في أحد أيام سنة 1976 سأل طبيب الأمراض العقلية “فيليب ماي” زميله في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلس سؤالا غريبا: “لماذا لا يصاب نقار الخشب بالصداع؟”. كان “ماي” متخصصا في علاج الفصام، لكنه أراد أن يعرف لماذا لا يصاب حيوان يضرب رأسه مرارا وتكرارا بجذع شجرة، بسرعة 16 ميلا في الساعة، بتلف في الدماغ؟
بدأ “ماي” بحثه على زوج من طيور نقار الخشب استعارهما من اختصاصي في علم الحيوان. وعند دراسة تشريح الجمجمة لاحظ مع معاونيه وجود عظم إسفنجي في مقدمة الجمجمة، اعتقدوا أنه يلعب دور ماص للصدمات. يتوفر نقار الخشب كذلك على عظم يسمى العظم اللامي hyoid bone الذي يدعم اللسان ويلتف حول رأس الطائر. جادل باحث لاحقا أن هذا العظم يلعب دور صمام أمان بالنسبة للدماغ.
كما توصل الفريق إلى أن دماغ نقار الخشب ملتصق بالجمجمة تاركا فراغا صغيرا للتحرك ضمن السائل الدماغي النخاعي تماما كما يحدث بالنسبة لدماغ الإنسان. لكن، وكما هو الشأن بالنسبة لاكتشافاتهم الأخرى، لم يكن واضحا ما إذا كانت هذه الميزة خاصة بنقار الخشب أو أنها مشتركة بين عدة طيور بما فيها تلك التي لا تستعمل منقارها بنفس طريقة نقار الخشب.
لتوضيح الأمر قام فريق من الباحثين الصينيين يقوده “ليزهن وانغ”، سنة 2001، بمقارنة رأس نقار الخشب الكبير المبقع مع رأس طائر القبرة “Skylark” المتميز بنفس الحجم فلاحظ الباحثون أن عظام نقار الخشب أقوى ودماغه في وضع أريح ومنقاره أكثر مرونة.
لكن تخمينات “ماي” ليست كلها صحيحة. فهو يدعي مثلا، من خلال شرائط صورها في نهاية السبعينات، أن نقار الخشب يبقي منقاره عموديا على المساحة التي يدقها لتفادي قوى التشوه والقص، التي يعتقد أنها تتسبب في ارتجاج المخ عند الإنسان. إلا أنه في الواقع، وجد “وانغ” أن مسار منقار نقار الخشب يكون مقوسا. والأهم أنه مهما كان مصدر مرونة دماغ نقار الخشب فإنه ليس محميا تماما من التلف.