سيظل اسم جابر بن حيان مسطرا بحروف من نور فى سجل العلماء المسلمين، الذين أناروا للبشرية طريقها العلمي باكتشافاتهم، فهو واحد من أبرز العلماء فى علم الكيمياء، حتى عرف بين أقرانه بأنه «أبو الكيمياء»، و«شيخ الكيميائيين المسلمين»، وترجمت بعض أعماله إلى اللاتينية، وانتشرت على نطاق واسع بين الكيميائيين الأوروبيين فى العصور الوسطى، ومن أشهرها كتاب «الرسائل السبعين»، الذى تضمن سبعين مقالا حول أهم تجاربه فى الكيمياء والنتائج التى توصل إليها. إن التحدث عن مثل هذا العالم العبقري لا يكفيه مقال أو كتاب، فهذه مُجرد نبذة لا تُحسب حصراً لجُزء من حياة هذا العالم الجليل الحافلة بالفخر و الإنجازات بلا مبالغة.
وُلِدَ أبو موسى جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي في (طوس)، واستقرَّ في بغداد بعد قيام الدولة العباسية،103 هـ – 721م، تعمق جابر في الكثير من العلوم وبرع فيها كالفلسفة، والمنطق، والطب، والرصد، والرياضيات، والكيمياء، والميكانيك، والفلك، وسواها من المعارف الإنسانية، إلاَّ أنَّ شهرته بالكيمياء طغت عليه وعرف بها، فقال عنه Berthelot برتيلو: “ إن لجابر في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق” .
كان ابن حيان أول من مارس الكيمياء عمليًا، فهو أول من اعتمد المنهج التجريبى المخبري لدراسة الطبيعة دراسة علمية دقيقة؛ فأدخل عنصرى التجربة والمعمل، فلقد قطع جابر خطوة أبعد مما قطع اليونان في وضع التجربة أساس العمل لا اعتمادًا على التأمل الساكن، فيقول: “ومِلاكُ كمال هذه الصنعة العملُ والتجرِبة؛ فمَن لم يعمل ولم يُجَرِّب لم يظفر بشيء أبدًا” وتكاد الإجراءات التي كان يتبعها في أبحاثه تطابق ما يقوم به المشتغلون بالمنهج العلمي اليوم؛ وتتلخص إجراءاته في خطوات ثلاث:
- الأولى: أن يأتي الكيميائي بفرض يفرضه من خلال مشاهداته، وذلك حتى يفسر الظاهرة التي يريد تفسيرها.
- الثانية: أن يستنبط مما افترضه نتائج تترتب عليه نظريًا.
- الثالثة: أن يعود بهذه النتائج إلى الطبيعة ليتثبت ما إذا كانت ستصدق على مشاهداته الجديدة أم لا؛ فإن صدقت تحولت الفرضية إلى قانون علمي يُعوَّل عليه في التنبؤ بما يمكن أن يحدث في الطبيعة إذا توافرت ظروف بعينه
وقد سُمِّيَ علم الكيمياء باسم جابر بن حيان؛ فقيل: “صنعة جابر”،فهو يُعَدُّ أوَّل من استخرج حمض الكبريتيك بالتقطير من الشَّب، وأول من اكتشف الصودا الكاوية، وحضَّر أكسيد الزئبق، وحمض النتريك؛ أي ماء الفضة ودرس خصائص مركبات الزئبق واستحضرها، واستخرج نترات الفضة وثاني كلوريد الزئبق (السليماني)، وحمض النتروهيدروكلوريك (الماء الملكي)، وسُمِّي كذلك لأنه يذيب الذهب ملك المعادن.
كما امتدت إنجازاته إلى تحضير الفلزات وتطوير صناعة الفولاذ، وإلى الصباغة والدباغة وصنع المشمعات واستخدام أكسيد المنغنيز لتقويم الزجاج ، ومعالجة السطوح الفلزية لمنع الصدأ، وتركيب الدهانات وكشف الغش في الذهب باستخدام الماء الملكي، وتحضير الأحماض بتقطير أملاحها. ومن استنتاجاته أن اللهب يُكسِب النحاس اللون الأزرق، بينما يكسب النحاس اللهب لونًا أخضر. وهو أول من فصل الذهب عن الفضة بالحل بوساطة الحمض، وشرح بالتفصيل عملية تحضير الزرنيخ، وتنقية المعادن.
ويُعَدُّ كتاب (السموم ودفع مضارها) أشهر مؤلفات جابر ويقع في خمسة فصول، وفيه قسَّم السموم إلى حيوانية ونباتية وحجرية، وذكر الأدوية المضادة لها وتفاعلها في الجسم، وهذا الكتاب يعتبر همزة وصل بين الطب والكيمياء. ومن أشهر كتبه أيضًا كتابه (الخواص الكبير)، ونسخته الأصلية موجودة في المتحف البريطاني. وله أيضًا كتاب (التدابير)، وتعني العمل القائم على التجربة، وكتاب (الموازين)، وكتاب (الحديد) وفيه يصف جابر عملية استخراج الحديد الصلب من خاماته الأولى، كما يصف كيفية صنع الفولاذ بوساطة الصهر بالبواتق. ومن كتبه كذلك (نهاية الإتقان) وهو مؤلف رائد في الكيمياء، ورسالة (في الأفران).
كما ألَّف كتاب (السبعين) والذي يشمل سبعين مقالة حول أهم تجاربه في الكيمياء والنتائج التي توصل إليها، ويمكن اعتباره خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره. وله كذلك كتاب (الرحمة) ألَّفه في الخيمياء وتطرق فيه إلى إمكانية تحويل المعادن إلى ذهب، وكتاب (الجمل العشرون) و(أسرار الكيمياء) (وأصول الكيمياء)، وهذا غير مؤلفات أخرى في الرياضيات والفلسفة والشعر، وقد ترجمت بعض كتبه إلى اللاتينية مثل كتاب السبعين وكتاب الرحمة، وهناك كتب له باللاتينية لم يتم العثور على أصولها العربية، مثل: (البحث عن الكمال) و(كتاب العهد) و(كتاب الأتون)
توفي العلامة البارزة والفارقة “أبو الكيمياء” جابر بن حبان سنة ( 200هـ/ – 815م)
المصادر : 1
مصدر الصورة : Wikipedia