رياضيات بعمر 100 سنة في خدمة البيانات الضخمة
يشهد العالم كل يوم العديد من التجارب والأبحاث في شتى المجالات، هذه التجارب تغني العلوم بمعلومات ضخمة يجب التعامل معها بشكل دقيق ومنطقي لتعطينا نتائج ذات معنى. لذا يقوم العلماء، منذ عقود، باللجوء إلى الرياضيات لتحليل وضبط هذه النتائج.
واليوم استجدت بعض البيانات الضخمة المتعلقة بتحليل الأشكال والتي تمكنت “الطوبولوجيا” من شرحها وتبسيطها. فما هي “الطوبولوجيا”؟ وما هو نوع البيانات التي يمكنها تحليلها؟
“الطوبولوجيا”:
علم “الطوبولوجيا” هو فرع من فروع الرياضيات الحديثة، والذي قام على يد الرياضياتي “أولير” (1717- 1783)، حيث درس الأشكال متعددة الأوجه في الفضاء ثلاثي الأبعاد، واكتشف أنه في الأشكال المحدبة متعددة الأوجه، لدينا دائما: مجموع عدد الأوجه (Faces) وعدد الرؤوس (Vertices) طرح عدد الحواف (Edges) يساوي 2، وهو ما يسمى بمبرهنة “أولير” F+V-E=2. هذا العدد لا يتغير مهما تشوهت هذه الأشكال، لذا جاءت الطوبولوجيا لدراسة هذا النوع من الخاصيات الثابتة للأشكال.
وقد عرف هذا المجال تقدما كبيرا خلال القرن العشرين، لكن العلماء الذين عملوا على تطويرها لم يمتلكوا تطبيقات فعلية على أرض الواقع، بل كانوا يعتمدون بشكل أساسي على مخيلاتهم وتفكيرهم المنطقي، فقد كان اهتمامهم الأساسي هو فهم كيفية تحول الأشكال تحت ظروف معينة.
بعض هذه الأفكار في “الطوبولوجيا” والمكتشفة قبل 100 سنة، بدأت تجد معنىً في بعض المجالات، كتطبيقاتها الواسعة في تحليل البيانات الضخمة لأنها تدرس فقط الخواص الثابتة، مما يجعلها أقل حساسية للمعلومات غير المضبوطة وأكثر دقة في إعطاء معنى للبيانات التي تم جمعها.
بعض تطبيقات “الطوبولوجيا”:
لِنُعْطِ مثالا بسيطا نعيشه يوميا: عندما نضع سماعات الهاتف في محفظاتنا، فإنها تتشابك بشكل معقد وفوضوي، سماعات الهاتف هي شكل جد بسيط يمكن لـ “الطوبولوجيا” دراسة تحول شكلها، وبصفة عامة، سواء كانت الأشكال معقدة أو بسيطة، فإنها مسألة “طوبولوجيَّة”.
في المجال الصيدلي أيضا، يعد شكل الدواء مهما جدا لأنه يُحدِّد مدى ذوبانيته وتفاعله مع بعض الخلايا في الجسم، خصوصا وأن للخلايا مستقبلات تسمح لجزيئات من شكل خاص باختراقها، وبهذا يعتبر شكل العقار مهما جدا حتى يتمكن من الوصول والتأثير على الخلية المناسبة، وهنا تكمن أهمية “الطوبولوجيا”، فبدونها باءت العديد من الاكتشافات الطبية بالفشل.
كما تُمكِّن “الطوبولوجيا” من فهمٍ أعمق للدماغ، فبعد توصل فريق علماء سويسري إلى وضع خريطة كاملة لدماغ فأر للمرة الأولى على الإطلاق، وهو نموذج ثلاثي الأبعاد يوضح كيفية اتصال الخلايا، واجههم التحدي الأصعب، ألا وهو التمكن من فهم هذه الخريطة، إنه اكتشاف هائل، لكن بالرغم من تحديد كيفية ترابط الأنسجة الدماغية فهذا لا يشرح كيفية عمل الدماغ، فوراء هذه الخريطة توجد العديد من الترابطات المُبهَمَة والتي تستطيع “الطوبولوجيا” تبسيطها.