لآلاف السنين، شغل الكوكب الأحمر بال ومخلية الجنس البشري بشكل لافت، فكثرت حوله الأساطير والروايات الشعبية، بين من يعتقد أنه مأوى لفضائيين يراقبوننا بشغف وينتظرون اللحظة المناسبة للاستيلاء على كوكبنا الأزرق، وآخرون يجزمون أن ما يظهر منه عبارة عن قنوات استعملها سكانه البائدون في التنقل والتجارة.
علاقة الإنسان بالمريخ توضحت أكثر مع تقدم العلم، ولعل آخر ما أعلنت عنه وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، من تدفق مياه سائلة بشكل موسمي على سطح المريخ أكبر دليل على تجاوزنا لأساطير أسلافنا.
ولتقريب هذا الكوكب من سكان الأرض، بالاعتماد على رواية خيال علمي لكاتبها “اندي واير”، بالإضافة إلى عبقرية المخرج “ريدلي سكوت”، قدمت هوليوود بالتعاون مع الناسا عملا سينمائيا شيقا يحاكي كيف ستكون الحياة على سطح كوكب المريخ، بعنوان المريخي.
الفيلم حاول بشكل كبير احترام كل ماهو علمي، بل قدمت ناسا من خلاله تسع تقنيات ستعتمدها في رحلتها المأهولة والمنتظرة إلى هذا الكوكب بحلول العام 2030، وسيحاول المغرب العلمي تقريبها إليكم في هذا المقال.
ملاحظة: المقال يتضمن إشارات واضحة من مضمون الفيلم، قد تُذهب المتعة والتشويق لمن لم يشاهده بعد.. وبه وجب الاعلام
السكن
على سطح المريخ، يقضي “مايك واتني”، بطل الفيلم، أيامه المريخية في كبسولة سكنية، نفس الأمر سيتوجب على رواد الفضاء المقدمين على السفر إلى المريخ التوفر عليه، لتفادي قضاء كل أوقاتهم في العراء مرتدين البدلة الفضائية.
في مقر جونسون للفضاء التابع لناسا، يطور بالفعل نموذج HERA الذي سيضمن سكنا مريحا لمبعوثي البشرية إلى المريخ، السكن سيكون مزودا بغرف ومساحات للعمل ونظام صرف صحي متطور والمزيد من الامتيازات الكافية إلى حدود الساعة لقضاء 14 يوما مريخيا، والعمل جارٍ لتمديد المدة إلى 60 يوما.
الزراعة
الرواد الموجودون على متن محطة الفضاء الدولية، يزودون بشكل دوري بالمؤونة وكل احتياجاتهم الغذائية، الأمر الذي لن يكون بالسهولة نفسها بالنسبة للذين سيوجدون مستقبلا على سطح المريخ، ففي أفضل الأحوال سيستغرق إرسال الطعام ما مجموعه تسعة أشهر يجب عليهم بدل الانتظار كل هذه المدة، العمل على توفير ما سيحميهم من الموت جوعا على ذلك الكوكب.
لمن تابع الفيلم وكما يبدو من الصورة، يظهر “واتني” وسط ضيعة أنشأها مخبريا بتوفير ظروف مناخية وبيولوجية مناسبة لنمو البطاطس.
قبل ذلك، وجد “واتني” نفسه وحيدا على كوكب المريخ بعد ان ألغيت مهمته مع باقي رفاقه بسبب عاصفة هوجاء هبت على مكان هبوطهم، العاصفة تسببت في إصابة “واتني” الذي خاله الجميع قد توفي مما اضطرهم للرحيل مخلفين ورائهم صديقهم ومؤونة تكفي لقضاء 31 يوما فقط. لذلك توجب عليه البقاء حيا بأي طريقة وانتظار الرحلة القادمة إلى المريخ بعد أربع سنوات.
