية، سيرسل الملاحون في المستقبل إشارات من الأرض إلى المركبة لقياس مقدار الوقت الذي استغرقته تلك الإشارات للوصول إليها بفضل الساعة الذرية للفضاء السحيق الموجودة على متنها، وبالتالي يمكن للمركبة الفضائية بعد ذلك حساب موقعها و التحكم في مسارها.

أطلقت ناسا، في 25 من يونيو الماضي، الساعة الذرية للفضاء السحيق على متن صاروخ فالكون لشركة “space X” في مدار الارض في مهمة تجريبية ستدوم لسنة، الشيء الذي قد يمهد الطريق لمستقبل من التنقل الفضائي “المستقل” شيئا ما، أي تنقل يعتمد على إشارات أحادية الاتجاه و اتصالات قليلة من و إلى الارض، بالاضافة إلى هذا، يمكن للمركبات الفضائية المزودة بهذه التكنولوجيا أن توَجَّه كأقمار صناعية للمريخ مستقبلا خالقةً بذلك شبكة تشبه نظام تحديد المواقع العالمي GPS، و موجِّهةً الروبوتات على سطح المريخ و البشر لما لا.

اقلاع الصاروخ فالكون الذي يحمل الساعة الذرية للفضاء السحيق في 25 من يونيو الماضي.

المصادر :

(1) (2)

(الصورة 1) (الصورة 2) (الصورة 3)




رصد أول نوع من الجزيئات في الكون

يعتقد العلماء أنه بعد الانفجار العظيم بحوالي 000 100 سنة، اجتمعت كل من ذرتي الهيليوم و الهيدروجين في جزيئة أطلق عليها اسم “هيدريد الهيليوم” و كانت هي أول الجزيئات المشَكَّلَة في بدايات الكون.

سنة 1925، استطاع العلماء إنشاء جزيئة “هيدريد الهيليوم” في المختبر بجعل الهيليوم يشارك أحد إلكتروناته مع أيون الهيدروجين. غير أنهم لم يتمكنوا من رصدها في الفضاء إلا بعد عقود من البحث.

من الجلي أن هدفهم لم يكن رصد أول الجزيئات المشَكَّلَة في الكون لانها وَلَّت منذ زمن بعيد. بدلا من ذلك، توجهوا لدراسة أماكن في الفضاء تتميز بخصائص مشابهة لخصائص الكون في بداياته.

في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، اكتشف العلماء المكلفين بدراسة السديم “NGC 7027” الذي يبعد عن كوكب الارض بحوالي 3000 سنة ضوئية أنه قد يشكل بيئة ملائمة لتكون هيدريد الهيليوم. إلا أن التلسكوبات الفضائية المستخدمة حينها لم تكن مزودة بتقنيات تسمح بانتقاء إشارة “هيدريد الهيليوم” وسط مزيج من الجزيئات في السديم المدروس، الشيء الذي جعل عملية رصد هذه الجزيئة صعبة شيئا ما.

اتخذت بحوث العلماء مسارا جديدا حينما لجؤوا سنة 2016 إلى استخدام أحد أكبر المراصد الطائرة في العالم: مرصد الستراتوسفير للأشعة تحت الحمراء، التابع لوكالة الفضاء النازا الامريكية، المعروف باسم “SOFIA”،  وهو عبارة عن طائرة بوينغ مزودة بتلسكوب قطره 269.24سم. على خلاف غيره من التلسكوبات، يمكن ل”صوفيا” الرجوع للارض بعد كل رحلة، وذلك ليتمكن العلماء من تحديث أدواته و تزويده بتقنيات جديدة.

طائرة البوينغ الحاملة لمرصد الستراتوسفير للاشعة تحت الحمراء

وقد قام العلماء مؤخرا بتحديث جهاز الاستقبال الالماني للترددات التراهرزية للمرصد، حيث تم تزويده بقناة خاصة لكشف “هيدريد الهليوم”. يعمل الجهاز كأجهزة استقبال الراديو، أي أن العلماء يضبطون تردد الجزيئة (موضوع الدراسة) كما يضبطون ترددات مذياع FM على المحطة المرغوب فيها.

