القصص الجميلة للفيزياء: القصة رقم 3
عرفت الفيزياء منذ بدايات دراستها تطورات عديدة ونظريات مختلفة، تشكل في مجملها قصصا جميلة يسر المجتمع العلمي المغربي تقديمها لكم في هذه السلسلة من المقالات. سنحاول الإلمام بشكل مختصر وبسيط بكل ما هو مفيد ومهم في الفيزياء، منذ الانفجار العظيم إلى ثورة الفيزياء الكمية.
القصة رقم 3: المفاعل النووي الطبيعي
الزمن: 2 مليار سنة قبل الميلاد
علماء بارزون: فرانسيس بيران (1901، 1992)
يعتبر صنع تفاعل نووي مهمة صعبة. ففي محطات توليد الطاقة النووية، يتطلب ذلك شطر نوى اليورانيوم، مما يحرر الطاقة على شكل حرارة ويساعد النيوترونات على شطر نويات أخرى، في تفاعل يسمى الانشطار النووي. ولضمان استمرارية هذه العملية، يشرف على هذه المحطات العديد من الباحثين والتقنيين.
في نهاية ثلاثينات القرن العشرين، اكتشف الفيزيائيان إينريكو فيرمي وليو زيلارد الإمكانيات الهائلة لليورانيوم في إطار التفاعلات المتسلسلة. وقد قادا معا أبحاثا وتجارب عديدة في جامعة كولومبيا حيث اكتشفا إنتاج النيوترونات باليورانيوم. وقد فتحت نتائجهما الباب للتفاعلات المتسلسلة والأسلحة النووية. وكتب زيلارد عشية اليوم الذي حققا فيه اكتشافهما: “كنت متأكدا أن العالم يمضي قدما نحو مصيبة كبيرة”.
وفي 1972 اكتشف فرانسيس بيران مفاعلا نوويا من صنع الطبيعة، يعود لمليارين من السنين قبل ظهورالإنسان، تحت أرض أوكلو بالغابون. ونظرا للتعقيد الكبير الذي يميز العمليات النووية، فقد كان هذا الاكتشاف مصدر ذهول وحيرة عظيمين في صفوف العلماء.
وقد تشكل هذا المفاعل عندما التقى حقل غني باليورانيوم بالمياه الجوفية حيث استطاعت النيوترونات المنبعثة من اليورانيوم شطر النوى الأخرى بسبب تباطؤها. يلي ذلك إنتاج حرارة تحول الماء إلى بخار وتبطئ مؤقتا التفاعل المتسلسل. ثم يبرد محيط التفاعل وتعود المياه لتنطلق العملية من جديد.
الصورة 1 البنية الجيولوجية لمفاعل أوكلو.1: مناطق المفاعلات النووية. 2: حجر رملي. 3: طبقة اليورانيوم الخام. 4: جرانيت
وحسب العلماء، فقد استمر هذا المفاعل في العمل لمئات الآلاف من السنين، منتجا بذلك النظائر التي رصدت في أوكلو، وقد استهلكت هذه التفاعلات ما يقارب خمسة أطنان من اليورانيوم المشع 235.
ومن القصص الطريفة المتعلقة بهذا المفاعل النووي الطبيعي ما كتبه روجر زيلازني في روايته “قنطرة رماد” أن حضارة من الكائنات الفضائية أنشأت مفاعل الغابون للتأثير على الطبيعة وتحفيز الطفرات التي أدت في النهاية إلى ظهور الإنسان.
الصورة 2 بعد ملياري سنة من صنع الطبيعة لأول مفاعل نووي في إفريقيا، يملك ليو زيلارد وإينريكو فيرمي براءة الاختراع رقم 2708656 حول المفاعل النووي
المصدر: اعتمدنا في إنجاز هذه السلسلة على كتاب “أجمل كتاب للفيزياء” لكليفورد بيكوفر إضافة لبعض الاجتهادات والمقالات التي نعتبرها مهمة وتدخل في إطار السلسلة.