كيف انتقلت المعرفة الإسلامية إلى الغرب ؟
في الوقت الذي لم تبد فيه الحملات الصليبية أي اهتمام بالتبادل الثقافي و العلمي قدر اعتمادها على الأنشطة الاقتصادية في أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط، إلا أن نشر المعرفة الإسلامية بطريقة منهجية حدث في البلاد الحديثة بالإسلام لصقلية و جنوب إيطاليا و قبلها إسبانيا. فحين سقطت بالرمو سنة 1072م على أيدي النورمان الذين أنهوا حكم المسلمين بها وسيطروا على صقلية، حيث حكموا بعد ذلك، ومن تلاهم من الهوهنستوفيين، صقيلية و جنوب إيطاليا حتى عام 1250م، ففي حكم الأمير الهوهنستوفي، أسس هذا الأخير جامعة نابولي كما أسس مدرسة في قصره، وجلب إليها علماء مسلمين و يهود و مسيحيين لترجمة المؤلفات المهتمة بالعلم و المعرفة إلى اللاتينية.
أما في شبه الجزيرة الإيبيرية، فقد شهدت المنطقة أكبر عملية نقل للمعرفة الإسلامية إلى الغرب، حيث كانت الرغبة أساسا في الاستفادة من ثقافة و أسلوب حياة المسلمين، إضافة إلى أهداف عسكرية تتجلى في تطوير الجيش من حيث ٱستراتيجيياته و تجهيزه. هذه الأنشطة التي كانت تتم برعاية الملوك و الأساقفة بتعاون مع العلماء المسلمين و غيرهم، فكما ترجمت العديد من الأعمال مباشرة للاتنية، إلا أن العديد من الأعمال ترجمت أولا إلى العبرية و بعدها إلى اللاتنية، كما ترجمت الأعمال من الإغريقية إلى العبرية عبر السريانية كلغة وسيطة، كان ذلك في بغداد قبل ذلك بقرون.
و مباشرة بعد فتح طليطلة عاصمة مقاطعة قشتالة، ظهرت أشهر مصادر الترجمة إلى الوجود سنة 1130م، حيث قام رئيس الأساقفة المعين حديثا ريموند Raymond بتأسيس مركز للترجمة في بلاطه، فاستقدم إليه العديد من العلماء البارزين كروبرت الشستري و جيرار الكريموني و غيرهم كثر، فكان ريموند، الذي يشغل في الآن ذاته مستشارا لملك قشتالة ألفونسو السابع الذي حكم بين سنتي 1157-1126م، يرعى أكبر حملة ترجمة تمت في مركزه الذي أطلق عليه إسم “مدرسة مترجمي طليطلة Colegio de traductores toledanos” ، لتصبح قشتالة مركزا ٱنتشرت منه المعرفة إلى القارة الأوروبية.
و لعل أهم الأسماء إنتاجا و شهرة، نذكر جيرارد الكريموني (1187-1114م) الذي كان يعمل مع فريق من اليهود و المسيحيين الإسبان، حيث ساعده أيضا إتقانه للغة العربية في ترجمة العديد من الكتب في الفلسفة و الفيزياء و الرياضيات و الكيمياء و الهندسة و الفلك، إلى أن وصل رصيده لقائمة تضم سبع و ثمانين كتابا ترجمها إلى اللاتينية. و هكذا أصبحت كتب العلماء المسلمين الأكثر تداولا في أوروبا أواخر العصور الوسطى، لدرجة أن العديد من أسماء العلماء المسلمين ٱصطبغت باللاتينية، فأصبح ٱبن سينا “Avicenna” وابن رشد “Averroes”، و ابن الهيثم “Alhazen”، و البتاني “Albatinus” وغيرهم كثر.
في المقالات المقبلة سنتحدث عن مظاهر استفادة الغرب مما توصل إليه العلماء المسلمون، وبالتالي إسهامهم في بناء و تطوير الفكر في مجالات عدة: كالهندسة والرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و الفلك و الحرف..، علوم سنتطرق لكل واحد على حدة في مقالاتنا المقبلة بحول الله.
المراجع:
Science and Engineering in the Arab-Islamic civilization, written by Donald R. Hill, world of knowledge .305 in July 2004
William Montgomery Watt., The influence of Islam on Medieval Europe, Edinburgh University Press, Edinburgh, 1972. ISBN-13: 978-0748605170