و في رحلة ليلية على متن “صوفيا” استطاع العلماء تحليل البيانات من جهاز الاستقبال ليتوصَّلوا أخيرا بإشارات “هيدريد الهيليوم”

المصادر:

[1]

[الصورة1] [الصورة2]




تاريخ اكتشاف عناصر الذرة

تتكون جميع المواد الفيزيائية  من “ذرات”.  معطى لا يختلف عنه شخصان في القرن الواحد و العشرين، إلا أن أفكارنا عن ماهية الذرة حديثة للغاية.  فمنذ ما لا يقل عن مئة عام، كان العلماء مازالوا يناقشون شكل الذرة، و على الرغم من أنهم شرعوا في اقتراح نماذج ذرية منذ بداية القرن التاسع عشر، إلا أن فكرة الذرات قد نشأت مع الإغريق، و تنسب أساسا ل”ديموقريتوس” (400 سنة قبل الميلاد)؛ حيث كان يرى أن فعل تقسيم جزء من مادة فيزيائية عدة مرات ينتهي بالوصول إلى جزء لا يمكن تقسيمه، و هو ما أسماه ب’atomos’ أو الذرة.

لم تلق فكرة “ديموقريتوس” صدى، خاصة و أن “أرسطو” اعتبرها بدون قيمة. و لأزيد من ألفي سنة لم يواصل أحد قط الاكتشافات المتعلقة بطبيعة المادة إلى حين سنة 1808 لما اعتقد العالم “دالتون” أن النظرية الذرية يمكن أن تفسر سبب امتصاص الماء للغازات المختلفة بنسب متفاوتة. إلا أن رحلة اكتشاف مكونات الذرة قد بدأت مع تجربة أنبوب شعاع “الكاثود” للعالم الإنجليزي “جوزيف جون طومسون” سنة 1897:

تجربة أنبوب شعاع “الكاثود”: اكتشاف الالكترونات

أنبوب أشعة “الكاثود” عبارة عن أنبوب زجاجي محكم الغلق، مكون من قطبين،أحدهما موجب يسمى “الكاثود” و الآخر سالب يسمى “الأنود”. و بعد تطبيق توتر عالٍ بين القطبين، تتكون حزمة جزيئية تنطلق من “الكاثود” في اتجاه “الأنود”.

تجربة أنبوب أشعة “الكاثود”

و لتحديد خصائص الجسيمات، قام “طومسون” بوضع صفيحتين على جوانب الشعاع “الكاثودي”، تحمل إحداهما شحنة موجبة و الأخرى شحنة سالبة، فلاحظ أن الشعاع ينحرف في اتجاه الصفيحة الموجبة، واستنتج أن الجسيمات تحمل شحنة سالبة.

كما وضع “طومسون” مغناطيسين على جانبي الأنبوب و لاحظ أن المجال المغناطيسي المنشأ يؤدي بدوره إلى انحراف الشعاع، و مكنته نتائج هذه التجربة من تحديد النسبة:”كتلة جسيمات الشعاع على شحنتها” .فاكتشف أن كتلة هذه الجسيمات أصغر من كتلة أي ذرة معروفة حينها.

كرر “طومسون” التجربة باستخدام معادن مختلفة للأقطاب الكهربائية، وفي كل مرة ظلت خصائص شعاع “الكاثود” على حالها، أيا كان المعدن الذي يشكل “الكاثود”. فاستخلص الآتي:

  • الشعاع “الكاثودي” مكون من جسيمات (إلكترونات) تحمل شحنة سالبة.
  • تتكون الذرة من هذه الجسيمات نظرا لأن كتلتها أصغر بألفي مرة من كتلة الذرة.
  • جميع الذرات تتكون من هذه الجسيمات.
  • بما أن الذرات متعادلة كهربائيا و الإلكترونات مشحونة سالبا، فلا بد من وجود شحنات موجبة داخل الذرة للحفاظ على حيادها الكهربائي.

اقترح “طومسون” نموذجا للذرة تسبح فيه الإلكترونات في مادة تحمل شحنة موجبة.

نموذج طومسون للذرة

تجربة رقاقة الذهب للعالم “رذرفورد”:

سنة 1911، اعتقد العالم النيوزلندي “رذرفورد” أنه سيكون من المثير للاهتمام قصف الذرات بأشعة “ألفا” (⁺He²)، فوضع عينة من “الراديوم” (مصدر لأشعة ألفا) في صندوق من الرصاص به فتحة صغيرة. يمتص الرصاص معظم الإشعاعات، و يمر شعاع دقيق عبر الفتحة باتجاه رقاقة ذهبية.

