كل النظريات العلمية المقبولة اليوم، كانت محط جدل كبير لحظة خروجها إلى العلن. فأغلب النظريات العلمية إما أن تكون غير مفهومة حتى في الأوساط العلمية (كما كان الحال بالنسبة لنظرية النسبية لاينشتاين التي كانت غامضة حين تم تقديمها إلى المجتمع العلمي سنة 1905 أو نظرية الكم الغامضة والتي ارتبطت بالغموض لسنوات طوال). أو أن تدخل في صراع مباشر مع الدين والقضايا العقائدية كنظرية كوبرنيك حول النظام الفلكي، ونظرية التطور وأصل الأنواع لتشارلز داروين.
كانت نظرية رجل الدين نيكولاس كوبرنيكوس حول مركزية الكون محط جدل كبير. كانت ثورة بكل المقاييس على الفيزياء الأرسطية وآرائها خصوصا فيما يتعلق بالحركة، وقد كانت الضربة الأولى التي وجهت إلى حالة الجمود الفكري الذي تخبطت فيه أوروبا والعالم. توالت الضربات بعد ذلك من طرف ثلة من العلماء الفيزيائيين، وبالخصوص: كيبلر، غاليلو غاليلي ونيوتن الذين وُضِعُوا في مواجهة مباشرة مع رجال الدين و الكنيسة التي رأت في أفكارهم تمردا على سلطتها الدينية المطلقة. خالفت النظرية الجديدة، و التي أحدثت ثورة سميت فيما بعد ب”الثورة الكوبرنيكية”، المتعارف عليه وادعت أن كوكب الأرض ليس مركز النظام الشمسي بل هو مجرد كوكب كغيره من الكواكب يدور حول الشمس باعتبارها مركز النظام الشمسي، مما شكل ضربة مباشرة لللرواية الدينية و التي أعطت وصفا اخر للكون. ليتم وضع كتاب كوبرنيك المنشور، في خانة الكتب المحرمة. لم ينته الجدل حول النظرية بوفاة كوبرنيك بل استمر وطال فيزيائي و مفكري القرنين السادس عشر و السابع عشر الذين تعرضوا للاضطهاد أيضا. فقد أحرق جريناندو برينو حيا سنة 1600، بعد أن أصدر كتابه، وأعلن مساندته لأفكار كوبرنيكوس. بعد أن دافع غاليلو عن آراء سلفه، تعرض للمحاكمة من طرف الكنيسة سنة 1616، وأجبر على الإقامة الجبرية حتى فقد بصره، وأحرقت كتبه ومنشوراته العلمية. بعد خمسة قرون قدمت الكنيسة اعتذارا رسميا للاضطهاد الذي مورس في حق غاليلو، واعترفت بالتجاوزات التي ارتكبت في حق هذا الأخير.
نفس القصة تتكرر لكن في زمان ومكان آخرين، ففي انجلترا ومباشرة بعد نشر تشارلز داروين لكتابه “أصل الأنواع THE ORIGINS OF SPECIES ” سنة 1859، والذي قدم فيه نظريته حول نشوء الحيوانات وتطورها عن طريق الانتخاب الطبيعي. أٌثيرت ضجة كبيرة حول الكتاب الذي كان له صدى كبيرا على المستوى الفلسفي والديني. وقد بيعت منه ما يقارب 1250 نسخة يومين فقط بعد نشره. احتوى الكتاب ملاحظات واستنتاجات داروين، من الرحلة على متن السفينة ”بيغلBeagle ” والتي استغرقت خمس سنوات، وتمحورت بالأساس حول التطور عبر الانتخاب الطبيعي على المستوى الفردي أي أن البقاء للفرد الذي يستطيع التكيف مع الوسط الذي يعيش فيه. النظرية تطورت فيما بعد فأصبح الحديث أيضا عن الانتخاب الطبيعي على مستوى المورثات. تعرضت نظرية داروين كما تعرض داروين نفسه للسخرية والانتقاد اللاذعين، فقد أسيل المداد كثيرا حول النظرية، والتي وإن كانت لحد الآن لم تجب عن مجموعة من الأسئلة، فإنها استطاعت اجتياز العديد من الاختبارات بنجاح بل إن العديد من الأبحاث العلمية في البيولوجيا تعتمد بشكل كبير على مبادئ الداروينية. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الإشاعات والتهم ألصقت بالنظرية، من قبيل أنها تتحدث على أن الإنسان ينحدر من القرود، وأن الإنسان حسب داروين وجد بالصدفة، وأن الصدفة هي المحرك الأساسي للنظرية. كما أن الكثيرين يعتبرونها مجرد نظرية ولا علاقة لها بالواقع، ولا وجود لأدلة علمية تثبتها. وقد تم الرد علميا على هذه الادعاءات من طرف مؤيدي النظرية.
