نظرية التطور (الحلقة الرابعة): الدليل الوراثي (1)
وفرت دراسة الجزيئات البيولوجية شكلا جديدا من الأدلة حول الآليات والمسارات التاريخية للتطور، وقد أكدت هذه الأدلة الجديدة الاستنتاجات المستخلصة من السجل الأحفوري والتوزيع الجغرافي للأنواع. بالإضافة إلى ذلك فقد قدمت ثورة من المعلومات الجديدة حول العلاقات التطورية بين الأنواع و كيفية حدوثها. وسنتطرقفي هذا المقال لبعض الأمثلة على التماثل الجزيئي أو الوراثي بين الكائنات، و كيف أن الشفرة الوراثية وآلية عملها مشتركة بين العديد من الكائنات الحية، مما يدعم فرضية الأسلاف المشتركة.
Rosalyn Schanzer
يشير مصطلح التماثل إلى التشابه الذي يحدث نتيجة أصل أو سلف مشترك، إذ يمكن لنوعين تشارك سمة كانت موجودة لدى سلف مشترك، قد تكون تشريحية أو نمائية أو جزيئية.
عندما قارن العلماء بعض الصفات على المستوى الجزيئي وجدوا العديد من أوجه التشابه، وتسمى بالتماثل الجزيئي. فجميع أنواع الكائنات الحية تستخدم الحمض النووي الريبوزي ناقص أوكسجين (DNA) لتخزين المعلومات، وتستخدم جزيئات الحمض النووي الريبوزي (RNA) لإيصال ونقل هذه المعلومات، بينما البروتينات هي المنتجات الوظيفية لمعظم المورثات. فعند استخلاص الحمض النووي الريبوزي لبروتين الهيموجلبين لأرنب وحقنه في بكتيريا Escherichia coli ستقوم بترجمته، مما يثبت أن آلية عمل الجينوم مماثلة لدى الأرانب وبكتيريا Escherichia coli. كما أظهر “بول نورس وميلاني لي” أنه يمكن لسلالة من الخميرة لها مورثات معيبة (بها خلل)، أن تستخدم النسخة البشرية السليمة لهذه المورثة لإصلاح الخلل. وقد أظهر الباحثان في هذه التجربة أن المورثات التي تتحكم في الانقسام الخلوي تتشابه كثيرا، على الرغم من أن الخميرة والسلف البعيد للانسان قد افترقا قبل حوالي مليار سنة.
علاوة على ذلك هناك بعض المسارات البيوكيميائية المتماثلة لدى أغلب الأنواع، مع بعض التغييرات الطفيفة، فهي مسارات متشابهة من الناحية الوظيفية وذلك لأنها تحفز التفاعلات الكيميائية نفسها، ومن الناحية البنيوية فغالبا ما تكون هناك اختلافات بسيطة من حيث تسلسل الأحماض الأمينية في الكائنات المختلفة. مثلا، كل الكائنات التي تستعمل الأوكسجين لديها تقريبا نفس آلية العمل، وعملية هدم الكليكوز تتم تقريبا بالآلية نفسها عند كل الكائنات الحية.
ظل العلماء لزمن طويل يتوقعون أن الاختلافات التشريحية بين الحيوانات تعكس اختلافات واضحة بين جينوماتها. لكن عند مقارنة مورثات الثدييات، مثل الفأر والجرذ والكلب والإنسان والشمپانزي، سنرى أنّ العديد من مورثاتها متشابهة بشكل واضح. فالعدد التقريبي لمورثات كل حيوان (التي تبلغ تقريبا 000 20) والمواقع النسبية لكثير منها، بقيت هي نفسها على امتداد مئة مليون سنة من التطور. وهذا لا يعني القول بعدم وجود اختلافات في أعداد المورثات ومواقعها، ولكن عند النظرة الأولى لا شيء في موجودات هذه المورثات يصيح قائلا: «فأر» أو «كلب» أو «إنسان». فعلى سبيل المثال، عند مقارنة مورثات الفأر مع مورثات الإنسان، يستطيع علماء البيولوجيا إثبات مماثلاتها في جينوم الفأر لتمييز 99 % من جملة مورثاتنا.
وكذلك عندما ينظر علماء البيولوجيا إلى المورثات فُرادى وبالتفصيل، يجدون أن التشابه بين الأنواع هو أيضا قاعدة. فسلسلتا الدنا (DNA) لأيّ نسختين من مورثة ما والبروتينان اللذين ترمزان لهما، تتشابهان بصورة عامة إلى درجة لا تعكس إلا المقدار النسبي من الوقت الذي انقضى منذ تباعد النوعين عن سلفهما المشترك.
المصادر:
- Regulating Evolution: http://www.scientificamerican.com/article/regulating-evolution/
- Unity of Life: http://www.pbs.org/wgbh/evolution/library/10/2/text_pop/l_102_01.html
- Ridley. M. (ed.) (2004). .-Evolution. Edition-Blackwell Science Ltd. ISBN 1-4051-0345-0
- International Human Genome Sequencing Consortium (2001). Initial sequencing and analysis of the human genome. Nature 409, 860–921. http://www.nature.com/nature/journal/v409/n6822/full/409860a0.html
- Science, Evolution, and Creationism http://www.nap.edu/catalog/11876.html
- Tiny Genetic Differences between Humans and Other Primates Pervade the Genome : http://www.scientificamerican.com/article/tiny-genetic-differences-between-humans-and-other-primates-pervade-the-genome/
- The Common Genetic Code: http://www.pbs.org/wgbh/evolution/library/04/4/l_044_02.html
- The origin of man: a chromosomal pictorial legacy : http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/7063861
- Generation and annotation of the DNA sequences of human chromosomes 2 and 4- http://www.nature.com/nature/journal/v434/n7034/full/nature03466.html