تجربة رقاقة الذهب

أحاط “رذرفورد” الرقاقة بلوحة معدنية تعطي وميضا عند اصطدام أشعة ألفا بها، و كانت نتائج التجربة كالتالي:

معظم أشعة “ألفا” نفذت مباشرة عبر الرقاقة الذهبية. عدد صغير منها انحرف عن مساره. و عدد أقل من الجزيئات(حوالي 1/2000) ينحرف بأكثر من 90 درجة عن المسار. و كان لهذه النتائج تفسير واحد:

  • بما أن معظم جزيئات “ألفا” نفذت مباشرة عبر الرقاقة الذهبية فإن معظم حجم الذرة فراغ.
  • تحتل الشحنة الموجبة حجما صغيرا من الذرة، لكنها تحتوي على جل كتلتها، و تنحرف أشعة “ألفا” المشحونة موجبا نتيجة لاقترابها من النواة.

و بالتالي، اقترح “رذرفورد” النموذج الذري التالي:

نموذج “رذرفورد” للذرة

حيت تتكون الذرة من نواة تحمل شحنة موجبة، تدور حولها إلكترونات ذات شحنة سالبة.

اكتشاف “النيوترون”:

سنة 1920، افترض “إرنست رذرفورد” وجود جسيمات محايدة في نواة الذرة، وذلك نتيجة تباين بين العدد الذري لعنصر ما (البروتونات = الإلكترونات) وكتلته الذرية التي عادة ما تتجاوز كتلة “البروتونات” الموجودة بالذرة.

سنة 1930 اكتشف “فريديريك” و “إيرين كوري” أنه ينتج عن قصف ذرات “البريليوم” بجسيمات “ألفا”، شعاع ذو قدرة اختراق عالية، لا ينحرف تحت تأثير مجال مغناطيسي، وبالتالي فشحنته محايدة. و عندما وضعا حاجزا من شمع “البارافين” (مادة غنية بـ”البروتونات”) أمام الشعاع، لاحظا صدور “بروتونات” من “البارافين”، تم الكشف عنها بواسطة عداد “جيجر”(*). فاعتقد العالمان أن الشعاع الصادر له طبيعة أشعة “غاما”.

سنة 1932 أنجز العالم “شادويك” سلسلة من التجارب المشابهة لتجربة “فريديريك” و “إيرين كوري”، أوضح من خلالها عدم إمكانية اعتبار الأشعة الصادرة على أنها أشعة “غاما”، بل استطاع البرهنة على أنها جسيمات محايدة كتلتها مشابهة لكتلة “البروتون”.

تجربة “شادويك” لاكتشاف “النيوترون”

(*): عداد “جيجر” هو أداة تستخدم لاكتشاف الإشعاعات “المؤينة”.

إن النظريات و الحقائق العلمية التي نعتبرها بديهية في القرن الواحد و العشرين لم تأت بمحض الصدفة، بل سلكت مسارا طويلا من الأخطاء المصصحة. كذلك هي النظريات المفسرة لطبيعة المادة الفيزيائية التي انطلقت من فكرة وجود أربعة عناصر كونية أساسية و انتهت بالنظرية الذرية، والتي عرفت العديد من التعديلات خاصة مع جيل جديد من علماء نظرية الكم. يظهر لنا جليا أن العلم تراكمي وتاريخ العلم هو تاريخ تصحيح أخطائه كما أشار إلى ذلك “غاستون باشلار”.

 

المصادر:

(1) (2) (3)

(الصورة 1) (الصورة 3)

 




ما هو السراب؟

تخيل أنك في صحراء قاحلة في يوم شديد الحر وقد بلغ منك العطش أشده، تلمح على بعد أميال منك بركة ماء، فلما تقترب منها بخطوات سريعة لا تجد إلا ما تعودت رؤيته طوال الطريق: الرمال.

لم يتبخر الماء، كما أنك لا تهلوس، بل ما لاحظته في البداية لم يكن بالماء، إنما هي خدعة بصرية تدعى السراب.

