من زاوية النظر البعيدة هاته، قد لاتبدو للأرض أية أهمية خاصة. و لكن بالنسبة لنا، الأمر مختلف. انظر مرة أخرى إلى تلك النقطة، تلك النقطة هناك.. إنها الأرض. إنها نحن. تجد عليها كل من تحب، كل من تعرف، كل من سمعت عنه يوما، كل إنسان وجد يوما، عاش حياته هناك. إنها مجمعة أفراحنا و معاناتنا، الالاف من الديانات الواثقة من صحة معتقداتها، من الأيديولوجيات والتيارات الفكرية، ومن المذاهب الإقتصادية.. كل مسالم و مجرم، كل بطل و جبان، كل بان و مدمر للحضارة، كل ملك وعبد، كل عاشقين صغيرين، كل أب و أم، كل طفل متفائل، كل مخترع و مستكشف، كل معلم للأخلاق وكل سياسي فاسد، كل بطل خارق و كل قائد عظيم، كل قديس و كل مذنب في تاريخ جنسنا البشري الذي عاش هناك، على ذرة غبار معلقة بين أشعة الشمس..
كان هذا مقتطفا من كتاب ”النقطة الزرقاء الباهتة” للفلكي الأمريكي “كارل ساجان”، والذي يُحتفل بذكرى ميلاده اليوم. كان لساجان الدور الكبير في تعزيز البحث عن كائنات خارج كوكب الأرض. لقد رأى دائما أن عدم تواجد حضارات أخرى في الكون سيكون ضياعا كبيرا لكل هذا الفضاء اللامتناهي…كيف يعقل أن نكون نحن الكائنات الوحيدة في هذا الكون؟ لابد من وجود شيء ما هناك..هناك في الفضاء السحيق، هناك شيء ما ينتظر أن يُكتشف.
لعب البروفيسور كارل ساجان دورا كبيرا في تبسيط علوم الفلك و العلوم بشكل عام، حيث سهر على إعداد حلقات البرنامج الشهير ”الكونCosmos ”. هذا البرنامج الذي لاقى نجاحا باهرا إلى يومنا هذا. و الرؤية الفلسفية التي يرى من خلالها كارل ساجان العالم و كل الأشياء من حوله هي رؤية متميزة و ثورية بحق. عندما ترى العالم كما راه ساجان فأنت سترى ذرة غبار معلقة في هذا الكون الشاسع، ستحس بضآلتك، ستستشعر انتماءك ليس الى الانسانية و الحياة البيولوجية فقط ، بل إلى الكون بكل تجلياته.ستحس أنك مكون من ذرات أتت من انفجار نحمي. و انت تحس بلمسة هواء ذات صباح بارد ستتذكر أنها مكونة من نفس الجزئيات و الذرات التي كونت ديناصورا عملاقا قبل ملايين السنوات. ستتجاوز كل شيء، لن تتحدث عن المواطنة المحلية و العالمية بل الكونية، ستصبح كونيا في تفكيرك و انتماءك، في تأملاتك و أسئلتك. ستستغرب من أنهار الدماء التي أسيلت يوما و لاتزال تسيل من طرف الانسان، لمجرد أن يسيطر ”لحظيا” على بقعة من الأرض، على بقعة غبار معلقة بين أشعة الشمس.
أحد هولاء الذين أثر فيهم كارل ساجان بقوة ، هو المقدم الحالي لبرنامج الكون، الفلكي الشهير “تايسون دي غلاس”، الذي لا يتوانى عن الحديث عن التأثير الكبير لكارل ساجان في حياته. فبعد أن ترشح دي غلاس للدراسة بالمعهد الذي يشرف عليه ساجان ، توصل برسالة منه تدعوه الى اللقاء به شخصيا، الشيء الذي تحقق بعد أيام، فكانت فرصة الصبي دي غلاس للجلوس مع عالم من العيار الثقيل . هذا السلوك الراقي الذي تعامل به كاساجان اتجاه صبي صغير في 17 من عمره أثر بشكل عميق على دي غلاس الذي يعتبر اليوم أحد العلماء البارزين في مجال الفلك . ”لقد كان ملهما للغاية و كان له كبير الأثر علي، لقد كان عظيما كالكون ” بهذه الكلمات وصف دي غلاس عالم الفلك الأمريكي كارل ساجان.
المصادر : The Pale Blue Dot, Carl Sagan