المغرب العلمي

سلسلة التطور (الحلقة الخامسة): دلائل من علم الأجنة

قدم علم الأحياء النمائي التطوري أدلة جديدة على التاريخ التطوري للكائنات، من خلال دراسة الأجنة وآلية نموها وتشكلها، كما ساعد على فهم العلاقة ما بين الكائنات وبين أسلافها. يقول جوليان هيكسلي (1942) عالم الأحياء التطوري: “إن دراسة تأثير المورثات في نمو وتشكيل الأجنة يمنحنا فهما أفضل لآلية التطور، شأنه شأن الطفرات والانتقاء الطبيعي”. 

    منذ أول دراسة للأجنة قام بها أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد، ظل علم الأجنة مقتصرا على الدراسات الوصفية إلى حدود ظهور نظرية التطور وعلم الأحياء الجزيئي، حيث ظهر علم الأحياء النمائي التطوري (Evolutionary Developmental Biology أو evo-devo)، الذي يهتم بدراسة أصل عملية النمو الجنينية ومراحلها، ودور آليتها في التطور، وقد أظهرت دراسة أجنة مختلف الحيوانات كالبشر والقطط وغيرها، العديد من أوجه التشابه في عملية نموها، خصوصا في المراحل الأولى، وتسمى بالتشابهات النمائية وتعتبر أدلة على التاريخ التطوري للأنواع، والتي يستخدمها علماء الأحياء لبناء أشجار التطور.

الصورة  في الأعلى لجنين بشري عمره حوالي 32 يوما، بينما الصورة في الأسفل تظهر جنين القط في مراحلة الأولى. يظهر لنا التشابه الكبير بين الأجنة.

    على سبيل المثال، عند فحص أجنة الزواحف والطيور والثدييات (بما في ذلك الأجنة البشرية)، خلال المراحل الأولى من نموها، نجد أنها تمتلك صفات عديدة مشتركة مثل الذيول والأقواس (Pharyngeal Slits)،  أو الشقوق الخيشومية (الأقواس البلعومية الفقارية) مشابهة للشقوق الموجودة لدى أجنة الأسماك، لكنها تختفي خلال باقي مراحل النمو لتتحول لدى الثدييات إلى الفكين والأذنين.

   يرجع سبب ظهور هذه المميزات  والسمات لدى الأجنة، واختفائها خلال مراحل النمو لدى الزواحف والطيور والثدييات، إلى أن التطور عملية محافظة والانتقاء الطبيعي يبنى على ما كان من قبل لتطوير ميزات جديدة، وتطور هذه الصفات الجديدة لا يتطلب في كثير من الأحيان تطور مورثات نمو جديدة، ولكن بدلا من ذلك يعتمد على تعديل في هذه المورثات الموجودة بالفعل.

مقارنة أجنة الحيوانات وبنيتها (الإنسان، القط، الدجاج، السلحفاة)

المورثات المتحكمة في نمو الجنين:

   سمحت دراسة المورثات Hox – عبارة عن مجموعة من مورثات تتحكم في تشكيل ونمو أجزاء الجسم  من المرحلة الجينية إلى النضج – بتوفير رؤى حول العلاقات التطورية. لقد اكتشفت هذه المورثات بداية لدى ذبابة الخل، حيث توجد متجاورة في مجموعتين على الصبغي: مجموعة Antennapedia، والمجموعة bithorax،  كما حددت هذه المورثات لدى كائنات أخرى، مثل المفصليات وشقائق البحر، والحلقيات (الديدان المجزأة) والديدان والفقريات، وقد وجد الباحثون أن هذه المورثات تتواجد بالترتيب نفسه والتنظيم ذاته  الموجود عند ذبابة الخل.

