عرفت الفيزياء منذ بدايات دراستها تطورات عديدة ونظريات مختلفة، تشكل في مجملها قصصا جميلة يسر المجتمع العلمي المغربي تقديمها لكم في هذه السلسلة من المقالات. سنحاول الإلمام بشكل مختصر وبسيط بكل ما هو مفيد ومهم في الفيزياء، منذ الانفجار العظيم إلى ثورة الفيزياء الكمية.
تواصل سلسلتنا الاهتمام بالأسلحة القديمة مع سلاح “المرتد” أو “البومرنج” (Boomerang).
لم يكن الهدف الأساس من تصميم أسلحة المرتد الرجوع إلى راميها وإنما كسر عظام الخصم أو الفرائس، لأنها كانت تستعمل في الحروب والصيد. واكتشف الباحثون أحد هذه الأسلحة القديمة بمغارة ببولونيا يعود تاريخه لعشرين ألف سنة قبل الميلاد.
عندما نفكر اليوم في سلاح المرتد نتخيله على شكل حرف V اللاتيني (مع الشخصية الكارتونية ماوكلي)، ولكن من المرجح ألا يكون هذا هو الشكل الأصلي للمرتد، فقد تطور وتغير بعد أن لاحظ الصيادون أن انحناء القطعة الخشبية يؤثر بشكل إيجابي على استقرارها خلال الطيران ويمنحها مسارا أكثر أهمية.
ويستعمل حاليا المرتد القابل للعودة في الصيد لإخافة الطرائد الطائرة ولكننا نجهل مصدره وتاريخ اختراعه.
ويتكون المرتد من طرفين على شكل جناحين يشبهان في شكلهما وتصميمهما جناحي الطائرات ويتميز كل طرف بجهة دائرية وأخرى مسطحة، مما يسهل تنقل الهواء بشكل أسرع ويساهم في حمل جسم السلاح، مثلما يحدث في الطائرة. ويبقى الاختلاف الأساس في التصميم مقارنة مع هذه الأخيرة متعلقا بوضعية الحواف الدائرية، حيث أنها تتمركز على جانبين متعاكسين من المرتد لأن حركة هذا السلاح خلال الطيران تعتمد على دوائر صغيرة حول محوره المركزي، مما يفرض صنع الجزء الأمامي والجزء الخلفي من الجناح بتصميم معكوس.
لرمي المرتد بشكل صحيح يجب إطلاقه عموديا، مع توجيه الجزء الداخلي منه نحو الأمام، وعند دورانه يتحرك الطرف العلوي دائما أسرع من الطرف السفلي، مما يساعد على الحفاظ على قوة الرفع. وإذا تم رمي المرتد كما ينبغي، فسيعود إلى الرامي حسب مبدأ التأثير التوازني، الذي يرتكز على تغير اتجاه محور دوران جسم معين خلال حركته. وتساهم جميع العوامل المذكورة أعلاه في منح سلاح المرتد حركة ومسارا دائريا معقدا ومثيرا.
وتجدر الإشارة إلى أن تأثير الجاذبية على شكل حركة المرتد شبه منعدم، فقد قام رائد الفضاء الياباني تاكاو دوي Takao Doi برمي مرتد في محطة الفضاء الدولية، بعيدا عن تأثير الجاذبية الأرضية ولاحظ نفس المسار الدائري الغريب الذي نلاحظه على الأرض.
المصدر: كتاب “أجمل كتاب للفيزياء” لكليفورد بيكوفر
تحرير: أسامة الحمزاوي
التدقيق اللغوي: رشيد لعناني