بينت البحوث على ما يبدو أن الناس يمكن أن يوقعوا الألم بالآخرين فقط لأن شخصا ما في مركز قوة أخبرهم أن يفعلوا ذلك. واليوم ذهب المحققون بتلك التجارب الكلاسيكية إلى خطوة أبعد، بتقديمهم أدلة جديدة قد تساعد على تفسير لما يضحي الناس مكرهين بسهولة.
في الستينات قام طبيب نفساني يدعى ستانلى ملغرام بتجارب في سرداب جامعة ييل تبين من خلالها أن الناس يمكن أن يوقعوا الألم بالآخرين فقط لأن شخصا ما في مركز قوة أخبرهم أن يفعلوا ذلك. أما الآن فقد أعلن الباحثون في مجلة البيولوجيا الحالية يوم 18 فبراير 2016 دفعهم بالتجارب الكلاسيكية إلى خطوة أبعد، بتقديمهم لأدلة جديدة قد تساعد على تفسير لما يضحي الناس مكرهين بسهولة.
ووفقا للعمل الجديد الذي قاده الباحثون في جامعة كوليج لندن والجامعة الحرة ببروكسيل في بلجيكا عندما يعطينا أحد أمرا، نحس بنقص في المسؤولية عن الأعمال التي نصدرها وما قد يترتب على ذلك من عواقب مؤلمة.
يقول باتريك هاغارد من جامعة كوليدج لندن: “ربما هناك شعور بنقص المسؤولية عندما نكره على القيام بشيء معين” ويضيف: “يزعم الناس في كثير من الأحيان في نقص في المسؤولية لأنهم كانوا يطيعون أوامر فقط. ولكن هل الأمر كان فقط لتجنب العقاب أم أن الأوامر تغير قواعد المسؤولية؟”.
حاول هاجرد وزملائه الإجابة على هذا السؤال من خلال قياس ظاهرة تسمى “الإحساس بالقوة”، هذا هو الشعور الذي تحدثه أفعال شخص ما تسبب ببعض الحوادث الخارجية. ويوضح هاجرد ذلك بالمثال الآتي: اذا كنت تنقر على مفتاح النور وأضاء الضوء، غالبا ما يخيل إليك أن هذين الحدثين متزامنين تقريبا، بالرغم من أن هنالك فترة فاصلة بينهما.
أثبت فريق هاجرد أن الناس يشعرون بنقص بالمسؤولية عندما تتسبب أعمالهم في آثار سلبية مقابل نتائج إيجابية. وبعبارة أخرى، لم يعد الناس يدركون الفاصل الزمنى بين العمل (في هذه الحالة، الضغط على مفاتيح لوحة الكمبيوتر) ونتائجه عندما تكون سلبية مقارنة عندما تكون تلك النتائج إيجابية.
في الدراسة الجديدة، قاس الباحثون الشعور بالقوة بنفس الطريقة لاكتشاف التغيرات في الإدراك عندما يمرر شخص ما صدمة كهربائية معتدلة لشخص آخر، إما عن طواعية أو استجابة لأمر. في تجارب أخرى الضرر الذي يلحق الشخص الآخر إذا كان ألما بسيطا له عقوبة مالية عوضا عنها.
عندما يترك للمشاركين حرية الاختيار، يتشجعون وهم يضعون أمام أعينهم الوعد بتحقيق مكاسب مالية. كما أنهم يعرفون بالضبط نوع الضرر الذي يلحقونه بسبب تبادل الأدوار فيما بينهم. أولئك الذين يمررون صدمات أو يعانون من خسائر مالية في بعض الجولات التجريبية يتلقون نفس المعاملة في الجولات الأخرى.
يذكر الباحثون أن الإكراه أدى الى زيادة صغيرة ولكنها مهمة في إدراك الوقت الفاصل بين النتائج والأفعال بالمقارنة مع حالات المشاركين الذين تركت لديهم حرية الحاق الأضرار.
ومن المثير للاهتمام أيضا إلى كون الإكراه خفض المعالجة العصبية للنتائج الناجمة عن أعمال الشخص.
وخلص الباحثون إلى أن هذا يدعي أن خفض المسؤولية تحت الإكراه يمكن أن يقابل حقا تغيير لشعورنا بالمسؤولية لا مجرد محاولات لتجنب العقوبات.
الدراسة العلمية:
Emilie A. Caspar, Julia F. Christensen, Axel Cleeremans, Patrick Haggard. Coercion Changes the Sense of Agency in the Human Brain. Current Biology, 2016; DOI: 10.1016/j.cub.2015.12.067