فيزياء الحياة -الجزء الأول-
ليس فقط علماء البيولوجيا من يسعون جاهدين لفهم سر الحياة والبحث في أعماقها وفهم مكنوناتها، فالفزيائيون بدورهم يسعون إلى ذلك، بمجموع البحوث القائمة في هذا الاتجاه، ففهم المادة الحية يبقى مبتغى جميع الفاعلين في الميدان العلمي، حيث نرى الفيزيائين يبحثون في مكنون المادة النشطة ‘active matter’. فطريقة احتشاد الطيور في موسم الهجرة أو تجمع المادة يدعو الفيزيائيين إلى البحث عن نظرية تمكنهم من حل جميع الظواهر، وفهم جميع الإشكاليات، والبحث عن النظرية الأساسية للعالم الحي.
في بادئ الأمر، أخذ زفونيمير دودجيك وطلابه الأنيببات الدقيقة “microtubules” (بروتينات تدخل في التركيبة الأساسية لهيكل الخلية) وخلطها بالكينيزين، بروتينات تتحرك على الأنيبيبات الدقيقة بشكل شبيه بحركة القطار على السكة الحديدية. قام الباحثون بتعليق قطرات منها على الزيت وتدعيمها بالجزيئة الطاقية المعروفة باسم الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP).
اندهش الفريق من النتائج الملاحظة، فقد انتظمت الجزيئات في أنماط على نطاق واسع، ملتفة على سطح كل قطرة. يقول دودجيك، عالم فيزيائي في جامعة برانديز في والتهام بولاية ماساتشوستس، أن هذه الحزم من الأنيبيبات المرتبطة بالبروتينات “تتحرك معا كشخص مرفوع على أكتاف حشد من الناس”.
بفضل هذه التجربة، صنع فريق دودجيك نوعا جديدا من البلور السائل. وعلى عكس الأشكال الاعتيادية للبلورات السائلة، التي تكون بشكل سلبي أنماطا معينة استجابة للمجال الكهربائي، فإن مركبات دودجيك نشطة. فهي توجه نفسها مستعملة الطاقة المأحوذة من المحيط، وهي في هذه الحالة جزيئات ATP. كما أنها تكون تلقائيا أنماطا بفضل السلوك الجماعي لآلاف الوحدات التي تتحرك فرديا.
هذه هي السمات المميزة للنظم التي يسميها الفيزيائيون المادة النشطة، التي أصبحت موضوعا رئيسا للبحث في السنوات الأخيرة. كثيرة هي الأمثلة في الطبيعة، كالتجمعات المتناسقة للطيور وتكوين هياكل الخلايا لبنيات خاصة.
المدخل الأول: سر الحياة
يأمل الباحثون أن تفضي هذه الأعمال إلى النظرية الكمية للمادة النشطة، كاملة من جميع الجوانب، التي ستبنى على النظرية القديمة للميكانيكا الإحصائية والتي تشرح كيف لحركة الذرات والجزيئات أن تثير العديد من الظواهر اليومية كالحرارة والضغط،. يمكن الذهاب أبعد من ذلك، وتوفير إطار رياضي للعمليات البيولوجية التي لا تزال لحد الآن غامضة، مثل كيفية تحرك الجزيئات داخل الخلايا، أو كيف تخلق هذه الأخيرة وتحافظ على شكلها أو كيف تقوم بالانقسام.
يقول سريرام راماسوامي، فيزيائي ومدير معهد تاتا لمركز البحوث الأساسية في حيدر أباد في الهند، “نريد نظرية الميكانيكا والإحصاءات للمادة الحية مع حالة تعادل ما تُوصل إليه وجُمع”.
وتبقى المخيلة كذلك حرة في تفكير في تطبيقات تمكن من التجميع الذاتي للأنسجة الاصطناعية، وأجهزة الضخ الذاتي المايكروفلويديك. مع ذلك فالباحثون يقرون بأن هذه الأفكار لا تزال بعيدة المنال. ويضيف أندرياس باوش، الفيزيائي في الجامعة التقنية في ميونخ بألمانيا، أنه من السابق لأوانه أن يكون هناك تطبيق لأننا لا زلنا مندهشين مما يمكنه أن يقع.
المصدر: نيتشر