بغية التأقلم مع بيئته يحاول الإنسان الإحاطة بعنصرين اثنين: المعلومة والطاقة. أما الأول فقد أحرز تقدم كبير في التعامل معه نشراً ومعالجة وتخزيناً، وأما الثاني فلا زال مستعصياً. ففي وقت تتسابق فيه الشركات ومراكز البحث نحو أنجع الطرق لتوليد الطاقة عرض عائق التخزين، فتُجووزَت العقبة مع بداية التسعينات من خلال بطاريات الليثيوم وغيرها، ثم دفعت كثرة الاستعمال بعجلة تطور البطاريات فقطعت أشواطاً. لكن هذه الأخيرة تهدد باستنفاد مخزون الأرض من الليثيوم خاصة مع الطفرة الحاصلة في استعمال الأجهزة المحمولة وتوجه الاهتمام نحو السيارات الكهربائية.
توضح الصورتان أعلاه حجم التهديد الذي تشكله هذه الصناعة. فتبينان، من جهة، المقدار التقريبي الذي تحتويه بطارية كلٍّ من أهم الأجهزة يومية الاستعمال، ووتيرة تزايد استعمال بطاريات الليثيوم من جهة ثانية. خاصة وأن كل التقنيات البديلة التي تُوُصل إليها إلى حد الآن ليست عملية (أي أنها غير مؤهلة للاستعمال اليومي لسبب مادي أو تقني). لا تعتمد شركة ”Tesla” الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية سوى آلافٍ من هذه البطاريات الصغيرة. بل إنها منهمكة في إنشاء قطب لتصنيعها محلياً دونما حاجة إلى اقتنائها، فهي عازمة في أفق 2020 على إنتاج سنوي يفوق الإنتاج العالمي لسنة 2013 وبتكلفة تقل ب 30% عن التكلفة المعتادة عن كل بطارية. ومن زاوية أخرى وبفضل تراكم الأبحاث قامت مقاولة ناشئة بين جامعتي كايمبريدج وماساتشوستس بتطوير كيفية صناعة بطاريات الليثيوم مما سيمكنها من خفض مدة التصنيع من 24 ساعة إلى 15 دقيقة وبنصف التكلفة الحالية فقط.
إن هذه المشاريع المستقبلية ستحدث بلا شك ثورة في استهلاك البطاريات وبالتالي الليثيوم، إن لم تكن النهضة قد اتخذت مجراها منذ العام الجاري، خاصة أن تقنية الليثيوم تمتلك قوة دفع مهمة وأنها شبه خالية من العيوب، إذ تشكل الحرارة مشكلة رئيسة. فقد تسببت في احتراق 6 مليون بطارية حاسوب “سوني” سنة 2006 وفي التهام النيران لطائرة “بوينغ” سنة 2013. ثم إن بطاريات الليثيوم لن تتجاوز حدا معيناً على مستوى كثافة الطاقة المخزنة وهنا مكمن العيب الرئيس. لكن هذا مهمل أمام مردود الطاقة الذي تمثله.
وحسب المعهد الأمريكي للدراسات الجيولوجية USGS فإن مخزون العالم من الليثيوم اليوم يقدر ب 39.5 مليون طن، يوجد معظمها في بوليفيا %23 والشيلي %19 وتليهما الأرجنتين بنسبة %16 ثم أمريكا ب %14 بينما تشترك باقي دول العالم في ال 14 الباقية.
في ظل هذه الظروف تستمر محاولات إيجاد بديل لهذه البطاريات. وفي هذا الشأن يفصح “رشيد يزمي” (الذي حل ضيفاً على الملتقى الدولي الأول للعلوم المقام السنة الماضية بأكادير من قبل المجتمع العلمي المغربي) عن عمله على مشروع خاص يرمي إلى تطوير نوع جديد من البطاريات بمميزات غير مسبوقة. يقول رشيد ” إذا أخبرتكم أن بمقدوري تطوير بطارية تُشحن في غضون 15 ثانية وتستهلك في أسبوع فستسعدون، هذا ما نحن بصدده” ويبقى المشروع في غاية السرية.
وفي الآونة الأخيرة سُجلت أيضاً عدة مخططات استراتيجية لمحطات التزويد بالكهرباء في أمريكا وغيرها من الدول لتوفير مخزون كهربائي أو بالأحرى نظام تخزين مستقبلا. وهي خطوة جد مكلفة لكنها أصبحت ضرورة ملحةً. نفس الفكرة بدأت بتطبيقها شركات كبرى ك”سامسونج” و”سيمنس”. وعلى نطاق أضيق أضحت سياسة تخزين الكهرباء شأناً أكثر خصوصية، حيث توفر شركة ” تيسلا” خزانات منزلية (تكلمنا عنها في مقال سابق) تستعمل في البيوت أو الورشات لتدبر أمر الكهرباء بشكل فردي.
وقد يعتبر هذا الحل الأنجع، إذ من شأنه الرفع من الوعي الشخصي بأهمية الطاقة والدفع بالأفراد إلى ترشيد استهلاكها بل يربيهم على ذلك حتى عند اتصالهم بالشبكة. الشيء الذي لم ولن يتأتى ما دام المستهلك لا يعاين أعباء الحصول عليها. وإن كانت هذه الخزانات هي الأخرى باهظة الثمن.
هذا المرفق يتضمن احصائيات مفصلة من طرف مركز Avicenne للاستزادة
المصدر: newscientist