لا شك أنكم اختلفتم مع أصدقائكم بشأن ذلك الفستان الغريب … ففريق منكم كان يرى الفستان باللونين الأزرق والأسود وفريق آخر كان يراه أبيضا و ذهبيا ، لكن في الواقع هناك حقيقة تاريخية بخصوص اللون الأزرق ؛ حقيقة مثيرة للغرابة مفادها أن الإنسان إلى حدود العصر الحديث لم يكن بمقدوره إطلاقا رؤيةُ اللون الأزرق .
ترجمة : نورة أبليق/ تدقيق لغوي : مريم السهلاوي
هناك دلائل علمية تفيد أن الإنسان لم يكن قادراً إطلاقا على رؤية اللون الأزرق. فقد بدأت القصة عندما لاحظ “ويليام غلادستون” (أصبح فيما بعد رئيس وزراء بريطانيا)، أن “هوميروس” وصف البحر في ملحمة الأوديسة بأنه “قاتم بلون النبيذ” واستعمل في وصفه ألوانا وأوصافا غريبة أخرى، لكنه لم يستخدم قط كلمة “أزرق”. بعد ذلك بسنوات قليلة، قام المختص بعلم اللغة “لزروس جيغر” بمتابعة هذا الاكتشاف، وذلك بدراسة وتحليل نصوص قديمة أيسلندية، هندية، صينية، عربية وعبرية، إلا أنه لم يجد أي ورود لكلمة “أزرق”!! عند التفكير لوهلة في هذه الإشكالية ، ستجد أنه لأمر منطقي جدا ألا يكون هناك ذكر للون الأزرق، علما أن هذا اللون موجود بنسبة كبيرة في الطبيعة، يكفيك أن ترى زرقة السماء و زرقة مياه البحر، وحتى السماء التي تتميز بزرقتها عن باقي الموجودات بكوكبنا، لم يتم وصفها حسب أبحاث لزروس باللون الأزرق.
بإلقاء نظرة على تاريخ الحضارات القديمة سنجد أن أول من استعمل تلميحا للون الأزرق هم المصريون، حيث كانوا يقومون بإنتاج الأصباغ باللون الأزرق، ومنذ ذلك الحين يبدو أن معرفة هذا اللون قد انتشرت في العالم الحديث. ولكن هل حقا يمكننا الجزم بعدم قدرة الإنسان على رؤية اللون الأزرق، بالاعتماد فقط على دليل لغوي يفيد بغياب أي نص صريح يذكر اللون الأزرق؟
أجريت العديد من الدراسات للحسم بشأن هذه الإشكالية، والتي يمكنك قراءة المزيد عنها في ” Loria’s feature “، ولكن دراسة واحدة هي الأكثر تميزا والأكثر إقناعا بين نظيراتها، قام بها “جول دافيدوف”، وهو طبيب نفساني من جامعة غولدسميث بلندن، اشتغل في دراسته مع قبيلة هيمبا Himba من ناميبيا. ووجد أنه ليست هناك كلمة لتمييز اللون الأزرق في لغتهم، ولا توجد تفرقة بين اللونين الأخضر والأزرق.
لاختبار ما إذا كان هذا الدليل اللغوي المحض يؤكد فرضية عدم قدرة الإنسان على رؤية اللون الأزرق حتى وقت متأخر، قام الدكتور جول بقياس قدرة رؤية سكان القبيلة للون الأزرق، وبعد دراسات ميدانية متوالية اكتشف أن عدد كبيرا من السكان لم يتمكنوا من تمييز الأزرق عن الأخضر، بل حتى من تمكنوا من ذلك استغرقوا قبل إدلائهم بالإجابة الصحيحة وقتا طويلا في التفكير والتمحيص . دراسة أخرى قام بها علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سنة 2007، تظهر أن السكان الأصليين الناطقين باللغة الروسية لا يملكون كلمة خاصة تعود الى اللون الأزرق، ولكن هناك مرادفات تعود للونين الأزرق الفاتح ” Goluboy ” والأزرق الغامق ” Siniy “، لكن مع ذلك فقد لوحظ غياب تام لكلمة مستقلة تعود للون الأزرق.
مازال هذا الخلط معمولا به في الكثير من المناطق الأمازيغية المغربية، حيث يتم استعمال نفس المصطلحات للدلالة على اللون الأزرق و اللون الأخضر كذلك و هذا ما يؤكده المعجم الأمازيغي الوظيفي:
من المحتمل أن أجدادنا لم يروا الأزرق على الإطلاق، لهذا لم يتمكنوا من استعمال كلمة “أزرق” أو ربما من منظور أكثر دقة ، كانوا يرون اللون الأزرق كما نفعل نحن الآن لكن فقط لم ينتبهوا لتمييزه، و بالتالي لم يطلقوا عليه اسما يميزه عن بقية الألوان، لكونه يتميز بتردد ضعيف جدا في الطبيعة مقارنة بالأبيض والأخضر مثلا.
المصدر : sciencealert