يؤدي استئصال البنكرياس إلى ظهور أعراض مرض السكري، لكن هل هذا كاف للقول بأنه العضو الوحيد الأساس في ضبط مستوى السكر في الدم؟ أليس في الإمكان أن يكون هناك عضو آخر يساهم بدوره؟ لنقل، مثلا، أن المادة المسؤولة عن ذلك الضبط تصنع في عضو آخر ثم يتدخل البنكرياس بالتعديل أو شيء آخر.
كيف سيتم التأكد من ذلك؟ وما هي المراحل التجريبية لهذا الكشف؟ ثم من قام به؟
كل هذا في تفاصيل حلقتنا الثالثة: “فكرة ألمعية”.
يوفر البنكرياس للجسم، على الأقل، وظيفتين: إفراز عصارة هضمية، وأخرى تضبط نسبة السكر في الدم. في أكتوبر من سنة 1920، بالتحديد في تورونتو بكندا، افترض كل من الدكتور الجراح فريدريك بانتنغ ومساعد له إمكانية تأثير الإفراز الخارجي، المتمثل في العصارة الهاضمة، على الإفراز الداخلي المتمثل في المادة المجهولة للقيام بتجربة ذكية. تتلخص التجربة في القيام بربط قنوات البنكرياس، ما سيؤدي إلى ضموره، وبالتالي زوال تأثير العصارة الهاضمة والاقتراب أكثر من المادة المفتاح سليمة أثناء محاولة العزل.
انتقل بانتنغ بفكرته إلى دجون ماكلويد من جامعة تورونتو، الذي أفسح له، إلى جانب مساعد يقال له تشارلز بيست، مختبرا بإمكانات محدودة مع 10 كلاب. قام الأخيران بتأكيد دور البنكرياس في ظهور مرض السكري، حيث ظهرت أعراضه، لدى كلب مباشرة بعد إزالة جراحية للعضو. جاء دور التجربة المميزة، حيث قاما بربط القنوات كما افترضا، وبعد ضمور العضو قاما بتدخل جراحي لإزالته. بعد ذلك قاما بتقطيعه، ثم تعريضه للبرودة في خليط من الماء والأملاح إلى أن يصير نصف جامد، ثم قاما بطحنه و تصفيته.
حقن المستخلص لكلب مصاب بداء السكري فكانت المفاجأة: اختفت الأعراض، وأصبح الكلب أكثر صحة، بل وبعدة حقن يومية تمكنا من الحفاظ عليه في صحة جيدة لمدة من الوقت.
هامش: نستطيع القول بأن الفرضية كانت متقنة إلى درجة كبيرة، إذا علمنا أن التقدم العلمي أثبت أن العصارة الهاضمة التي يفرزها البنكرياس تحوي العديد من الأنزيمات (التريبسين والكيموتريبسين…) المتخصصة في هدم البروتينات، وبالتي الأنسولين ذي الطبيعة البروتينية. هذا يفسر السبب الذي أدى إلى غياب أنسولين فموي إلى حدود الساعة.
<<السابق سلسلة: “في أثر الأنسولين” التالي>>