القصة الكاملة وراء رحلة التسع سنوات..
لطالما كانت لحظات الانتظار في الأمتار الأخيرة أكثر صعوبة وتشويقا في كل تحدٍ جديد. قبل 50 سنة من الآن كنا في انتظار الصور الأولى للاقتراب الأول للبشرية من الكوكب الأحمر، اليوم رفعنا التحدي وجاوزنا جارنا القريب إلى أبعد حدود نظامنا الشمسي.. وها نحن ننتظر صورا ومعلومات حول بلوتو، ذلك الكوكب الصغير، المختبئ في نهاية ترتيب عائلتنا الصغيرة في مجرتنا الكبيرة، بكل غموض وبرود وبملايير الكيلومترات الفاصلة بيننا، الأمر الذي أعطاه مكانة كبيرة في قلوب أغلب العلماء وغير العلماء، وشهد تعاطفا كبيرا خاصة بعد الجدال طويل الأمد حول تصنيفه، أهو كوكب أم لا؟
تُعتبر مهمة “نيوهوريزنس” الأكثر إثارة في ميدان استكشاف الفضاء على الإطلاق، فالمركبة تُعد الأسرع من بين جميع المركبات التي أطلقت لاستكشاف باقي الكواكب التي تشاركنا نفس العنوان في هذا الكون البديع، قطعت المركبة أطول مسافة لتسجل الرقم القياسي باسمها، فإلى حدود يوم 14 يوليوز 2015، اليوم التاريخي لوكالة ناسا والمجتمع العلمي بصفة خاصة والبشرية بصفة عامة، بلغت المسافة المقطوعة 5 ملايير كيلومتر.
قبل ملايير الكيلومترات كانت الخطوة الأولى يوم الخميس 19 يناير 2006، موعد إطلاق المركبة لكتابة التاريخ، برغبة جامحة لاستكشاف أقطار النظام الشمسي، فتشارك كل من مختبر الفيزياء التطبيقة من جامعة جون هوبكينز، ومعهد ساوث ويست للبحوث من ولاية تكساس في تصميم المركبة التي حملت اسم آفاقا جديدة كتعبير عن الهدف الأسمى من هذه المهمة العلمية، في 7 من أبريل من نفس سنة الإطلاق، عبرت مدار كوكب المريخ ثم بعدها بسنة، وبالضبط في 28 من فبراير عام 2007، مرت على كوكب المشتري قبل مواصلة التوغل، لتخترق المركبة مسار كوكب زحل في 8 يونيو 2008 وتواصل بعدها المشوار وتنجح في قطع نصف المسافة في 29 دجنبر سنة 2009، كانت المحطة اللاحقة تخطي مدار كوكب أورانوس بتاريخ 18 مارس 2011 ليعلن بعد ذلك في الثاني من دجنبر من نفس السنة، أن “نيوهوريزنس” هي أول مركبة تقترب من بلوتو، مواصلة بذلك قيادة الأمل للتعرف على الكوكب الصغير القابع في نهاية النظام الشمسي، متجاوزة مسار نيبتون في 25 غشت العام الماضي، وبدأ منذ ذلك الحين الاستعداد للحظة التاريخية التي شهدها العالم يوم أمس، ولأن الطموح لدى بني البشر لا يعرف حدوداً، فقد سُطرت لهذه المهمة أهداف أخرى بالإضافة إلى التعرف عن قرب عن الكوكب القزم، تتمثل في استكشاف حزام “كايبر”، تلك المنطقة التي تتكون من أجسام متجمدة وصخور، كالواقعة بين مداري المريخ والمشتري، غير أنها أكبر بشكل مهول، والتي سُميت تيمنا بمستكشفها الذي يعتبر الأب الروحي لعلوم الفضاء، العالم الهولندي “جيرار كايبر” الذي توقع وجود منطقة من الأجرام خلف نيبتون، رغم أنه اعتقد لاحقا أنها لم تعد موجودة هناك بسبب التأثيرات والجاذبية التي تعرضت لها من الكواكب المحيطة بها، الحزام والذي يعتبر بلوتو أكبر أجرامه، يتوقع أنه يحوي بين جنباته بقايا تكون النظام الشمسي ومواد متطايرة جامدة على الأرجح أن أغلبها صخور ومعادن، بالإضافة إلى آلاف الأجسام الأخرى وملايين المذنبات.
ستتوالى الأخبار التي ستصلنا من تلك المركبة الصغيرة التي بلغت أبعد نقطة ممكنة إلى حدود الساعة، وكلنا متشوقون للإجابات التي ستوفرها لنا على مدى سنوات حياتها العلمية المتوقع نهايتها بحلول العام 2026.
المصدر: nasa