الزراعة في الفضاء كانت ولاتزال من أهم نقاط البحث التي توليها الناسا وباقي وكالات الفضاء أهمية كبيرة، باعتبارها ضامنا للوجود البشري خارج كوكبنا، فعلى متن محطة الفضاء الدولية يعمل بنظام VEGGIE الذي يعتمد على الإضاءة بالأضواء الحمراء والزرقاء والخضراء لمساعدة النباتات على النمو في أوعية شعرية.
الماء
على محطة الفضاء الدولية تٌستغل كل قطرة ماء، عرق، دموع أو حتى بول، وتٌعاد معالجتها لتصبح صالحة للاستعمال من جديد.
نظام WRS يعالج كل المياه المتاحة وكل السوائل المنتجة لاستخراج مياه منها، واستعمالها مجددا كما صرح أحد رواد الفضاء قائلا : قهوة الأمس ستصبح قهوة الغد.
وبذلك سيتوجب على البعثات في المستقبل تحقيق اكتفاء ذاتي فيما يخص قضية المياه فقط بما يمكنه السفر معهم في أول مرة من داخل المركبة، دون الحاجة إلى أي وسيلة خارجية أخرى تبدو منعدمة إلى حدود اليوم.
التنفس
حين نفكر في استمرارية الحياة، فكل مايخطر ببالنا هو السكن والأكل والشرب، متغاضين عن أهم شيء ضامن لبقائنا على هذا الكوكب وهو الأكسجين، الأمر هناك مختلف على جارنا، فالهواء هناك غير صالح لرئاتنا، مما يضع البشر في مأزق.
محطة الفضاء الدولية تعتمد على نظام خاص للتزود بالأكسجين، انطلاقا من جزيئات الماء عبر تقنية التحليل الكهربائي، باستخلاص ذرات الهيدروجين والأكسجين المكونتين لجزيئة الماء، وللاشارة فذرات الهيدروجين يمكن الاستغناء عنها عبر طرحها خارجا، أو إعادة استعمالها عبر تفاعل ساباتيي، الذي يمكننا مجددا من الحصول على الماء بمساعدة بعض ما هو متاح من مواد داخل المحطة.
في الفيلم اعتمد “واتني” في مسكنه على سطح المريخ على تقنية تنتج الأكسجين انطلاقا من انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون من محرك المركبة (Mars Ascent Vehicle (MAV المخصصة لتعبئة العينات وإرسالها الى الأرض قصد دراستها.
البدلة
سطح المريخ ليس باللطف الكافي لاستقبال أجسادنا; درجة حرارة منخفضة وهواء لا ينصح باستنشاقه، مما يُحتم ارتداء بدل خاصة بمضيفنا في كل جولة على سطحه فرضها عطل بغية إصلاحه أو عينةٌ ما لجمعها.
مهندسو الناسا يحاولون العمل على تصميم بدلات صالحة للمناخي المريخي القاسي، مع الأخذ بعين الاعتبار كل الاكراهات والحوادث الوارد وقوعها هناك، وقد أعطى الفيلم إشارة قوية على أهمية البدلة حين كانت سببا لانقاذ حياة “مايك واتني” بعد حادثة العاصفة.
البدل من المفترض أن تجد حلا لمشلكة الغبار الكثير الذي يزخر به المريخ، وأن تجمع بين الخفة والليونة والقوة، وتحتضن تقنيات عالية تسهل المهمة و الحياة لاشخاص سيكونون أول من تطؤ أقدامهم سطح المريخ.
التنقل
حين يصل الرواد إلى المريخ، سيتوجب عليهم البقاء على سطحه لمدة سنة كاملة، ريثما يتحرك الكوكب الاحمر ليصل إلى أقصر نقطة تمكنهم من العودة إلى الارض، وقت كافٍ لاستكشاف خبايا هذا الكوكب مما يجعل استخدام عربات للتنقل أمرا رائعا وضروريا في الان نفسه، لتغطية أكبر مساحات ممكنة وللوصول لمسافات أبعد.
في الفيلم يظهر جليا دور المركبة التي تنقل بها “واتني” على سطح المريخ، بعد أن أضاف إليها بعض التعديلات التي جعلتها صالحة للحياة ايضا.
MMSEV أو the Multi-Mission Space Exploration Vehicle هي سيارة تعمل الناسا على تطويرها إلى يومنا هذا، لتكون قادرة على أداء كل ما هو مطلوب منها خصوصا توفير تدفئة تكفي للتحرك لمسافات طويلة ليلا بالاضافة الى الزيادة في السرعة، القدرة على التحرك في تضاريس صعبة كالمريخ واقماره وكذلك تضاريس الكويكبات.. الخ
المحرك الايوني
حركية الايونات الكبيرة جدا في مجال كهربائي، جعلت المحرك الايوني المفضل لكل المسبارات والمركبات الفضائية، حيث توفر الايونات قوة دفع هائلة رغم توفرها على كتلة بسيطة فقط.
المحرك استعمل في مركبة HERMES التي استعملها طاقم الفريق في الفيلم في رحلتهم بين الأرض والمريخ
الألواح الشمسية
في غياب أي محطة للتزود بالوقود سواء في الطريق الرابطة بين الكوكبين أو على سطح المريخ، وغياب أي مصدر بديل للطاقة، تضل الشمس المصدر الاول والاعظم للطاقة.
في الفيلم استعمل كل من مركبة هيرمس، والبطل “واتني” الالواح الشمسية لتوفير حاجياتهم الطاقية، وفي الواقع على متن محطة الفضاء الدولية، المتوفرة على أربع ألواح شمسية، يتم انتاج مايقارب 84 إلى 120 كيلووات من الطاقة الكهربائية التي تكفي لتغطية ما يقارب حاجيات 40 منزلا، هذا الحجم الكبير من الطاقة يلبي حاجيات المحطة ويضمن أمنها الطاقي حتى في الحالات الحرجة.
للاشارة فمركبة ORION التي ستأخذ البشر إلى أبعد نقطة ممكنة في العشرين سنة القادمة، سيتم تزويدها بألواح شمسية لتوفير الطاقة الكافية للرحلة، وبطاريات من نوع ليثيوم-أيون لتخزينها في حال غياب الشمس بسبب المرور خلف القمر.
بطارية نظائر مشعة RTG
توليد التيار الكهربائي عن طريق الحرارة الصادرة عن النشاط الاشعاعي، هي تقنية توفرها بطاريات النظائر المشعة او ما يعرف بRTG والتي تعتمدها الناسا منذ أكثر من عشر سنوات في أغلب بعثاتها لاستكشاف مجموعتنا الشمسية.
في الفيلم قام فريق المهمة بدفنها بعيدا تفاديا لأي تسرب اشعاعي، ليُعاود “واتني” استخراجها بعدما أصبح وحيدا وذلك لتزويد عربة التنقل بالطاقة الكافية للحركة والتدفئة التي أشرنا أنها تفتقدها في الفقرة الخاصة بالتنقل في هذا المقال.
في الواقع تحتوي هذا البطاريات على عنصرPlotonium-238 والذي لايشكل خطرا على صحة الانسان بالمقارنة مع الاشعاعات التي يستقبلها الكوكب الاحمر يوميا في غياب غلاف جوي قادر على حمايته.
في الأخير، رسالة الفيلم واضحة بشأن آمال وطموحات الانسان الكبيرة لوضع أول قدم على كوكب المريخ، وغريزة الحياة بمساعدة الهندسة والعلم كافية للبقاء على قيد الحياة كما علمنا مات ديمون، الممثل الذي ابدع في تجسيد دور الرجل الوحيد على سطح المريخ.. المريخي.
الواقع يختلف قليلا.. أمامنا اقل من 15 سنة لنرى هل ستتمكن البشرية من الفوز بهذا التحدي.
المصدر nasa
الصور foxmovies