فما هو التفسير العلمي لهذه الظاهرة؟

قبل الإجابة عن السؤال أعلاه، لنتطرق أولا لبعض خصائص الضوء؛

تختلف سرعة الضوء في الفراغ عن سرعته في الماء والهواء. حيث يأخذ الشعاع الضوئي وقتا أكبر للتنقل في وسط فيزيائي كثيف بالمقارنة مع وسط فيزيائي أقل كثافة، و ذلك راجع إلى ارتفاع إمكانية تفاعل الشعاع الضوئي مع الذرات الموجودة في الوسط الكثيف نسبيا. و بالتالي فإن تنقل الضوء في الهواء أسرع من تنقله في الماء، لكن ما الذي يعنيه هذا وما علاقته بظاهرة السراب؟

للإجابة على هذا السؤال، سنقوم بإنجاز التجربة التالية: حيث نرسل حزمة ضوئية، وفق مسار مائل نسبيا، باتجاه إناء به ماء.

ظاهرة انكسار الشعاع الضوئي

سيصل الجزء الأسفل من الحزمة الضوئية أولا للماء (بما أنها منحرفة)، الشيء الذي يعني أن سرعة جزئها الأسفل ستتباطأ، في حين يظل جزؤها الأعلى ينتقل بنفس السرعة إلى حين انتقاله للوسط المائي.

و بالتالي فإن اتجاه الحزمة الضوئية يختلف عند انتقالها من وسط فيزيائي لأخر، مُعامِلا انكسارهما مختلفان.

تمثيل لظاهرة انكسار الضوء

تمثل الصورة  أعلاه ظاهرة انكسار الضوء عند انتقاله في وسطين مُعامِلا انكسارهما مختلفبن.

معامل انكسار وسط ما هو حاصل قسمة قيمة سرعة الضوء في الفراغ على قيمة سرعته في الوسط المدروس. و يمكن حساب زاوية انحراف الضوء بالعلاقة التالية:

حيث n تمثل معامل انكسار الوسط الأول، و ‘n معامل انكسار الوسط الثاني، i هي زاوية الورود، و ‘i هي زاوية الانكسار.

خلاصة جزئية/مثال:

الضوء الذي تعكسه فرشاة للصباغة موجودة في كأس من الماء ينتقل في الماء أولا و الزجاج ثانيا ثم الهواء. أي أن اتجاهه سيتغير نظرا لانتقاله في ثلاثة أوساط معاملات انكسارها مختلفة. و هكذا فإن ظاهرة انكسار الضوء تخدع العين المراقبة.

لكن ما علاقة انكسار الضوء بالسراب؟

تنتج الخدعة البصرية “السراب” بعد حدوث ظاهرة انكسار الضوء عبر الهواء عند درجات حرارية مختلفة.

الهواء البارد أكثر كثافة من الهواء الساخن، و بالتالي فإن معامل انكساره سيكون أكبر. وهذا يعني أنه عندما ينتقل الضوء من الهواء البارد إلى الهواء الدافئ، ستتغير سرعته، كما سيتغير اتجاهه، و سينحني نحو الهواء الأكثر كثافة، أي البارد.

كلما كان الهواء أقرب إلى الأرض،كلما ارتفعت درجة حرارته ذلك لان الشمس تقوم بتسخين السطح لدرجات حرارة عالية، ليسخن السطح بدوره الهواء المحيط. و بما أن الضوء سينحني نحو الهواء الأكثر كثافة (البارد)، فإنه سينتقل بعيدا عن الأرض. وهكذا فإن الضوء سيتبع مسارا منحنيا من السماء في اتجاه عين المشاهد. و يأتي الوهم لأن الدماغ البشري يفترض أن الضوء ينتقل وفق مسار مستقيمي انطلاقا من السطح، في حين أن ما يراه المشاهد ما هو إلا انعكاس لصورة السماء.

تفسير لظاهرة السراب

الصورة أعلاه تمثيل لاتباع الضوء مسارا منحنيا من السماء في اتجاه عين المشاهد.

.نعم، قد تخدعك حواسك بتواطؤ كامل مع قوانين الفيزياء. 

المصادر : 1 2




كيف يدرس العلماء النجوم ؟

لطالما تساءل أسلافنا عن ماهية النقاط البيضاء المتلألئة في السماء ليلا. ووسط سيل من الأجوبة الخرافية، سطع جواب علمي مفاده أن النقاط البيضاء تلك، ما هي إلا أجرام سماوية ضخمة ملتهبة مكونة من غازات كـ”الهيدروجين” و“الهيليوم” بنسب مرتفعة بالمقارنة مع الغازات الأخرى كـ”الكربون” و “الأوكسجين”. كما أنها مضيئة بفعل الاندماج النووي داخلها.

