وراء التفشي غير المسبوق للإبولا Ebola في غرب إفريقيا يقف نوع ذو قدرة رهيبة على إصابة مضيفه، إنه Zaire ebolavirus، المنتمي لفصيلة الممرضات الخيطية Filoviridae. تدين هذه الفيروسات بقدرتها لآليات تعمل على إيقاف الاستجابة المناعية ثم تفكيك الجهاز الوعائي. ينتشر الفيروس بسرعة جعلت الباحثين يعانون لتحديد تسلسل الأحداث في خضم التفشي الوبائي للفيروس. لا تزال أمور كثيرة غير معروفة، من بينها أدوار بعض البروتينات السبعة التي ينتجها RNA الفيروسي اعتمادا على خلايا المضيف، ونوع الإستجابة المناعية اللازمة للقضاء على الفيروس قبل أن ينتشر في الجسم.
ما تأثير إيبولا على الجهاز المناعي؟
بعد دخوله إلى الجسم يستهدف الفيروس مجموعة من الخلايا المناعية التي تشكل خط الدفاع الأول ضد الاجتياح. يهاجم الفيروس الخلايا التغصنية dendritic cells، التي تعرض على سطحها إشارات تدل على وجود عدوى لتنشيط اللمفاويات T- خلايا الدم البيضاء التي يجب أن تقتل الخلايا المعفنة الأخرى قبل أن يتكاثر الفيروس بداخلها. مع فشل الخلايا التغصنية في نقل الرسالة للمفاويات T، فإن هذه الأخيرة لا تستجيب للعدوى، ونفس الشيء يحدث لمضادات الأجسام التي تعتمد في تنشيطها على هذه الخلايا. وهكذا يبدأ الفيروس بالتكاثر فورا وبشكل سريع.
يعمل إبولا، ككثير من الفيروسات، على كبح الأنتفيرون interferon، وهو نوع من الجزيئات لإيقاف استمرار تكاثر الفيروس. ففي دراسة جديدة نشرت في Cell Host & Microbe، وجد الباحثون أن أحد بروتينات الفيروس، المسمى VP24، يرتبط ويكبح بروتينا على سطح الخلايا المناعية يلعب دورا مهما في المسار الخلوي للأنترفيرون. لا تتعرض اللمفاويات بحد ذاتها للعدوى، لكن مجموعة من العوامل كعدم تنشيطها من طرف بعض الخلايا وتسممها بسبب البعض الآخر، يمنع هذه اللمفاويات من القيام بأية استجابة مناعية.
كيف يتسبب إيبولا في النزيف الدموي؟
عندما ينتقل الفيروس عبر الدم إلى أماكن أخرى في الجسم، تقوم خلايا أخرى تسمى البلعميات الكبيرة ببلعمته. وبعد إصابتها تحرر بروتينات مسببة للتخثر مما يؤدي إلى تكون جلطات على طول الشعيرات الدموية وبالتالي نقص في تزويد الأعضاء بالدم. تنتج هذه الخلايا كذلك بروتينات أخرى، تسمى “وسائط التهابية” وأوكسيد النتريك، التي تتلف الغشاء الداخلي للأوعية الدموية التي تصبح نفاذة.على الرغم من أن هذا التلف من بين الأعراض الرئيسة للعدوى إلا أنه لا يظهر على جميع المرضى أي نزيف خارجي.
هل يستهدف الإيبولا أعضاء معينة؟
يحدث الإيبولا التهابا واسع النطاق وحمى، كما يمكنه اتلاف مجموعة من أنسجة الجسم إما عن طريق حث الخلايا المناعية كالبلعميات الكبيرة على تحرير وسائط التهابية أو عبر الإتلاف المباشر أي مهاجمة الخلايا وإتلافها من الداخل. لكن الكبد هو العضو الأكثر تضررا، حيث يقتل الإيبولا الخلايا الضرورية لإنتاج بروتينات التخثر ومكونات أخرى أساسية للبلازما.
تتسبب الأضرار التي يحدثها الفيروس في خلايا الجهاز الهضمي في الإسهال المسبب للجفاف عند المريض. وعلى مستوى الغدة الكظرية يعطل الفيروس الخلايا المنتجة للستيرويدات المنظمة للضغط الدموي، ممى يؤدي إلى تعطيل الجهاز الدوراني وبالتالي افتقار الأعضاء للأكسجين.
ما الذي يقتل مريض الإيبولا في نهاية المطاف؟
تحدث أضرار على مستوى الأوعية الدموية مما يعني انخفاضا في الضغط الدموي، فيموت المريض تحت تأثير الصدمة والفشل المتعدد للأعضاء.
لماذا ينجو بعض الأشخاص رغم إصابتهم بالعدوى؟
يتحسن حال المرضى مع وجود رعاية صحية تتضمن تعويض السوائل عن طريق الفم أو الحقن الوريدي، الشيء الذي يمكن الجسم من ربح الوقت لمكافحة الفيروس. لكن دراسة أجريت على عينات دم مرضى خلال تفشي سلالة مختلفة سنة 2000 بأغندا كشفت عن وجود مورثات قد تكون مؤشرا على النجاة. يتوفر الناجون على مستويات عالية من الخلايا T المحسسة (منشطة) في دمهم، كما يتوفرون على حليلات (شكل من أشكال المورثة) ترمز لبروتينات غشائية تستخدمها خلايا الدم البيضاء للتواصل.
توصل باحثون في وقت سابق هذه السنة إلى وجود رابط بين النجاة من العدوى ومستويات بروتين يسمى sCD40L ينتج من طرف الصفيحات الدموية ويمكن أن يكون جزءا من محاولة الجسم لإصلاح الأضرار على مستوى الأوعية الدموية. يذكر الباحثون أن هذا البروتين يمكن أن يساعد على وضع علاجات جديدة تعتمد على تعزيز القدرة على إصلاح الأضرار عند المرضى وهو أمر ضروري لمحاربة الفيروس.