تخيل أنك في صحراء قاحلة في يوم شديد الحر وقد بلغ منك العطش أشده، تلمح على بعد أميال منك بركة ماء، فلما تقترب منها بخطوات سريعة لا تجد إلا ما تعودت رؤيته طوال الطريق: الرمال.
لم يتبخر الماء، كما أنك لا تهلوس، بل ما لاحظته في البداية لم يكن بالماء، إنما هي خدعة بصرية تدعى السراب.
فما هو التفسير العلمي لهذه الظاهرة؟
قبل الإجابة عن السؤال أعلاه، لنتطرق أولا لبعض خصائص الضوء؛
تختلف سرعة الضوء في الفراغ عن سرعته في الماء والهواء. حيث يأخذ الشعاع الضوئي وقتا أكبر للتنقل في وسط فيزيائي كثيف بالمقارنة مع وسط فيزيائي أقل كثافة، و ذلك راجع إلى ارتفاع إمكانية تفاعل الشعاع الضوئي مع الذرات الموجودة في الوسط الكثيف نسبيا. و بالتالي فإن تنقل الضوء في الهواء أسرع من تنقله في الماء، لكن ما الذي يعنيه هذا وما علاقته بظاهرة السراب؟
للإجابة على هذا السؤال، سنقوم بإنجاز التجربة التالية: حيث نرسل حزمة ضوئية، وفق مسار مائل نسبيا، باتجاه إناء به ماء.
سيصل الجزء الأسفل من الحزمة الضوئية أولا للماء (بما أنها منحرفة)، الشيء الذي يعني أن سرعة جزئها الأسفل ستتباطأ، في حين يظل جزؤها الأعلى ينتقل بنفس السرعة إلى حين انتقاله للوسط المائي.
و بالتالي فإن اتجاه الحزمة الضوئية يختلف عند انتقالها من وسط فيزيائي لأخر، مُعامِلا انكسارهما مختلفان.
تمثل الصورة أعلاه ظاهرة انكسار الضوء عند انتقاله في وسطين مُعامِلا انكسارهما مختلفبن.
معامل انكسار وسط ما هو حاصل قسمة قيمة سرعة الضوء في الفراغ على قيمة سرعته في الوسط المدروس. و يمكن حساب زاوية انحراف الضوء بالعلاقة التالية:
حيث n تمثل معامل انكسار الوسط الأول، و ‘n معامل انكسار الوسط الثاني، i هي زاوية الورود، و ‘i هي زاوية الانكسار.
خلاصة جزئية/مثال:
الضوء الذي تعكسه فرشاة للصباغة موجودة في كأس من الماء ينتقل في الماء أولا و الزجاج ثانيا ثم الهواء. أي أن اتجاهه سيتغير نظرا لانتقاله في ثلاثة أوساط معاملات انكسارها مختلفة. و هكذا فإن ظاهرة انكسار الضوء تخدع العين المراقبة.
لكن ما علاقة انكسار الضوء بالسراب؟
تنتج الخدعة البصرية “السراب” بعد حدوث ظاهرة انكسار الضوء عبر الهواء عند درجات حرارية مختلفة.
الهواء البارد أكثر كثافة من الهواء الساخن، و بالتالي فإن معامل انكساره سيكون أكبر. وهذا يعني أنه عندما ينتقل الضوء من الهواء البارد إلى الهواء الدافئ، ستتغير سرعته، كما سيتغير اتجاهه، و سينحني نحو الهواء الأكثر كثافة، أي البارد.
كلما كان الهواء أقرب إلى الأرض،كلما ارتفعت درجة حرارته ذلك لان الشمس تقوم بتسخين السطح لدرجات حرارة عالية، ليسخن السطح بدوره الهواء المحيط. و بما أن الضوء سينحني نحو الهواء الأكثر كثافة (البارد)، فإنه سينتقل بعيدا عن الأرض. وهكذا فإن الضوء سيتبع مسارا منحنيا من السماء في اتجاه عين المشاهد. و يأتي الوهم لأن الدماغ البشري يفترض أن الضوء ينتقل وفق مسار مستقيمي انطلاقا من السطح، في حين أن ما يراه المشاهد ما هو إلا انعكاس لصورة السماء.
الصورة أعلاه تمثيل لاتباع الضوء مسارا منحنيا من السماء في اتجاه عين المشاهد.
.نعم، قد تخدعك حواسك بتواطؤ كامل مع قوانين الفيزياء.