إحدى المغالطات، والتي ألصقت بنظرية التطور هي القول بأن الإنسان ينحدر من قردة الشمبانزي، وهذا خاطئ كليا. فالنظرية تحدثت عن انحداره من سلف مشترك Common ancestor عاش قبل ملايين السنوات. وتعتبر قردة الشمبانزي والبوبونو، حسب النظرية، أقرب الأنواع إلى الإنسان حيث تنحدر من سلف مشترك عاش قبل 6 ملايين سنة. هذه النقطة بالذات مازالت تواجه مشاكل عدة، فقد نشرت مجلةNature المتخصصة في البحث العلمي مقالا سنة 2012 حمل أخبارا سيئة لنظرية التطور فيما يتعلق بالضبط بالسلف المشترك، المقال تحدث عن أن التشابه بين بعض أجزاء ال DNA بين الإنسان والغوريلا أكبر منه من التشابه بين الإنسان والشمبانزي. مقال أخر بنفس المجلة تحدث عن وجود مورثات توجد في الدماغ تدعى SRGAP2A, SRGAP2B, SRGAP2C SRGAP2D، ومن المفترض أنها تلعب دورا كبيرا في آلية اشتغال الدماغ. الدراسة تحدث عن عدم تواجد ثلاثة أنواع من المورثات السابقة من أصل أربعة في أدمغة أي من القردة العليا مما يشكك، حسب كاتب المقال، من السلف المشترك بين الإنسان والقردة العليا.
النظرية تحظى بدعم كبير خاصة من طرف العلماء والباحثين في ميدان البيولوجيا. الكنيسة الكاثوليكية بدورها وبعد أن كانت أول من أعلن الحرب على أفكار داروين، أخذت مواقفها تتغير شيئا فشيئا مع تحفظها على بعض النقط حينا ورفضها لأخرى في أحاين أخرى. البابا جون بول الثاني سنة 1996 تحدث قائلا ” اليوم، و بعد مرور نصف قرن تقريبا على المنشور البابوي، فالمعارف الجديدة قادت إلى اعتبار نظرية التطور أكثر من فرضية”.
المراجع:
- Science…A History 2001-1543, John Gribbin, Penguin Books, U.K.2002
- Scally,A. et al. 2012. Insights into hominid evolution from the gorilla genome sequence. Nature. 483 (7388): 169-175.
- ennis, M.Y. et al. 2012. Evolution of Human-Specific Neural SRGAP2 Genes by Incomplete Segmental Duplication. Cell. 149: 912-922.
- ابستيمولوجيا العلم الحديث، سالم يفوت، دار النشر توبقال2007
- http://www.science-et-vie.com/2013/05/15/les-grandes-archives-de-sv-levolution/
- http://www.hominides.com/html/dossiers/selection-naturelle-sexuelle.php
- http://www.hominides.com/html/theories/theories-evolutionnisme.php
- www.telegraph.co.uk/news/religion/4588289/The-Vatican-claims-Darwins-theory-of-evolution-is-compatible-with-Christianity.html
- http://news.bbc.co.uk/2/hi/8459572.stm
- http://www.hominides.com/html/theories/theorie-evolution-idees-fausses.php
- http://www.icr.org/article/6882/
- http://humanorigins.si.edu/evidence/human-fossils
- http://ar.wikipedia.org/wiki/نيكولاس_كوبرنيكوس
- http://darwin-online.org.uk/contents.html