المغرب العلمي

حل حدسية “البوانكاريه” بعد قرن من المحاولات

حدسية “البوانكاريه”:

لنبدأ أولا بشرح معنى الحدسية في الرياضيات.

عندما يقتنع عالم رياضي بأن مبرهنة ما صحيحة، ولكنه لا يتمكن من البرهنة عليها فإنه ينشرها على أنها حدسية، تاركا المجال للرياضيين الآخرين من بعده لعلهم يتوفقون في البرهنة على صحتها.

هناك من الحدسيات ما تتم البرهنة عليها بعد مدة قصيرة من نشرها، و هناك ما قد يطول ليستغرق السنوات، و هذا هو الحال بالنسبة لحدسية “البوانكاريه” التي بقيت لأزيد من مائة عام، مقاومة لكل محاولات العلماء في دحضها أو البرهان على صحتها.

فمنذ سنة 1904 قام هنري “بوانكاريه” بصياغة الحدسية كما يلي :

“كل تنوع هندسي في أبعاد مختلفة بدون ثغرات يمكن تحويله الى فلكة، أي أن كرة الركبي يمكن تحويلها الى كرة القدم، وبمعنى أوضح، أن الشكل الهندسي الكروي ذا أبعاد ثلاثة هو الوحيد هندسيا الذي لا يتضمن ثغرات.”

لم يتمكن أي عالم رياضي من التوصل للحل!!!

قد يتسائل البعض منا الآن من الغرض من تحويل الأشكال أو بالأحرى المجسمات الى فلكة.

للإجابة عن هذا السؤال سنستدعي الطبولوجيا (فرع من فروع الرياضيات) يقول الطبولوجيون إن حدسية “البوانكاريه” تعد أمرا أساسيا للفهم الطبولوجي للأشكال ثلاثية الأبعاد، و على وجه الخصوص الأشكال التي تدعى المتفرعات المتراصة (compact manifolds).

وأبسط هذه الاشكال هو الكرة ثلاثية الأبعاد التي تعرف رياضيا على أنها مجموعة مَن النقاط التي تبعد بمسافة ثابتة عن نقطة معينة: كغلاف كرة مثلا او قشر برتقالة… فهي عبارة عن

سطوح ثنائية الأبعاد، تمثل كما ذكرته مسبقا مجموعة نقاط تبعد بمسافة ثابتة عن نقطة معينة في فضاء ثلاثي الأبعاد.

نظرا لأننا لا يمكننا تصور الأشكال في فضاءات لها n من الأبعاد، فقد تساءل “بوانكاريه” هل يمكن أو لا يمكن تمييز السطوح ثلاثية الأبعاد في الفضاءات بواسطة بعض الإجراءات والمقاييس التي يخضع لها الشكل نفسه؟ إذا كان الشكل ثلاثي الأبعاد الذي يفي باختبار الاتصال البسيط يعتبر مكافئا طبولوجياً للحلقة الاعتيادية ثلاثية الأبعاد، التي هي مجموعة نقط تبعد بنفس المسافة عن نقطة معينة ،لكن بفضاء رباعي الأبعاد.

اختبار الاتصال البسيط هو اختبار يقوم به كائن وهمي لا يمكن رؤيته من الخارج، حيث ينتقل هذا الكائن من أي نقطة إلى أي نقطة في المجسم، دون أن يضطر إلى مغادرة المجسم. و لفهم هذا الاختبار سنعرض عليكم المثال التالي:

إذا ما مددنا ربطة مطاطة (أستك) حول سطح تفاحة، إذن فبإمكاننا أن نقلص هذا (الأستك) إلى نقطة بتحريكه ببطء، بدون أن ينقطع وبدون أن نسمح له أن يفارق سطح التفاحة من ناحية أخرى، لو تخيلنا أن نفس (الأستك) قد تمدد بطريقة ما في الاتجاه المناسب حول كعكة (دونت)، إذًا، فلن يكون هناك طريق لانكماشها بعد ذلك، لتصبح نقطة بدون قطع إما (الأستك) أو (الدونت).

كانت هذه هي الإشكالية التي أصبحت تعرف لاحقاً “بحدسية بوانكاريه”. وبتوالي السنين حاول كثير من العلماء المهتمين بسد الثغرات في الرياضيات، بحل المسألة، ابتداء بـ “بوانكاريه” نفسه و”ايتهيد” و “بنج” و “بابوكريكوبولس” و “ستولنجز” و “هاملتون” وغيرهم. و بالرغم من جهودهم الجبارة كانت مساعي الإثبات التي اعتمدوها دائما ما يُعثر فيها على خلل، ولم يتم التوصل لحل فعلي حتى نشر “گريگوري پرلمان” أبحاثه مستخدما أفكارا من أعمال “هاملتون” (نظرية تدفق ريتشي). ففي أواخر 2002 و2003 نشر “پرلمان” ثلاثة أوراق بحثية عن العمل الذي قام به على شبكات الأنترنت ونشرت النسخة النهائية في يونيو 2006 على “arXiv.org”. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يسهم فيها الأنترنت في حل مشكلة علمية بهذه الأهمية.

واجه البرهان معارضيه , وثبت أخيرًا، وبشكل حاسم أن “بريلمان” حل بالفعل حدسية “بوانكاريه” بعد قرن من الزمن على إطلاقها.

إن برهان “بريلمان” على حدسية “بوانكاريه” يعتبر خطوة رياضية جبارة تسببت بظهور أفكار وأساليب جديدة في الهندسة والتحليل، وبالتأكيد فان المستقبل يعد بالكثير.

يذكر أن “بريلمان” رفض جائزة المليون دولار التي يقدمها معهد “كلاي” للرياضيات (حدسية “بوانكاريه” هي واحدة من المسائل المفتوحة السبع التي طرحها معهد كلاي عام 2000 ليتحدى بها العقول الرياضية)، معتبرا أن من يستحقها هو “ريتشارد هاملتون”، لأنه هو من استخدم تدفق “ريتشي” لإثبات الحدسية، ولنفس السبب رفض ميدالية “فيلدز” التي تعتبر أرقى جائزة ممكن لرياضياتي أن ينالها، وهي تعادل جائزة نوبل في بقية العلوم، مع أنها تمنح كل أربع سنوات وتمنح مشاركة لأربع رياضياتيين على الأقل.

إعداد: نورة ابليق

التدقيق اللغوي: علي توعدي

المصادر:

1

الصور:

1

2

3