     توضح الصورة مقارنة تنظيم مجموعة مورثات Hox لدى كل من ذبابة الخل والفأر، حيث تتموضع مورثات Hox لدى كل واحد فيهما في  الترتيب نفسه على طول الصبغي، وتشير الألوان إلى نشاط مورثات Hox نفسها في كلا النوعين من الكائنات الحية، علاوة على ذلك، فهذا الترتيب يتطابق مع ترتيب المناطق التي تتحكم فيها، من الأمام إلى الخلف. وهذا الترتيب يعكس على ما يبدو حاجة هذه المورثات إلى أن تنسخ حسب تسلسل زمني محدد. فعلى سبيل المثال، عند حدوث طفرة معينة في مورثات Hox عند كل من الفئران والإنسان، تؤدي إلى ظهور تشوهات على مستوى الأطراف والأعضاء التناسلية، وهذا يوضح لنا أن آلية عمل هذه المورثات مشابهة لدى معظم الكائنات الحية، كما عثر على مورثات مشابهة لها لدى النباتات مما يدل على أنها قد نشأت في وقت مبكر خلال تطور حقيقيات النوى. هذا النظام من المورثات التي تنظم عملية النمو، يعتبر مصدرا غنيا من “الحفريات الجزيئية” والذي يلقي الضوء على التاريخ التطوري بطريقة جديدة ومثيرة.

فقدان الثعابين للأطراف:

    تظهر لدى أجنة بعض أنواع الثعابين الحية براعم لأطراف خلفية في المراحل الأولى من نموها، لكنها تفقدها فيما بعد، وقد اكتشف أحفور لثعبان من العصر الطباشيري اسمه Pachyrhachis problematicus لديه أطراف خلفية صغيرة.

في الأعلى أحفورة لثعبان من العصر الطباشيري اسمه Pachyrhachis problematicus لديه أطراف خلفية صغيرة كما هو موضح في الرسم التخطيطي لهيكل الثعبان في الأسفل.

    لقد وفر علم الأحياء النمائي التطوري الإجابة عن الكيفية التي فقدت بها الثعابين أطرافها، ففي كثير من الحالات، تحدث التغييرات التطورية مثل فقدان الأطراف لدى الثعابين نتيجة تغييرات في المورثات التي تنظم تسلسل الأحداث والمراحل خلال فترة النمو. لدى الثعابين، مثلا، يرتبط فقدان الأطراف الأمامية واستطالة الجسم بحدوث طفرات في عدة مناطق من مورثات Hox، التي تؤثر على تعبير أنماط الجسم وتشكيل الأطراف لدى غالبية الحيوانات، وقد لا تتطور الأطراف الخلفية، لأن الأنسجة الجينية لدى الثعابين لا تستجيب للإشارات الداخلية التي تؤدي إلى استطالة الساق، مما يدعم الفرضية القائلة أن الثعابين تطورت من سلف لديه أطراف.

     ومنه، فرغم حداثة علم الأحياء النمائي التطوري، إلا أنه وفر الكثير من الأدلة وساعد على فهم أفضل للعلاقة الموجودة بين الكائنات الحية وبين أسلافها، وآليات النمو التي أدت إلى هذه التغييرات التطورية، ولايزال يقدم لنا المزيد من الأدلة مع تقدم  علم الوراثة وعلم الأحياء الجزيئي.

المصادر:

Atavism: Embryology, Development and Evolution: http://www.nature.com/scitable/topicpage/atavism-embryology-development-and-evolution-843

Hox Genes in Development: The Hox Code :http://www.nature.com/scitable/topicpage/hox-genes-in-development-the-hox-code-41402

http://www.talkorigins.org/faqs/comdesc/section2.html#ontogeny

Gilbert SF. Developmental Biology. 6th edition. http://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK10049/

Development. http://evolution.berkeley.edu/evosite/evo101/IIIC6Development.shtml

What Is Evo Devo? http://www.pbs.org/wgbh/nova/evohttp://evolution.berkeley.edu/evolibrary/article/evodevo_01lution/what-evo-devo.html

Science, Evolution, and Creationism  http://www.nap.edu/catalog/11876.html

http://evolution.berkeley.edu/evolibrary/article/0_0_0/lines_07

Anatomy and relationships of Pachyrhachis problematicus, a primitive snake with hindlimbs http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1692386/

http://evolution.berkeley.edu/evolibrary/article/evodevo_01