تحصل الخلايا على احتياجاتها اليومية من الطاقة من خلال جزيئة أدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP) التي تُنتَج أساسا داخل عضية الميتوكوندري. لكن في ظروف استثنائية، تلجأ الخلايا إلى مصادر أخرى بديلة، على سبيل المثال، في الخلايا السرطانية السريعة التكاثر، يمكن أن تتولد جزيئات ال ATP في السيتوبلازم. لأن هذه الجزيئة يمكن استخدامها كطاقة بديلة بالنسبة لهذه الخلايا، مما قد يكسبها سمعة سيئة. لكن مع ذلك، يمكن أن تخدُم أغراضا مفيدة أيضا.
Crédit : Roni Wright/CRG
وفقا لدراسة جديدة بالمركز الإسباني لتنظيم الجينوم (CRG)، يمكن لخلايا مُجهَدة توليد جزيئات الATP على مستوى النواة. هذه الخلايا، إذا تعرضت لتلف في حمضها النووي، أو واجهت إشارات أو تهديدات خارجية، يمكنها تفعيل مسار جديد لتوليد ATP بديلة، لتدعم الإصلاحات الطارئة أو ردود فعل تنظيمية تتطلب إعادة نمذجة واسعة النطاق للصبغين. وقد نشرت نتائج الدراسة الجديدة في مجلة ساينس العلمية، حيث يصف المقال، كيف أن الطاقة اللازمة لإعادة نمذجة الصبغين، يمكن تُستمد من مصدر في نواة الخلية، بدلا من ضخها في شكل جزيئة ATP من الميتوكندري إلى السيتوبلازم كما هو معروف. وتوضح المقالة بشكل خاص، كيف تضمن الخلية احتياجاتها الطاقية ATP اللازمة لإعادة النمذجة المستعجلة لجزيئة الصبغين العملاقة. وقام علماء من مركز CRG، بالتعاون مع علماء من جامعة بومبيو فابرا، ومعهد البحوث الطبية الحيوية ببرشلونة، وجامعة روفيرا فيرجيلي في تاراغونا الإسبانية، للمرة الأولى بوصف طريقة جديدة لتوليد الطاقة من داخل نواة الخلية، ودعم إعادة نمذجة الصبغين “chromatin remodeling” وكذا إعادة برمجة تعبير المورثات. كما حدد الفريق ذاته أيضا، وظيفة الأنزيمات المشاركة في كل خطوة من هذه العملية، وكيف تُفعّل في حالة الإستجابة لتأثيرات خارجية.
“حالات استثنائية تتطلب اتخاذ تدابير استثنائية”، يقول ميغيل بيتو، قائد فريق البحث بمركز CRG والباحث الرئيسي في هذه الدراسة. “عندما تحتاج الخلايا للتعامل مع إعادة برمجة شاملة للتعبير الوراثي، فإنها تتطلب الكثير من الطاقة داخل النواة. في مثل هذه الحالات، تمنع الخلايا إنتاج الATP على مستوى الميتوكندري والسيتوبلازم، كي تركز على المهمة الرئيسية في النواة”.
عادة، يحتفظ الصبغين بجزيئة الحمض النووي الريبوزي ناقص الأكسجين DNA، وهي ملتفة ومضغوطة بشكل مدهش، في حين، تبقى المعلومات الوراثية مُندسّة داخلها وغير متاحة للنسخ أو الإصلاح، إلا أن إعادة البرمجة الشاملة للتعبير الوراثي، للتعامل مع المواقف العصيبة والمستويات العالية من التلف الذي قد يطال جزيئات DNA، تتطلب التخفيف من تفاعل الحمض النووي مع بروتينات الصبغين. الشيء الذي يستهلك كميات كبيرة من الطاقة. ووجد الباحثون أن جزيئة عديد ال(ADP-ريبوز)، واحدة من الجهات الرئيسية المتدخلة في فك تلولب الصبغين، وإصلاح الحمض النووي، في حالة حدوث تلف، هي حجر الزاوية في تركيب جزيئات ATP النووية. حيث يقوم أنزيم نووي يدعى NUDIX5، بتركيب جزيئات ATP بالاعتماد على جزيئات ADP-ريبوز ، كلبنات أساسية. وقد بينت الدراسة، أن كبح نشاط أنزيم NUDIX5، يحول دون إعادة نمذجة الصبغين، ودون إعادة برمجة التعبير الوراثي وعدم تكيف الخلية مع التغيرات الجديدة أو عدم القدرة على إصلاح تلف جزيئة DNA.
ويختم روني رايت، المشارك في الدراسة، وباحث ما بعد الدكتوراه بمركز CRG، قائلا:” هذه النتائج تشير إلى أن أنزيم NUDIX5 عنصر مهم وأساسي في تركيب الATP النووية الضرورية للخلية لتجاوز بعض الظروف الصعبة. ونظرا لكون هذا الأنزيم سبق وتأكد تدخله في أنواع مختلفة من السرطان، يمكن لهذا الاكتشاف المهم، أن يساهم في فهم أفضل لآلية عمل هذه الأمراض، وبالتالي التقدم خطوة إلى الأمام في البحث عن العلاج المناسب. إذ يمكن لهذا الأنزيم أن يستعمل كواسم حيوي من أجل تتبع تطور السرطان، وكذا فتح الباب أمام إمكانات جديدة في العلاج مستقبلا”.
المصدر: 1