يكثر الحديث في الإعلانات و المواقع على المواد الكيميائية والتحذير من استعمالها في بيوتنا خصوصا المطبخ، لما يمكن أن تلحقه من ضرر على صحتنا، بل و تنصحنا بالتوجه لنمط حياة خالي من هذه المواد، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل فعلا يمكننا التخلي عن كل ما له علاقة بالكيمياء؟ هذا ما سنحاول توضيحه للقارئ من خلال هذا المقال.
إن دخولنا إلى المطبخ لخير دليل على ممارستنا اليومية للكيمياء، فطهي الطعام عبارة عن عدد لا يحصى من مختلف العمليات الفيزيائية والتفاعلات الكيميائية التي تقع في نفس الوقت، لتحضير مختلف الوصفات، فالخلط و التسخين و التجميد و الدمج هي عمليات يومية في مختبر الكيمياء.
تصنف المواد الكيميائية في نظامنا الغذائي إلى أربعة أصناف، الكربوهيدرات و البروتينات والدهنيات، والصنف الرابع يشمل: الفيتامينات والمعادن و المواد الصيدلانية و المئات من المواد الكيميائية التي يستهلكها الواحد منا كل يوم. إن الجزم بأن كل ما هو كيميائي فهو سام و ضار غير مقبول في ظل تواجد مجموعة من المواد الكيميائية المفيدة لصحتنا، لنكتشف مكوناتها وكيف تغني طعامنا؟
تعد الكربوهيدرات والبروتينات والدهنيات المواد المغذية الكبرى، فهي توفر لنا ما يتعدى احتياجاتنا اليومية من الطاقة، وعلى الرغم من غنى الجدول الدوري الذي يحتوي على 118 عنصرا إلا أن هذه الفئات الثلاثة تتشكل في الغالب من الذرات التالية: الكربون والهيدروجين والأوكسجين والازوت مع كميات ضئيلة من العناصر المتبقية.
ترتبط الأحماض الأمينية فيما بينها لتكون البروتينات التي توجد في اللحم والبيض وبكميات كبيرة في البقوليات والفول ودقيق القمح.
تضم الكربوهيدرات السكريات والنشا والسيليلوز التي تهضم بشكل مختلف عن الأخرى، فالسكريات تتكون من نوعين؛ نجد المحليات الصناعية مثل الأسبارتام والسكرين وتأثيراتهما على الصحة، إلا أنه سلط الضوء مؤخرا على المحليات الطبيعية كقصب السكر وعصير الذرة المركز عالي الفركتوز (خليط من الفركتوز والكليكوز)و ربطها بمجموعة من المشاكل الصحية مثل ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع ثلاثي الغليسريد و مرض السكري من النوع 2
إن التفاعل الكيميائي الذي يحدث بين السكريات العاديةو البروتينات بوجود الحرارة يسمى تفاعل ميلارد، المسؤول عن إنضاج الطعام عند طهيه وإعطائه اللون البني. التفاعل الآخر الذي يدعى الكرملة، يتم بتسخين السكر ببطء، لكن الحرارة المفرطة تؤدي لحرق وإفساد النكهات.
يعرف النشا بقدرته على استخراج المواد الهلامية مثل الكريم الناضج، الناتج عن خلط مسحوق النشا مع الماء وتسخينه حتى يكون نسيجا مختلفا تماما.
توفر الدهنيات طاقة غذائية أكبر مرتين مقارنة مع البروتينات والكربوهيدرات (غرام بغرام)، لهذا السبب انتقدت الدهنيات كثيرا من قبل وسائل الإعلام مقارنة بالسكريات، و لكن الأمر المفروغ منه هو احتياجنا لها و لو بكميات محددة.
عند التقاط آذاننا لكلمة حمض، يتبادر إلى ذهننا تصور سيء، ربما يتسبب لنا في مشكل ما، لكن ما يخفى عن إدراكنا أن الأحماض تغزوا الثلاجة و أماكن تخزين الأطعمة والمنظفات. خير مثال هو مشروب الكولا الغازي الأكثر حمضية (درجة حموضته تساوي 3,2 أي أصغر من 7)، إنه قادر على إزالة الصدأ من المعادن بفضل احتواءه على الحمض الفوسفوري، ونفس الحمض يجعل معدتنا تتميز بحمضية عالية قادرة على هضم الطعام. كما يتشارك كل من التفاح و البرتقال، الكولا درجة الحمضية، بينما يفوقهم عصير الليمون عشر مرات أكثر. إن خاصيات الطعام الحمضية وتوافقها مع مواد كيميائية أخرى يضفي عليه نكهة مميزة. كما توجد أطعمة قاعدية أي درجة حموضتها أكبر من 7، كالبيض و البيسكويت و بيكربونات الصودا (صودا الخبز)
في خزانة المنظفات، نستعمل مواد كيميائية سامة كالأمونيا (غاز النشادر) و محلول الغسول والصابون كما نستخدم الحمض الكبريتي لتسريح المجاري.
في المرة القادمة إذا واجهك أحدهم باعتماده على نظام غذائي خال من المواد الكيميائية، فالجواب سيكون بسيطا، “هل تشرب الماء؟ إنه أوكسيد الهيدروجين و الملح الذي تستطعم به الأكل اسمه الكيميائي كلوريد الصوديوم، فلا تقلق بشأن صحتك.”