نظرية النسبية الخاصة، المحطة الأولى : ما قبل النظرية
في الربع الأخير من القرن 19، توصل العالمان ميكلسون و مورلي إلى نتيجة أثارت جدلا واسعا في الوسط العلمي. من كان يعيش في هذا القرن قد يظن لأول وهلة، أن ضربا من الجنون أصابهما أو أن شيطانا ماردا سكن أرواحهما. لا، بل قد يظن البعض أنهما أرادا الإختلاف من أجل الشهرة فقط و إثارة الجدل حولهما . كيف لا و هما يدعيان أنهما توصلا في مختبر البصريات إلى حقيقة يعجز العقل عن تصديقها : سرعة الضوء ثابتة كيفما كان المعلم أو المرجع !!! غريب و عجيب، كيف لهرم الفيزياء الحديثة، نيوتن أن يخطئ؟ و هل أخطأ فعلا؟ أم أن هنالك خطأ ما في التجربة؟ هل دقت ساعة ظهور فيزياء جديدة تغير أصالتها رؤيتنا للعالم ؟ في هذه السلسلة القصيرة سنسافر بكم بشكل مقتضب و غير مطنب في جانب من جوانب عالم الفيزياء المذهل.
قام العالم الإيطالي المشهور غاليليو، في عام 1630، بعرض ما سمي فيما بعد” بمبدأ النسبية”. و في مايلي تجربة فكرية ، يمكن من خلالها شرح هذا المبدأ :
في مقصورة دون نوافذ، في قارب مرسي قرب ميناء، يتبادل شخصان أطراف الحديث. فلنتخيل تواجد نملة سريعة تتحرك بسرعة متر في الثانية في منحى مقدمة السفينة. ثم نطلق السفينة لتغادر الميناء في حركة منتظمة، سرعتها مترين في الثانية مثلا.
بالنسبة للشخصين المتواجدين داخل المقصورة، لا يمكن معرفة ما إذا كانت السفينة متحركة أم متوقفة. فانعدام النوافذ فيها، بالإضافة إلى حركتي كل من السفينة و النملة المنتظمتين، وفي غياب أية إهتزازات، كل هذا يحول دون تمكينهما من تمييز الفرق.
من جهة أخرى، في مرجع مرتبط برصيف الميناء، تتحرك السفينة بسرعة مترين في الثانية. كما تتحرك النملة بسرعة 3 أمتار في الثانية. لأن سرعتها أضيفت لسرعة السفينة. و من هنا استنتج غاليليو أن كل حركة منتظمة( في اتجاه مستقيم و سرعة ثابتة) تتعلق بالنظام المرجعي المأخوذ بعين الإعتبار.
في سنة 1687، قرن إسحاق نيوتن، العالم الإنجليزي الكبير، علم الحركة المجرد أو الديناميكا، التي أسس لها غاليليو و التي تعنى بدراسة الحركة، بتأثير القوى كالدافعية والجاذبية… بناء على هذا الربط، أسس لعلم الميكانيكا و بذلك يكون قد توصل لوصف و تحليل حركة كل الأجسام المادية.
يقوم هذا العلم على مسلمتين أساسيتين :
1. وجود زمن مطلق، يمر بشكل منتظم من مالانهاية الماضي إلى مالانهاية المستقبل. و ذلك بغض النظر عن الوعي الإنساني بمفهوم الزمن و مرور الوقت.
2. وجود فضاء مطلق و ثانت و غير متعلق بأي محتوى. و بناء عليه، أينما رحلنا و ارتحلنا سيعكس المتر دائما نفس المسافة و الثانية نفس المدة.
في خضم هاتين المسلمتين، يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي : كيف يمكن تجسيد هذا الفضاء الخالي من كل شيء. فضاء لا يحوي أرضا أو مرجعا لمقاربته ؟
توصل الفيزيائيون إلى إجابة مقنعة في منتصف القرن 19. فلقد توصلوا إلى أن الضوء موجة كهرومغناطيسية، من خلال العمل الرائع و الأنيق للعالم الاسكتلندي الكبير جيمس كلارك ماكسويل. و بناء عليه، يحتاج الضوء إلى وسط مادي لكي يتحرك، على غرار الموجة الصوتية التي تتحرك في الهواء. أطلق على هذا الوسط إسم : الأثير، باعتباره مائعا ساكنا متواجدا في الكون بأسره. فجسد الأثير مرجعا كونيا.
لكن في عام 1887 تعرض هذا المرجع لامتحان عسير. بدأ الأمر عندما حاول العلماء التفكير في تأثير حركة الأرض على سرعة الضوء. يتحرك الضوء في الفضاء( أي بالنسبة للأثير) بسرعة تقارب 300000 كلم في الثانية. من جهة أخرى تتحرك الأرض بسرعة 30 كلم في الثانية. وبناء عليه، إذا ما بعثنا ضوء في منحى حركة الأرض، يجب أن تضاف السرعتان لنحصل على 300030 كلم في الثانية. و لكن هذا لم يحصل. ففي سنة 1887 صنع العالمان ألبرت ميكلسون(1931-1852) وإيدوارد مورلي (1923-1838) جهازا دقيقا لقياس الفارق المتوقع. و لكن العجيب في الأمر أن قانون نسبية غاليليو لم يطبق على الضوء. فكل القياسات تؤكد أن سرعة الضوء ثابتة بالنسبة لجميع المراجع. أين الخطأ إذن ؟ ترقبو البقية في محطتنا القادمة.