والغريب في الأمر أن هذه الأجرام السماوية “النجوم” تبعد عن كوكب الأرض بسنوات ضوئية، وأقربها وهي الشمس تبعد عنه بحوالي 8 دقائق ضوئية، ما يعادل 150000000 كم. بالإضافة إلى أن درجة حرارة سطح نجمنا المضيء تبلغ حوالي 5600 درجة حرارية، إننا نعرف هذه المعطيات رغم  لا أحد ذهب قط في رحلة إلى الشمس لدراستها.

فكيف تمكن العلماء إذن من دراسة النجوم عموما، ومعرفة مما يتكون سطح نجم مجموعتنا الشمسية بالخصوص؟

قبل التطرق للتقنية المستخدمة لدراسة النجوم، لا بد من التعرف على بعض خصائص الذرة.

حسب نموذج “بوهر” للذرة، فهي تتكون من نواة ذات شحنة موجبة، تحيط بها سحابة إلكترونية تحمل شحنة سالبة، تتوزع حسب درجات معينة للطاقة، فكلما اقتربنا من نواة الذرة قلت هذه الطاقة. ويمكن للإلكترون أن ينتقل من درجة طاقية قريبة من النواة إلى درجة أخرى أبعد إن اكتسب قدرا معينا من الطاقة الضوئية.

الصورة الماثلة أمامنا توضح مثال اكتساب إلكترون القدر الطاقي المحدد الذي يمكنه من الانتقال من درجة طاقية ضعيفة إلى درجة طاقية أعلى.

نرجع بالزمن إلى تجربة “إسحاق نيوتن” سنة 1665، حيث قام بتمرير شعاع ضوئي مصدره الشمس في موشور من الزجاج، و تمثلت النتيجة في تبدد الضوء الأبيض إلى ألوان الطيف.

اكتشف العلماء سنوات بعد تجربة “نيوتن” باستخدام جهاز المطياف (وهو جهاز يلعب دور موشور الزجاج بدرجة أكثر دقة) أن الضوء القادم من الشمس يحمل أشرطة سوداء مجهولة المصدر بالإضافة إلى ألوان الطيف.

بدمج كل من الكيمياء والفيزياء وعلم الفلك استطاع العلماء تفسير الأشرطة السوداء على أنها موجات ضوئية مفقودة امتصتها ذرات معينة موجودة على سطح الشمس لتسمح لإلكتروناتها كل على حدة بالانتقال من مستوى ضعيف للطاقة إلى آخر أعلى.

إن لكل ذرة بصمتها الخاصة، فبانتقال الإلكترونات من درجة طاقية عالية إلى أخرى أدنى، تفقد الذرة قدرا معينا من الطاقة على شكل موجات ضوئية محددة.

الموجات الضوئية التي فقدتها الذرة في حالة انتقال الإلكترونات من مستوى عالٍ للطاقة إلى مستوى أدنى هي نفسها التي تمتصها الذرة في حالة انتقال الإلكترونات من درجة طاقية ضعيفة إلى أخرى أعلى.

بمقارنة الموجات الضوئية المفقودة من طيف الشمس مع تلك التي يتم البرهنة عليها في المختبرات، يكشف العلماء عن المكونات الأساسية لسطح الشمس، وتسمى هذه التقنية بالتحليل الطيفي الفلكي.

“الهيدروجين” مثلا يمتص الموجات الضوئية الموضحة في الصورة أسفله:

عندما يلاحظ العلماء غياب هذه الموجات الضوئية بالتحديد من طيف النجم، يستنتجون أن سطحه يتكون من “الهيدروجين”.

باستغلال الضوء القادم من مختلف أرجاء الكون، نتمكن من دراسة الكواكب والنجوم والمجرات القريبة وكذا تلك التي تبعد عنا بملايين السنوات الضوئية.

قال عالم الفلك “كارل ساغان” :”التحليل الطيفي الفلكي تقنية سحرية ما زالت تذهلني”

المراجع:

1 2 3




هل للكون بداية؟

لعل أكثر الأسئلة التي شغلت عقول الفلاسفة المفكرين و العلماء على مر العصور هي تلك المتعلقة ببداية الكون و نهايته؛ هل الكون أبدي؟ هل له بداية أم إنه كان دائما على ما هو عليه الآن؟ هل هو محدود أم إنه لا نهائي؟

الكون اللانهائي نموذج صعب التخيل، أما نموذج الكون المحدود فقد خلق مفارقة لدى الإغريق. إن أخرجت يدك من حافة الكون فإلى أين تذهب؟

صورتنا الحديثة عن الكون يرجع تاريخها إلى القرن العشرين، حينما توصل العلماء إلى البرهنة على أن الكون يتسع، أي أن كل نقطتين في الكون تبتعدان عن بعضهما البعض، و كلما ازدادت المسافة بينهما ازدادت سرعة تباعدهما.

