المغرب العلمي

من الخيمياء إلى الكيمياء .. مسار علم (1)

على الرغم من الاهتمام الذي أولاه العلماء المحدثون للخيمياء (الكيمياء القديمة)، فإن العديد من الأمور لا تزال محيرة أمام الدارس الجاد لهذا الموضوع.  وتشمل هاته القضايا المبهمة التعريف بمصطلح الخيمياء في الشرق و الغرب، إضافة إلى أصول العديد من النصوص الموجودة حاليا و مؤلفيها الحقيقيين، ثم ما ٱستخدمه الخيميائيون من طرق و أواني و لوازم.

هذا الغموض يفسره طابع السرية الغالب على هذا المجال، من خلال التلميحات و العبارات الخفية المعنى من مجاز و تشبيه، عبارات ٱستعملها الخيميائيون كثيرا من أجل الحفاظ على أسرار وخبايا الخيمياء، و ذلك لإبعاد غير المؤهلين عنه. فالخيمياء كانت دائما حكرا على الخيميائيين المتمرسين، اذ وصل مدى هذا الاحتكار الى اعتبار هذا المجال يلقن فقط من الخيميائي إلى المتمرس و ليس من الكتب.

هذا القدر من الصعوبة يتعاظم عند حديث المؤلفات الخيميائية عن جوانبها الخفية والسرية التي تتعلق أساسا بصنعة النفس (الروح)، حيث تحتل هاته الكيمياء التأملية النظرية مكانة مهمة في تطور تفكير الانسان النفسي و السيكولوجي، و التي لا يمكن إغفالها إذا ما رغب المرء في تقرير شامل عن الخيمياء. و لحساسية الموضوع، سيكون بحثنا منصبا أكثر على الجانب المادي الدنيوي للخيمياء، و خاصة تأثيرها على تطور الكيمياء الحديثة.

و على الرغم من هاته الصعوبات، سنعمل بحول الله لتسليط الضوء على أصول الكيمياء من خلال ما أتيح لنا من مصادر لهذا الموضوع، متوخين بذلك الحذر في نقل المعلومة السليمة لقرائنا الكرام، و متمنين أن تكون هذه البداية فقط للمهتمين بدراسة هذا الموضوع، و التعمق فيه أكثر من أجل ٱكتشاف خباياه والأساطير التي حكيت عنه.

و للحديث عن مسار التطور من الخيمياء إلي الكيمياء الحديثة، و حتى تكون كرونولوجيا المعلومات مبنية إلى حد ما، ٱرتأينا أنه سيكون من الأفضل البدء من عصور ما قبل التاريخ، حيث أن سعي الإنسان البدائي للبقاء إضافة إلى فضوله الطبيعي للاكتشاف، دفعاه إلى تعلم الكثير من الأشياء حول بيئته و الخصائص الفيزيائية لكل ما يحيط به مثل اللون، الشكل، الصلابة، الطعم، الوزن، و الرائحة… و الراجح أنه كان حينها على بينة بالتغييرات الطبيعية الفيزيائية التي تحدث حوله على غرار تحول الماء إلى جليد و العكس، إضافة إلى التحولات الكيميائية لأشكال المواد العضوية المتحللة، و كذلك عمليات احتراق الخشب و تحوله إلى رماد و فحم.

غير أن الإنسان البدائي لم تكن لديه حينها تفسيرات علمية لما يحدث حوله من ظواهر طبيعية، هذا ما يفسر أن المعلومات التي جُمعت و تُدوولت في هذا المجال وفي مجالات أخرى، تُنُوقلت من جيل إلى جيل عن طريق الذاكرة (الحكي)، أو عن طريق الملاحظة دون تفسير أو علم أو فهم للأسباب الحقيقية لهاته الظواهر، حيث نسبت جلها للقدرات الخارقة، الشيء الذي وضع الأسس الأولى لتفسيرات مصدرها الدين أو الخرافة.

و عندما حدث اللقاء الأول للإنسان البدائي في وقت مبكر مع النار، كان الطابع الأول هو الخوف حيث ٱستمر الأمر على هذا النحو طويلا. و لكن في وقت لاحق، تعلم الإنسان كيف يستخدمها و يستغلها لأغراضه اليومية (الطبخ و التدفئة)، إضافة إلى إجراء بعض التغييرات الفيزيائية و الكيميائية للمواد. و مع مرور الوقت، تعلم الإنسان البدائي كيف يتعامل مع مختلف المرافق بٱستخدام النار لإنتاج العديد من التغييرات الكيميائية عمدا. و في نهاية المطاف، و من خلال التجربة و الخطأ، تعلم الإنسان كيف يصنع الفخار و مواد البناء من الطين، كما تعلم صنع الزجاج، فصل المعادن من خاماتها، العمل بالنحاس و الرصاص والبرونز، ثم بعد ذلك تعلم العمل بالحديد.

إذن، هكذا كان تسلسل تفاعلات الإنسان مع بيئته و محيطه، و الغاية كانت دائما البقاء. هذا الهوس دفع الكثير من الحضارات الى تسخير إمكانياتها من أجل البحث و التطوير، الشيء الذي أدى إلى ظهور الخيمياء، فتعددت بظهورها الغايات. و هذا ما سنتطرق إليه في المقال المقبل بحول الله.

المراجع: