يتفق الجميع اليوم، على أن الكسوف و الخسوف ظاهرتين طبيعيتين مرتبطتين بحركة الأرض و الشمس و القمر. لكن الوصول إلى هذه النتيجة التي يتقبلها أطفال اليوم، لم يكن سهلا إطلاقا، لقد تطلب قرونا من العمل الذهني و التجريبي. تطلب الأمر بلورة علوم قائمة بذاتها تعتمد المنهج العلمي وسيلة للبحث و التمحيص، و الأكثر من هذا، تطلب الأمر تضحيات جمة، قدمها علماء فيزيائيون دفاعا عن الحقيقة العلمية، امتدت هذه التضحيات منذ الحضارات القديمة، لدى الصينين و الفراعنة و الحضارة الإسلامية وصولا إلى عصر الفيزياء الكلاسيكية مع كوبرنيك وغاليلو وكيبلر ونيوتن.
إعداد : الحسين اطركي
نحن نعيش في عالم تحكمه الشياطين، هذا هو الوصف الذي استعمله كارل ساجان لوصف عالمنا، هو عالم يراه ساجان مليئا بالخرافة، مليئا بكائنات خفية نربط بها كل ما لا نستطيع تفسيره. كائنات خرافية شريرة تنسب إليها الكوارث الطبيعية و الأعاصير و البرق و الكسوف و الخسوف. فقبل الوصول إلى مرحلة اعتبار الفيزياء والكيمياء علوما خالصة، كانت الظواهر مرتبطة أشد الارتباط بالتفسيرات الخرافية، ولطالما ارتبطت ظاهرتا كسوف الشمس وخسوف القمر والظواهر الفلكية عموما بالخرافة.
اعتبرت بعض الشعوب القديمة الكسوفَ إشارة لغضب الآلهة ونذيرا للشؤم، فكانت تقرب القرابين عندما تكسف الشمس خوفا من اختفاء الشمس وضيائها إلى الأبد. أما البعض فقد اعتبر الكسوف علامة لسعادة الآلهة فكان الكسوف بداية الاحتفال لديهم. و تعتبر بعض القبائل الإفريقية القديمة الكسوف صراعا بين الشمس والقمر، حيث يعتقدون أن هذا الأخير يبذل كل ما في وسعه ليصبح أجمل من الشمس. وهناك قبائل إفريقية أخرى تعتبر الكسوف طلاقا بين الشمس (الذكر) والقمر(الأنثى) التي تهرب من الشمس وتهجره إلى عشيق آخر. أما الثقافة الفرعونية فقد اعتبرت الكسوف صراعا بين الثعبان ”أبوفيس” والإله الشمس، حيث يرمز الثعبان للشر والفوضى، ويحاول جاهدا إغراق المركب الشمسي الذي ينقل الشمس، إلا أنه يفشل في كل مرة. واعتبرت الثقافة العربية الكسوف علامة على موت شخص عظيم أو خسارة لمعركة مصيرية.
أما في الميثولوجيا الأمريكية، فإن الهنود الحمر كانوا يعتبرون الكسوف هو سبب خلق الشعب الهندي. وتشير الأسطورة إلى أن الآلهة تنفخ الطين على ابنها الشمس (الطين سبب حجب الشمس)، ويتحول الطين إلى امرأة (القمر)، والتي تفر هربا إلى السماء الشاسعة بعد رفضها الاتحاد (الزواج) بالشمس. أما الثقافة الصينية فكانت تعتبر الكسوف بداية ابتلاع التنين للشمس، لذلك كانوا يرمون الرماح في السماء و يقرعون الطبول لإخافة التنين.
إن الكسوف مجردُ ظاهرة طبيعية تحدث عندما تتوافق مواضع القمر والشمس والكرة الأرضية كما تبين الصورة التالية:
من عالم تحكمه الشياطين إلى عالم تحكمه قوانين الفيزياء فقط، عالم يمكن فيه التنبؤ بالعديد من الأشياء و بدقة عالية، عالم تقوده العلوم وكما يورد تايسون دي غراس: ف”لا وجود لعلم مشابه لعلم الفيزياء، لا شيء يضاهي القدرة الخارقة لهذا العلم في فهم العالم الذي يحيط بنا بهذه الدقة العالية. إن قوانين الفيزياء هي من يتنبأ و بدقة متناهية بوقت شروق الشمس و وقت غروبها ووقت بداية و نهاية الكسوف”