السؤال الذي يمكننا طرحه في هدا السياق هو كيف تمكن العلماء من البرهنة على تمدد الكون؟ و كيف ساعد هذا الاكتشاف في الإجابة على أحد الأسئلة المطروحة أعلاه؟

يلجأ العلماء إلى تقنية التحليل الطيفي الفلكي بهدف دراسة الأجسام المضيئة/المضاءة في الفضاء، و معرفة مما تتكون، حيث يتم رصد أطيافها باستخدام آلة المطياف. و تكون الأطياف مصحوبة بأشرطة سوداء تدل على وجود عناصر كيميائية معينة امتصت موجات ضوئية مخصصة لتسمح لإلكتروناتها بالانتقال من مستوى ضعيف للطاقة إلى مستوى أعلى.

خلال السنوات 1912/1922م، اكتشف العالم “فيستو سليفر” في مرصد “لويل” بـ “أريزونا” أن الألوان الغائبة من أطياف المجرات البعيدة، و التي تمثل بصمات العناصر الكيميائية، مزاحة في اتجاه الموجات الحمراء بالمقارنة مع مكانها في أطياف النجوم القريبة.

لتفسير هذه الملاحظات، يجب أولا التطرق ل “تأثير دوبلر”.

نعتبر سيارة إسعاف مصدرا للصوت. بما أن السيارة تتحرك بسرعة أبطأ من سرعة الصوت بالنسبة لمشاهد ثابت، فإن الموجات الصوتية تتحرك خارجها. فلنفترض أنها تقترب من المشاهد الثابت. عندما تبعث السيارة الذروة الثانية للموجة الصوتية فإنها ستكون قد اقتربت من الملاحظ، و هكذا فإن الوقت الذي تستغرقه الذروة الثانية حتى تصل إليه سيكون أقل مما تستغرقه لو كانت السيارة ثابثة. و بالمقابل إذا كانت السيارة تتحرك بعيدا عن المشاهد فإن المسافة بين كل ذروتين ستكون أكبر من المسافة بينهما في حالة سكون سيارة بالنسبة للمشاهد. أي أن عدد الموجات التي يتلقاها الملاحظ كل ثانية (التردد) ستكون أقل من تلك التي كان سيسمعها لو كانت السيارة ثابتة.

الصورة أسفله تمثيل للتجربة

في علم الفلك ، يمكن أن يكون هذا المصدر نجمًا تنبعث منه موجات كهرومغناطيسية. يحدث تأثير “دوبلر” عندما يدور النجم حول مركز كتلته ويتحرك نحو الأرض أو بعيدا عنها. و يمكن رؤية هذا التأثير بدراسة طيفها اعتمادا على تقنية التحليل الطيفي الفلكي. عندما يتحرك نجم نحو الأرض، فإن تردد الموجات الضوئية سيزداد، ويصبح طيفها أكثر زرقة. عندما يتحرك النجم بعيداً عنها، يبدو طيفه أكثر احمرارً لأن أقل الموجات الضوئية المرئية ترددا هي الموجة الحمراء.

الصورة أعلاه توضح التأثير بالنسبة للموجات الضوئية

نستنتج إذًا أن زحزحة أطياف المجرات البعيدة في اتجاه الطرف الأحمر تعني أن المسافات بينها و بين كوكب الأرض تزداد.

لا تتحرك المجرات حركة عشوائية، ففي عام 1929، قام العالم “إدوين هابل”، بقياس الانزياحات الحمراء لعدد من المجرات البعيدة، و اكتشف أنه كلما زادت المجرة بُعدا زادت سرعة تحركها بعيدا، و التفسير الوحيد لهذه الملاحظة هو أن الكون يتوسع.

بمجرد أن فهم العلماء أن الكون يتسع، أدركوا أنه في الماضي كان أصغر مما عليه الآن. أي أنه في وقت مضى كان الكون بأكمله عبارة عن نقطة متناهية الصغر و هذا يعني أن للكون بداية.

المصادر:

1 2

3 A Brief History of Time, Stephen Hawking, chapter 3 : The expanding universe