رحلـــة نحو الصفـــر، ولكــن بعيــدا عنه! (الجزء الأول)

هانوفــــــر عــــام 1685 .. كان الليل دامسا حينما كان المفكر العبقري” ليبنيز” (Leibniz) يتساءل عن السرعة وتسلسل الأوقات.

Leibniz

Credit: Francke, Christoph Bernhard

الحركات المتكررة والمنتظمة لعقارب الساعة جعلته يتخيل أصواتها كما لو كانت معلقة في الفضاء: كان يبدو له أنه يرى ما يسمع. كانت تتجسد له كل حركة من حركات عقارب الساعة كانفجار صغير متعدد الألوان.

ركز على إحداها حيث يمثل الصوت ظهورها و اختفاءها، ثم قارب بين إبهامه و سبابته ليقيس المسافة بين الصوت المختفي و الصوت الذي سيظهر. تساءل ماذا لو صارت المسافة بين الأوقات أكثر صغرا؟ قارب بين إبهامه و سبابته فصارت المسافة أصغر فأصغر، فبالغة الصغر كون هذه المسافة غير منعدمة يضطر لتمثيلها بعدد معين، عدد تخيلي إن صح التعبير والذي يجب أن يكون أصغر من أي عدد آخر و لكن أكبر من الصفر.

فما هي ماهية هذه الأعداد إذن؟

بعد ذلك شقت الأعداد المتناهية الصغر طريقها في المجتمع الرياضياتي و لكن بنوع من الشك. لنفهم ذلك بعمق، تخيلوا معي هؤلاء الرياضياتيين واقفين على خشبة مسرح التاريخ، أياديهم خلف ظهورهم و أعينهم تلوح نحو الأفق. يتعلق الأمر “بليبنيز” و” نيوتن” بالدرجة الأولى، ولكن لا ننسى كل من “دالومبير” (D’Alembert) و”لوبيتال” (L’Hopital) و”لاغرانج(Lagrange)”. لقد أنشؤوا هذه الأعداد التي تقوم بدورها على أكمل وجه، ولكن ها هم غير قادرين على شرح و تفسير ما أنشؤوه. بينا هم واقفون، تعالى صوت، من بينهم جميعا، متسائلا:” يا سادة، ما هي إذن هذه الكميات المتناهية الصغر”؟

“إنها أعداد بكل تأكيد.”

“هل أنتم متأكدون؟”

“نعم بكل تأكيد أو بالأحرى أعداد ولكن ليست كباقي الأعداد.”

“هل يمكن أن تبدو لنا هذه الأعداد بشكل أكثر وضوحا؟”

“طيب، يتعلق الأمر بأعداد تتصرف كجميع الأعداد و لكنها أصغر من أي عدد آخر و إلا لما كانت متناهية الصغر”

“إذن فهي تعادل الصفر.”

“لا لا، ليس تماما، أكبر من الصفر! ولكن ليس كثيرا.”

“هلا كنتم أكثر دقة؟”

نتوقف هنا لنوافيكم بالإجابة في الأسبوع القادم، فهل سيستطيع علماؤنا الإجابة بدقة أم سيكون موقفهم محرجا فوق خشبة مسرح التاريخ. و تذكروا دوما مقولة آينشتاين الرائعة: “من المتوقع جدا أن توجد،وراء ما تدركه حواسنا، عوالم لم نكن أبدا نتصورها”

 

المصدر: مجلة tangente عدد 156 فبراير 2014