مجهر الفرميونات
يمكن تقسيم الجسيمات في الطبيعة إلى مجموعتين رئيستين حسب إحصائيات وجودها في المستويات الطاقية لذرة ما: الفِرميونات (نسبة إلى إحصائيات Fermi-Deric) والبوزونات (نسبة إلى إحصائياتBose-Einstein ). فبينما ينشغل ثلة من الفيزيائيين بدراسة الظواهر الكونية الماكروسكوبية، تنهمك أخرى في سبر أغوار الميكروسكوبية منها. ولكون هذه الأخيرة متناهية في الصغر، فمن الطبيعي أن يستعصي التعامل معها والحسم في تصرفها. في هذا الصدد، ابتكر فريق من الفيزيائيين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بقيادة البروفيسور ”مارتن زويرلين” مجهرا بإمكانه عزل وتجميد وتصوير حوالي 1000 ذرة فرميونية بفضل الليزر. في هذا المقال، نعني بالغازات ما فوق الباردة غازات مكونة من ذرات شديدة البرودة تناهز الصفر المطلق (أي 0 كلفين).
Jose-Luis Olivares/MIT
خلال العقدين المنصرمين، اهتم الفيزيائيون التجريبيون بدراسة الغازات ما فوق الباردة. ففي سنة 2009 قام الفيزيائي Markus Greiner من جامعة هارفرد بتصميم مجهر يصور بوزونات منفردة في ألياف بصرية جد صغيرة الأبعاد. وأتبعت هذه القفزة النوعية لاحقاً في سنة 2010 بمجهر ثانٍ للبوزونات أيضاً مطورٍ من قِبل فريق Immanuel Bloch بمعهد ‘ماكس بلانك للبصريات الكمية’. فكشفت هذه المجاهر بشكل غير مسبوق عن خاصيات البوزونات الخاضعة لتفاعلات بينية قوية. الشيء الذي لم يكن متوفراً بعد بالنسبة للفرميونات، فكان التحدي أكبر بكثير بالنسبة إليها. فبسبب طبيعتها الفرميونية، يصعب فهمها واستساغتها نظرياً. لذا يحاول الباحثون استعمال الغازات ما فوق الباردة كبديل عن باقي أنواع الفرميونات. لكن كون الذرات حساسة للضوء جعل أمر تصوير ذرات فريونية معزولة أمراً صعباً، إذ يسبب الضوء انتقال الدقائق من مكانها.
خلال العقود الأخيرة أيضاً، شهد تجميد الذرات تطوراً ملحوظاً إذ اقتربت المحاولات من الصفر المطلق (0 كلفين). فبتطوير تكثيف بوز-اينشتاين في سنة 1995 حصل 3 فيزيائيين على جائزة نوبل 2001. وهناك تقنيات أخرى تعتمد على الليزر لتبريد الذرات من حوالي C°300 إلى مقربة من الصفر المطلق بدقة تصل إلى بضع عشرات آلاف جزء من الدرجة. لكن، بالرغم من ذلك فهذه الدقة غير كافية للتمكن من رؤية الذرات بالشكل المطلوب.
ولهذا الغرض قام فريق زويرلين بتشكيل ليف بصري لأشعة الليزر فكونوا بذلك بنية تشبه علب البيض يُمكن كل تقعر منها من فصل فرميون وحيد على الأكثر. كما قاموا بوضع عدسة رقيقة على بعد حوالي سبع ميكرونات منها لتنهض بوظيفة التصوير. تعتمد هذه الطريقة على إرسال شعاعين لهما طول موجة مختلفين (يعادل الفرق بين تردديهما الفرق بين مستويين طاقيين للفرميون) على سحابة من الذرات الفرميونية بداخل الليف البصري، فيقومان بتبريد السحابة محدثين بذلك انشقاقات ذرية بشكل أحادي إذ تنتقل إلى مستوى طاقي أقل فأقل حتى ترد أدناها، حيث تكون باردة ومستقرة بما فيه الكفاية لتلزم مكانها. وفي الوقت ذاته، تحرر الذرة إشعاعاً ضوئياً يُلتقط بالمجهر فيحدد مكانه إثر ذلك، ومن ثم يموقع الذرة لتفوق طول الموجة نفسه.
مع هذه التقنية الجديدة يمكن تجريد وتصوير أكثر من 95% من الذرات الفرميونية المشكلة لسحابة من البوتاسيوم الغاز مثلا. ويضيف مارتن أن الغريب في الأمر أن التقنية تحافظ على الذرات هامدةً بعد التصوير “هذا يعني أنني أعرف أين هي، وأستطيع ربما أن أنقلها كيفما أشاء بواسطة ملقط متناه في الصغر، وأصُفها كما أريد”يقول زويرلين. كما أن هذا الإنجاز بإمكانه تحسين فهم كينونة وخصائص باقي فرميونات الطبيعة عامة، والإلكترونات بصفة خاصة مما سيتيح لاحقا فهم وتطوير موصلات الحرارة العالية التي تسمح بنقل الطاقة بدون تضييع الأنظمة الكمية التي لازالت في مهد نشأتها (أو نهضتها). ويشير زويرلين إلى أنه بفضل هذا المجهر نخطو خطوة مهمة نحو حاسوب كمي معتمد أساساً على الفرميونات، مما سيزيل الحواجز الكمية أمام فهم الأنظمة الإلكترونية.
كما تجدر الإشارة إلى أن بحوثاُ مماثلة أفصح عنها من جامعة هارفارد وأن strathclyde تعتمد نفس المبدأ تقريباُ.
المصدر: معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا