خطوة “إيبولا” القادمة
كان ظهور أول حالة للإصابة بفيروس “الإيبولا” في 24 من شتنبر بمدينة “دالاس” الأمريكية تحذيرا للعالم على أن اتساع رقعة انتشار المرض بغرب إفريقيا يصاحبه ارتفاع كبير لاحتمال انتشاره خارج دول غينيا وسيراليون وليبيريا. الولايات المتحدة الأمريكية هي ثالث دولة يصلها الفيروس (خارج منطقة انتشاره الأصلية)، بعد كل من نجيريا والسينيغال، متبوعة بإسبانيا التي أعلنت عن أول حالة إصابة خارج إفريقيا في السادس من أكتوبر، وهي ممرضة كانت تعتني بمريض أصيب في سيراليون.
لم تتسبب أي من هذه الحالات في تفش واسع النطاق للمرض. ويثق الخبراء في قدرة الدول المتقدمة على التحكم في الحالات المجلوبة، لكن وصول المرض إلى الدول النامية يمكن أن يفتح صفحة جديدة لانتشار المرض.
بلغ عدد الإصابات، حسب منظمة الصحة العالمية، إلى غاية 3 أكتوبر 7470 حالة إصابة و 3431 وفاة في الدول الثلاث الموبوءة (8376 إصابة و 4024 وفاة إلى غاية 10 أكتوبر). ويعتقد أن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير وتتزايد بشكل مهول. وتبين النماذج أنها يمكن أن تبلغ مئات الآلاف خلال أشهر. لكن النماذج لا يمكنها التنبؤ بأشياء غير قابلة لذلك كالطفرات الفيروسية وتغير السلوك البشري وتأثير اللقاحات أو العقارات الجديدة والزمان و المكان اللذين سيصبح فيهما المرض مستحكما. لذلك ينظر الباحثون أبعد من هذه النماذج وإلى السيناريوهات الممكنة، استعدادا لما يمكن أن يحدث.
في السيناريو المتفائل يمكن أن يكبح لقاح جديد ازدياد عدد الحالات، وهو أمر فشلت فيه طرق التحكم التقليدية، كالعزل أو الحجر الصحي. يقول (Alessandro Vespignani)، وهو فيزيائي نمذج انتشار فيروس “الإيبولا”: “إنه بدون لقاح، فإن أحسن ما يمكن توقعه هو تباطؤ انتشار الفيروس”. ويقول (Jeremy Farrar)، اختصاصي وبائيات بلندن: “إن تقوية إجراءات الصحة العامة سيكون له تأثير كبير، لكنه يعتقد أن الوباء وصل لمرحلة نحتاج فيها للقاح لإيقاف التفشي”.
أحد اللقاحات المرشحة وصل إلى مرحلة اختبارات السلامة، ولقاح آخر قريب من هذه المرحلة. وقد ناقش الخبراء، في لقاء بمقر منظمة الصحة العالمية في 29 و30 شتنبر، سبل تسريع تطوير لقاح وكيفية مواجهة المشاكل الأخلاقية الشائكة التي يثيرها اختبار فعالية اللقاح في الدول الموبوءة. لكن هذه الإختبارات لن تبدأ إلا في يناير المقبل ولا يتوقع أن تسفر عن نتائج حتى أبريل.
في غضون ذلك يتخوف بعض الباحثين من إمكانية حدوث طفرات في الفيروس. حيث قال (Michael Osterholm)، مدير مركز أبحاث الأمراض التعفنية بجامعة “منيسوتا”: “إن “إيبولا” يمكنه أن يتغير بطريقة تجعل مجرد التنفس يعرض الشخص للإصابة. لكنه تعرض لموجة من الانتقادات واتهم بإثارة الفتنة. وردا على تصريحاته قال (Farrar)” إنه لا وجود لفيروس عرفت طريقة انتقاله هذا النوع من التغير”. من جهتها، اعتبرت منظمة الصحة العالمية الفكرة مجرد تخمين لا يستند إلى أي دليل.
يقول بعض الباحثين إن ما يبدو منطقيا أكثر هو تغيير سيجعل الفيروس أقل فتكا، لكن وفي نفس الوقت، سيصعب التخلص منه. يكمن فيروس “إيبولا” على الأرجع في الخفافيش والقردة، وينتقل إلى الإنسان من حين لآخر عند اصطياد واستهلاك حيوانات مصابة. في المرات السابقة تراجع تفشي المرض أمام المجهودات الكبيرة لاحتوائه وضعف قدرته على القتل. الحقيقة أن البشر يبقى نهاية مميتة للفيروس. لكن هذا الأمر يمكن أن يتغير إذا أصبح أقل فتكا، حيث يقول (Farrar) في هذا الصدد: “إن تخفيض “الإمراضية” (Virulence) والتأقلم مع المضيف يعتبر مفيدا من الناحية التطورية، وهو ما حدث بالنسبة للعديد من الأمراض. إذا ما حدث هذا مع “الإيبولا”، فإن السبيل الوحيد للتخلص منه سيكون عبر مجهودات ضخمة للتلقيح، شبيهة بالتي استعملت للقضاء على الجذري وشلل الأطفال.
وحتى إن لم يتغير الفيروس فإن الحجم الكبير للوباء سيؤدي إلى تحديات جديدة. مع ارتفاع عدد الحالات المصابة سيرتفع عدد الحالات التي ستتم معالجتها في المنازل، وهذا ما يرفع من خطر تعرض الآخرين للإصابة. وهذا قد يسرع من انتشار المرض ويصعب من رسم خريطته الوبائية. أما عدة الرعاية المنزلية (قفازات، مبيضات…) فلم تستعمل على نطاق واسع من قبل لمكافحة “الإيبولا”، لكنها قد تصبح مهمة للتحكم في الوباء، وقد تكون بحاجة لترافق بحملات تحسيسية، لكن لا أحد يعرف مدى الحماية التي ستوفرها.
يترنح نظام الرعاية المعطوب أصلا في الدول المصابة تحت تأثير ضغط المرض، ويبدو أن الناس معرضون للموت أكثر هناك بسبب أمراض أخرى كالملاريا أو خلال الولادة. يقول (Farrar): “إنه من الواجب النظر أبعد من “إيبولا” نفسه، فتوقف المحاصيل أو التجارة سيؤديان إلى نقص الغذاء”. “ستتحول المنطقة إلى منطقة فاشلة”، يضيف (Osterholm). خلال ذلك، يرتفع احتمال انتشار المرض خارج الدول الثلاث، وقد سبق أن انتقل إلى كل من السينغال ونجيريا والولايات المتحدة. وهناك احتمال كبير أن ينتقل المرض إلى كل من غانا ومالي وساحل العاج.
يناقش الباحثون استعمال المنع من السفر، وهو أمر دعا إليه العديد من المواطنين الأمريكيين القلقين بعد ظهور حالة دالاس. ونصحت منظمة الصحة العالمية ومراكز التحكم ومكافحة الأمراض بعدم تبني هذا الخيار، لأنه سيصعب وصول الأشخاص والتجهيزات إلى المناطق المتضررة. كما أن هذا المنع صعب التطبيق لأنه يتطلب موافقة العديد من الدول، وإلا فحاملو الفيروس يمكنهم السفر إلى دول لا تطبق المنع ومن ثم الانتقال إلى بلدان أخرى، ثم يكذبون بشأن الأشخاص الذين تواصلوا معهم إذا ما أصيبوا.
في النهاية، يمكن القول إن حظر السفر سيزيد خطر الإصابة بالنسبة للجميع. يقول (Sandman): “لا يجب تنحية الفكرة كليا، فالعالم بحاجة لربح الوقت لاختبار اللقاحات، وبالتالي لا بد من البحث عن طريقة لحصر عدد الأشخاص المسافرين المصابين”.