هل من الممكن أن يكون الانسان الحديث قد التقى بالإنسان البدائي منذ 50 الى 60000 سنة؟
يتعلق الأمر هنا بقطعة جديدة من لغز التنوع الوراثي للجنس البشري : فقد أقدم فريق دولي على تحديد التسلسل الجيني لإنسان حديث كان يعيش منذ 45000 سنة في “سيبيريا”، و هو أقدم “جينوم” خاص بالإنسان العاقل، و الذي تم فك شفرته لحد الآن.
هذه الدراسة التي قادها عالم الأحياء و المورثات القديمة “سفانتي بابو”، الذي يعد الرائد في مجال دراسة الحمض النووي القديم، تسمح بالتعرف على الفترة الزمنية التي صادفت تهجن الحمض النووي لإنسان “نياندرتال” بالحمض النووي للإنسان العاقل، والذي ننحدر منه.
هذا البحث، الذي نشر في مجلة “نيتشر” البريطانية، يقدم أيضا معلومات جديدة عن تاريخ الإنسان الحديث بعيدا عن أفريقيا. فكما هو معلوم، جنسنا البشري ظهر في أفريقيا منذ حوالي 200000 سنة.
جزء من “الجينوم” الذي نتوفر عليه موروث عن إنسان “نياندرتال”:
بفضل أبحاثه التي قادها عن الحمض النووي لإنسان “نياندرتال”، تم ترشيح العالم “سفانتي بابو”، خلال السنتين الماضيتين، لنيل جائزة نوبل.
فالعالم السويدي، الذي يشغل منصب مدير قسم الأنثروبولوجيا الوراثية في معهد “ماكس بلانك” في “لايبزيغ” (ألمانيا}، بين أن جزءا صغيرا من “جينوم” الإنسان الحالي يأتي من إنسان “نياندرتال”، أقرب أبناء عمومتنا الذي ظهر منذ حوالي 40000 سنة، و اختفى عن الوجود منذ ما يناهز 30000 سنة.
و قد أجريت هذه الدراسة الجديدة على جزء أوسط مكتمل نسبيا لعظم الفخذ الأيسر لإنسان من تلك الحقبة.
و عثر على هذا العظم، بمحض الصدفة، سنة 2008، على ضفاف بحيرة “إيرتيش”، قرب “أوست-إيشيم” (Ust’-Ishim) غرب سيبيريا. و باستعمال الكاربون 14 ، تم تحديد عمره الذي يناهز 45000 سنة. و بينت التحاليل التي أجريت على هذا العظم أن نسبة مهمة من البروتينات التي كان يتناولها مصدرها الأطعمة المائية، و على الأرجح أسماك المياه العذبة.
و قد مكن تحديد تسلسل “الجينوم” الخاص بإنسان “أوست-إيشيم” (Ust’-Ishim) من إبراز أصله الذي كان قريبا من أسلاف الإنسان الحالي، والذين لم يكونوا أفريقيين.
و يشمل هذا التسلسل على نسبة من مورثات الإنسان “نياندرتال”، و هي أكثر بقليل من مورثات الإنسان الحالي: حوالي 2.3 بالمائة (مقابل 1.7 الى 2.1 بالمائة بالنسبة للساكنة الحالية لشرق آسيا، و 1.6 الى 1.8 بالمائة للأوروبيين).
لكن “جينوم” إنسان “أوست-إيشيم” يتوفر على أجزاء من الحمض النووي لإنسان “نياندرتال”، و هي أطول بثلاث مرات مما هو عليه الحال عند الإنسان الحالي. و بهذا الاكتشاف، يتضح أن اللقاء بين الانسان “النياندرتال” و الإنسان العاقل يعود لما بين 232 و 430 جيلا قبل ظهور جيل “أوست-شيم”.
حتى الآن، كان العلماء يعتقدون أن نقل المورثات من إنسان “النياندرتال” إلى الإنسان المعاصر حصل في الفترة ما بين 37000 و 86000 سنة، ربما تصادف مع هجرة الإنسان العاقل من إفريقيا، حيث التقى إنسان “النياندرتال” في الشرق الأوسط، قبل أن يستقر في “أوراسيا”.
إلا أن المعطيات الجينية الجديدة، و التي تم استخلاصها من إنسان “أوست-شيم”، عملت على تضييق هذا النطاق الزمني حيث بينت أن التهجين قد يكون حصل منذ 45000 سنة.
تهجين بعمر 50000 الى 60000 سنة:
حسب طول أجزاء الحمض النووي لدى إنسان “أوست-شيم”، فإن التهجين حصل في الفترة ما بين 7000 الى 13000 سنة قبل ولادته.
و يؤكد العلماء على أن “اللقاء بين أسلاف إنسان “أوست-شيم” وإنسان “نياندرتال” كان منذ حوالي 50000 الى 60000 سنة”، ما يتصادف تقريبا مع فترة المد الأكبر للإنسان العاقل و هجرته خارج أفريقيا و الشرق الأوسط.
و قد اشتهر مختبر “سفانتي بابو” من معهد “ماكس بلانك” في “لايبزيغ” بدراسته للأحماض النووية القديمة، و إن تضررت بشكل كبير.
و ليس جينوم إنسان “أوست-شيم” أقدم جينوم تم فك شفرته. حيث منذ حوالي سنة، تم اكتشاف عظم إنسان داخل كهف بإسبانيا، وهو ما أسماه العلماء بإنسان “سيما”، إذ يعود جينوم أقدم إنسان تم تأريخه إلى 400000 سنة.
المصدر: 1
رابط الدراسة: 1
حقوق الصورة: AFP
ترجمة: نايت أجو سميرة
التدقيق اللغوي: علي توعدي