عندما كان العالم يحتفل بذكرى رأس السنة الميلادية الجديدة، كانت الفيزياء تحتفل بذكرى أحد أهم الأعمال العلمية للقرن العشرين: توحيد المغناطيسية والكهرباء والضوء من طرف الفيزيائي الكبير جيمس كليرك ماكسويل.
تحرير أسامة الحمزاوي/
مع قطرات المطر الأولى في سماء لندن، جمع جيمس كليرك ماكسويل في حقيبته ورقته البحثية الكاملة التي نشرت مؤخرا في المجلة العلمية الشهيرة “نقاشات فلسفية” (Philosophical Transactions) الصادرة عن مجموعة الرويال سوسايتي (Royal Society) البريطانية. ماكسويل جد فخور بعمله لأنه يعلم أن نظرية الكهرمغناطيسية التي طورها ستشكل قفزة كبيرة في مجال الفيزياء، كما عبر عن ذلك في رسالة مطولة بعثها لأحد أقربائه.
أكد المستقبل صحة نبوءة ماكسويل العلمية. فبعد إعادة صياغة نظريته على شكل أربع معادلات بسيطة (معادلات ماكسويل) أصبحت نتائج أعماله حجر ارتكاز لجميع التقنيات الكهربائية والمغناطيسية للقرن العشرين، بدءا بالاتصالات ووصولا إلى أجهزة الرادار. كما أن أينشتين نفسه اعتمد عليها عندما بدأ العمل على نظرية النسبية. والأهم من ذلك أن فلسفة عمل ماكسويل التي تهدف إلى توحيد الكهرباء والمغناطيسية والضوء أشعلت شرارة ظاهرة توحيد القوى الأساسية في الطبيعة والتي لازالت المطلب الأكبر لعلماء الفيزياء النظرية ليومنا هذا.
مباشرة بعد تخرج ماكسويل من جامعة كيمبريدج في 1854، بدأت أولى أفكاره تكبر في دماغه بسبب الاكتشافات والتجارب التي عرفها العالم بخصوص الظواهر الكهربائية والمغناطيسية.
ففي كوبنهاجن، لاحظ أورسته (Oersted) في 1820 أن مرور تيار كهربائي في سلك يؤدي إلى انحراف البوصلة. بعد عقد من ذلك، بين فاراداي أن تحرك مغناطيس يؤدي إلى نشوء تيار كهربائي. يظهر جليا وجود صلة وثيقة بين هاتين الظاهرتين، ماهي؟
عرفت تلك الفترة ازدهار نظريتين متناقضتين. حيث عمل على الأولى أمبير (Ampère) و غوس (Gauss) وتعتمد على معادلات رياضياتية لنمذجة قوى التأثير البيني للشحن الكهربائية والمغناطيسية. وفي لندن، كان فاراداي يتخيل وجود خطوط للجهد الكهربائي والمغناطيسي في وسط يملئ الفضاء.
تتبع ماكسويل بكل حماس أعمال فاراداي خصوصا أن النظرية الموجية للضوء كانت تفترض انتشار هذ الأخير عبر وسط يسمى الأثير. وانطلق ماكسويل من سؤال بسيط: هل يمكن التعبير عن خطوط فاراداي عبر معادلات رياضياتية؟ للوصول إلى جواب على سؤاله، كان على الفيزيائي الشاب التعامل مع مفهوم جديد وقوي: المتجهات.
بإلهام من أعمال ثومسون (لورد كيلفين)، تصور ماكسويل هذه الخطوط مثل موائع غير قابلة للانضغاط داخل أنابيب وهمية. كلما كان التدفق كبيرا كانت القوة الكهربائية أو المغناطيسية كبيرة في نقطة معينة. مكنت هذه المقارنة الباحث من الوصول إلى معادلات معروفة في مجال علم السكون (الاستاتيكا). ولكن اعتماد ماكسويل على المتجهات لتمثيل “التدفق” الكهربائي أو المغناطيسي أدى إلى إدخال مفهوم الحقل في الفيزياء، والذي يصف تغيرات بعض المعطيات في الفضاء حسب موضعها.
وفي 1856، توصل ماكسويل بالاعتماد على الإمكانيات الهائلة للحساب المتجهي لنمذجة العلاقة القوية التي تربط بين التيار الكهربائي والقوى المغناطيسية. كما استطاع حساب سرعة الضوء باعتباره موجة كهرمغناطيسية ووجد من خلال النموذج الرياضياتي الذي عمل عليه سرعة 310740 كيلومترا في الساعة.
لتحسين نظريته، عمل ماكسويل على إعادة صياغتها عبر مبادئ الديناميكا فقط وعرض نتائج بحثه في دجنبر 1864 على الرويال سوسايتي (Royal Society) كما نشر ورقة علمية تشمل تفاصيل أعماله شهرا بعد ذلك. وأتبع ماكسويل هذا البحث بكتاب هائل عن الكهرمغناطيسية من ألف صفحة ظهر في 1873.
المصدر: مجلة علوم وحياة الفرنسية، عدد يناير 2015.